بعد أن قضت المحكمة ببراءة الفنان الكبير عادل إمام، علينا أن نعيد النظر بشكل جاد في حدود الخيال الفنى، وعلينا كذلك ألا نجعله يشطح ويتجاوز العرف والقانون، لكى لا نعطى للمتشددين أداة لتحريم وتجريم الفن ككل. منذ سنوات البعض منا يحاول التأصيل لما اصطلح عليه ب«حرية الإبداع وحرية التفكير»، وهذه الحرية كما يرونها غير محدودة لا سقف أو ضابط لها، لا يحدها الشرع ولا يقيدها العرف ولا تخضع لقانون، تخضع فقط لأريحية المبدع وقناعاته، وعندما يصطدم المبدع بأحد أعماله مع المجتمع، ترفع الرايات، وتمنح خلال المصادمات صكوك الحصانة لخيال المبدع. ووسط تبادل الطرفين اتهامات بالتشدد والتطرف والفسق والفجور، يجلس بعض النخب وأغلب المواطنين فى مقاعد المشاهدين، وكأننا اعتدنا اشتعال هذه المعارك بين الحين والآخر، يشطح أو يتجاوز أحدهم بخياله المستقر عليه ذهنيا وبصريا، وينكر أحدهم الشطح ويصفه بالتجاوز أو بالمخالف للشرع، وتحتد المعركة ويتدخل بها بعض الأنصار على الجانبين، بعد أيام تفتر وتخفت المعركة مثل مئات المعارك التي سبقتها، ثم ننصرف وننسى حتى تشتعل معركة جديدة مع مخيلة وخيال جديد، وللأسف مع تكرار هذه المعارك لا نتوقف أبدا للتأمل والتساؤل: لماذا حرية المبدع تتجلى دائما في المشاهد الجنسية؟، لماذا لم نر خيال الفنان والمبدع في مسألة فكرية؟، ولماذا دائما تشتعل معركة الحريات بسبب غرف النوم؟. «داخلى: مساء أو صباحاً: الممثلة متجردة من بعض ملابسها مع الممثل على السرير فى غرفة النوم، أو في الحمام أو بملابسهما على السلم، أو في المطبخ..»، ما هو الإبداع في هذا المشهد؟، جميع النساء يفعلن ما تفعله الممثلة، نفس الحركات والأصوات والأوضاع، وكل الرجال يفعلون ما يفعله الممثل، ما هو المبدع والمدهش والمستنير في المشهد؟. يقولون إن هذا المشهد يخدم السياق، أي سياق؟، ولماذا هذا السياق دائما يرتبط بالمشاهد الجنسية؟، ولماذا لا نستخدم الإيحاء والرمز الفني؟، هل الرمز والإيحاء يفسدان السياق؟، هل يحدان من خيال المبدع الفنان المستنير؟، ولماذا خيال سعادته لا يتسع ولا يتجلى سوى فى المشاهد الجنسية أو المشاهد المثيرة جنسيا؟، ولماذا يقبل المبدع المستنير قيود الفضائيات العربية وحدودها لخياله ولا يقبلها فى مصر؟، لماذا لا ترفع رايات الحريات عندما «تقصقص» الفضائيات العربية من خياله وإبداعه؟، لماذا نشاهد خياله فى هذه الفضائيات دون أن نشعر بأن حريته قيدت وأن سياقه بتر وفسد؟، نفس الفيلم نشاهده في الفضائيات العربية خاليا من مشاهد القبلات الحارة والساخنة والباردة، كما نراه وقد انتزع منه مشاهد غرف النوم الملتهبة، ولا نشعر أبدا بأن هذه القنوات قد أخلت بالنص، أو أن خيال المبدع الفنان قد فسد. إذا تغاضينا عن الشرع والعرف الاجتماعي وانتقلنا إلى القانون المعمول به في البلاد، أليست هذه المشاهد تعد مخالفة صريحة لقانون العقوبات، مواد القانون وصفت هذه المشاهد بالفاحشة وأكدت أنها منافية للآداب العامة، وهو ما يعنى أن هذا المجتمع له آدابه التي يجب احترامها، لهذا عاقبت الدولة من يخالف هذه الآداب بالحبس وبالغرامة، ويتم تنفيذ العقوبة على من يروج لهذه الأعمال المنافية، وعلى الذين يمارسونها، وعلى الذين قاموا بتصويرها أو كتابتها أو نقشها، ويعاقب بها المتزوجان إذا ضبطا يمارسان الأعمال المنافية في الطريق العام، والأعمال المنافية هنا تشمل القبلات الساخنة وما يصاحبها، والقانون لا يعترف بأية مبررات: «كانت عيها مطروفة»، «كان بيعدينى الشارع»، «أصلها كانت دايخة»... لماذا نطالب بتطبيق قانون العقوبات على من يمارسها بالطريق العام وننكرها على من يمارسونها فى الخيال البصري والسمعي والمقروء؟، لماذا نتفق جميعا على تسميتها بالفحشاء والمنافية للآداب في حال ممارستها بالطرق والشقق، ونسميها حرية وخيال مبدع عندما تأتى في الأعمال الفنية؟، لماذا نتهم من ينكر هذه المشاهد شرعا أو قانونا بالرجعى والمتعصب والمتطرف والمتخلف والوهابي والسلفي، ومن يجيزها ويسمح بها نسميه المبدع الفنان المستنير التقدمي؟.