«أنا دكتور وعندي عملية حرجة الدقيقة هتفرق في انقاذ حياة مريض هتأخر عن شغلي والمدير هيطردني ارحموني.. أبنائي هيموتوا من الحر حرام عليكم الطيارة هتقوم ولازم أسافر في مؤتمر ضروري» هذه صورة مصغرة لبعض من الاضرار الناجمة عن قطع الطرق. حيث بلغت ظاهرة قطع الطرق والسكة الحديد ذروتها في تصاعد خطير خاصة بعدما قام نحو 3 آلاف شخص من قرية الشرقاوية التابعة لشبرا الخيمة في الاسبوع الماضي بقطع طريق مصر - اسكندرية الزراعي لمسافة نحو عشرة كيلو مترات في الاتجاهين كما قاموا بقطع سير قطارات السكة الحديد في نفس المنطقة مما عزل نحو 11 محافظة من شمال البلاد عن القاهرة لاكثر من 13 ساعة متصلة. وجاء ذلك علي خلفية وفاة مشتبه به في الاتجار بالمخدرات عقب القبض عليه بمعرفة ضباط مباحث قسم أول شبرا الخيمة لإصابته بنزيف كبدي بينما اتهم أهالي البلدة الشرطة بتعذيبه مما تسبب في موته إلا أن تقرير الطب الشرعي أكد ظهر أمس ان وفاة المشتبه به كانت طبيعية متأثراً بمرضه تسبب هذا الوضع المأساوي في حالة من الفوضي بالرعب والهلع الذي سيطر علي المارة بالمنطقة حيث قاموا بقطع الطريق باطلاق النيران بصورة عشوائية لارهاب المارة من قائدي السيارات ومنعهم من العبور وامتدت طوابير السيارات الي عدة كيلو مترات بعضها يقل أسراً كاملة وأطفالاً أبرياء وسط ارتفاع خانق في درجة الحرارة ووسائل نقل عامة بين ركابها شيوخ وعجائز من كبار السن أرهقهم الصيام والسفر وقد أعياهم طول الانتظار ومرارته دون بارقة أمل مما أدي لتكدس آلاف الاشخاص من المسافرين والمارة حتي أن بعضهم سار مترجلاً لاكثر من عشرة كيلو مترات بحثاً عن وسائل نقل تعود بهم الي منازلهم وذويهم سالمين ففي النهاية يتضرر أبرياء لا ذنب لهم سوي حظهم العثر الذي جرهم الي هذا الطريق المسدود بالحواجز البشرية. قبل الثورة بعام ظهرت موضة جديدة من الاحتجاجات وهي «قطع الطرق» وانتشرت بصورة مكثفة بعد الثورة وكأنها الطريقة الوحيدة لتحقيق المطالب بعد أن يئس المتظاهرون من الطرق السلمية فلم يعد يمر يوم إلا ويتكرر مشهد احتجاج المواطنين اما علي قرار مسئول قام باصداره دون النظر الي مصلحة هؤلاء المواطنين أو بسبب أزمة اقتصادية وقعت حيث اختلف أسباب قطع الطرق فهناك من يقطع الطريق بسبب انقطاع المياه أو الكهرباء أو اعتراضاً علي تأخير دفع الرواتب أو بسبب وفاة أحد لكن في النهاية الهدف واحد وهو تحقيق العدالة الاجتماعية لكن بوسيلة عنيفة تضر بعجلة التنمية في الفترة الحرجة التي تمر بها مصر. برغم من الحرية التي كفلتها دساتير العالم للمواطنين في التظاهر وابداء الرأي إلا انها وضعت ضوابط وشروطاً يجب التمسك بها وهي عدم الاضرار بمصالح الآخرين إلا تحولت هذه المظاهرات الي فوضي عارمة وفي الوقت نفسه أصبح المواطنين في مصر لديهم عدم ثقة في العدالة أو آليات الحكومة وهو ما يدفعهم الي محاولة الحصول علي حقوقهم المهضومة عن طريق القوة وباستخدام أيديهم حيث يشعرون ان ما لم يستطع أخذه بالقوة فلن يعيد الحق كما ان عمليات القمع التي يتعرض لها المواطنون يومياً تدفعهم الي الثورة ضد الظلم. فنحن أمام معضلة لا تفكر انه في حق المواطن التظاهر والتعبير عن آرائه ومطالبه وفي الوقت نفسه لا يحق له تعطيل مصالح الآخرين والتسبب في توقف عجلة الانتاج بسبب قطع الطرق حتي ان كانت الوسيلة الوحيدة لتحقيق مطالبه لان الغاية لا تبرر الوسيلة هل تسأل قاطعي طرق سكة حديد قليوب في الحادث الاخير الذي استمر أكثر من 13 ساعة كم من ملايين خسرت السكة الحديد بسبب الغاء التذاكر في هذا اليوم كم من مواطن فشل في الذهاب لعمله واثر ذلك علي مرتبه كما تأثر الناتج النهائي بسبب عدم وجوده في العمل لذلك حاولت «الوفد» البحث عن حلول لوضعها أمام أعين صانعي القرار والمسئولين. انقسمت الآراء بين الناشطين والقانونيين في رؤيتهم للمشكلة فالبعض رأي الحلول في يد الدولة ومسئوليها والآخر وجدها بتغليظ العقوبة وتطبيق القانون خاصة بعدما أصدر المجلس العسكري بعد توليه السلطة قانون البلطجة في عهد المستشار محمد الجندي وزير العدل وهذا القانون واجه القصور الذي كان متواجد في قانون العقوبات حيث ان عقوبة قطع الطرق لم تتضمن قطع الطرق علي السيارات الملاكي واقتصر تطبيق القانون علي قطع الطرق علي وسائل النقل العامة فقط. أوضحت دكتورة كريمة الحفناوي القيادية بالجمعية الوطنية للتغيير وحركة كفاية ان لجوء المواطنين لقطع الطرق جاء لعدم فاعلية الطرق السليمة في المطالبة بالحقوق وهذا يرجع الي عدم استجابة المسئولين للمطالب بشكل فوري حيث يستخدم المسئولون المثل الذي يقول «ودن من طين وودن من عجين» ولا يتم تحقيق المطالب إلا اذا قام المتظاهرون بقطع الطريق واستدلت بأول واقعة لقطع الطريق عام 2010 عندما قام أهالي كفر الشيخ بقطع الطريق احتجاجاً علي انقطاع المياه عن منازلهم وجفاف أراضيهم الزراعية مما دفع المسئولين لتحقيق مطالبهم بشكل فوري. مشيرة إلي ان الحكومة لم تستجب إلا بعد قطع الطريق الدولي رغم استخدام أهالي المنطقة الطرق السلمية في بادئ الامر حيث حرر أهالي القرية عدة شكاوي وقاموا باعتصامات ثم وقفات واضطرابات احتجاجية دون جدوي لذلك حملة الحفناوي حل أزمة قطع الطريق علي المسئولين بالدولة قائلة «ان الجرم متبادل لعدم استجابته المسئولين بتحقيق مطالب المتظاهرين بشكل فوري». واقترحت الناشطة السياسية حلاً لازمة قطع الطريق أن تعمل الحكومة منذ بادئ الامر بشفافية في تقديم المعلومات لمواطنيها في متابعة المدة الزمنية الازمة لحل الازمة التي يتظاهرون من أجلها لامتصاص غضبهم وأكدت كريمة ان ذلك يتحقق بأن تقوم الدولة بمشاركة مواطنيها وأحزابها السياسية ومجتمعها المدني في حل المشكلة حتي يشعر الجميع بأن هناك مسئولية مشتركة وأن الدولة تقوم بكل طاقتها لحل الازمة التي من المحتمل أن تحتاج وقتاً كبيراً. حذرت حفناوي من قيام ثورة جديدة عنيفة في حالة استمرار ظاهرة قطع الطرق بسبب عدم تحقيق مطالب ثورة 25 يناير من تحقيق العدالة الاجتماعية كتوفير الحد الادني للاجور حيث ان الجماهير لم تر مطلبا واحدا يتحقق مشيرة إلي ان الثورة لم تكن من أجل الحريات فقط لان الحريات ارتبطت بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية كتوفير الخدمات الصحية. وأضافت الحفناوي علي حادث قطع سكة حديد منوف الاخير ان السبب في هذا الحادث جاء لانعدام الثقة بين الشعب والشرطة حيث شكك أهالي المتهم الذي لقي مصرعه عقب إلقاء القبض في سبب وفاته واتهموا الشرطة بقتله وأوضحت ان حل تلك الازمة في اعادة الثقافة الشعبية بأن جهاز الشرطة يحترم آدمية مواطنيه وأن يكون هناك تعاون بين الدولة واللجان الشعبية والا يتبع المسئولون سياسة استقصاء المواطن والانفراد باتخاذ القرارات. وطالبت القيادية بالجمعية الوطنية للتغيير الدكتور محمد مرسي الرئيس المنتخب بتنفيذ حكم القضاء الاداري برفع الحد الادني للاجور حتي يمتص الغضب الشعبي الذي يظهر في صورة مظاهرات تصل لقطع الطرق. وأوضحت كريمة انها ضد التعامل الامني فقط مع أزمة قطع الطرق في حين أيدت تغليظ العقوبة علي المجرمين لكن مع الحفاظ علي حق المواطن في التظاهر وانها ضد اصدار أي قانون يجرم التظاهر مشيرة إلي انه مشروع دولي معترف به في جميع دول العالم. ويري المستشار عبدالمنعم السحيمي رئيس نادي قضاة طنطا ان قطع الطرق جريمة تعد من جرائم الحرابة في الشريعة الاسلامية ولا يمكن تبريرها مهما كانت الدوافع قائلاً ان الحرية تقف عند اصطدامها مع حرية الآخرين وان كان الباعث نبيلا مشيراً إلي ان القانون المصري يعاقب كل من يقطع الطريق بالاعدام اذا نشأ عن تعطيل الطريق موت مواطن وأوضح السحيمي ان أفضل طريقة لمواجهة ظاهرة قطع الطرق هي تطبيق القانون علي المعتدين دون استخدام سياسة «الطبطبة» التي اتبعها المجلس العسكري خوفاً من الاصطدام مع الناس كما طالب بنشر الحكم في الجرائد المختلفة حتي يكون عبرة للآخرين. وطالب وزير الداخلية باتخاذ جميع الاجراءات الحازمة لكل الخارجين علي القانون وخاصة قطع الطرق وتطبيق القانون بعيداً عن سياسة الطبطبة واليد الرخوة خاصة بعدما أصدر المجلس الاعلي للقوات المسلحة مرسوماً بقانون رقم «7» لسنة 2011 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم «58» لسنة 1937 بحيث تبدأ العقوبة من الحبس سنة لكل متهم بالترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة «البلطجة» وتصل الي السجن المؤبد كعقوبة مقررة لأية جنحة أخري تقع بناء علي أي شكل من أشكال الترويع وصولاً الي عقوبة الاعدام اذا اقترنت جريمة البلطجة بجناية القتل العمد ويقضي في جميع الاحوال بوضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة كعقوبة مقيدة للحريات مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه بحيث لا تقل عن سنة ولا تجاوز 5 سنوات. وأضاف المرسوم في مادته الاولي باباً جديداً الي أبواب الكتاب الثالث من قانون العقوبات يتكون من مادتين برقمي 375 و375 مكرر «أ» وهو الباب السادس عشر بعنوان «الترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة» البلطجة. وفي نفس السياق كانت محكمة أسيوط قد أصدرت أول حكم قضائي يصدر لحالات قطع الطرق وتعطيل خطوط السكك الحديدية حيث قد قضت بالسجن لمدة 3 سنوات علي 9 متهمين تزعموا آخرين وقاموا بقطع الطريق واشعال اطارات السيارات علي شريط السكة الحديد بمدينة منفلوط بمحافظة أسيوط والتي سبق وأن تحرر عنها المحضر رقم 4835 اداري منفلوط. وقد أصدرت وزارة الداخلية بياناً يحذر فيه اللواء جمال الدين وزير الداخلية من ارتكاب جرائم قطع الطرق والتعدي علي خطوط السكة الحديدية والتعدي علي المرافق العامة باعتبارها من الجرائم الجسيمة التي تؤدي الي تعطيل مصالح المواطنين والاضرار بهم وتؤثر علي الاقتصاد. كما شمل البيان مناشدة وزارة الداخلية المواطنين الالتزام بأساليب وضوابط التعبير السلمي عن الرأي الذي كفله الدستور والقانون واللجوء للقنوات الشرعية لبحث شكواهم ومطالبهم وبصفة خاصة بعد إنشاء ديوان المظالم لتلقي شكاوي المواطنين ودراستها والعمل علي حلها بمكاتبه المنتشرة في مختلف المحافظات. وأعرب المحامي محمد عبدالعزيز عن قلقه من استغلال جماعة الاخوان قوانين منع التجمهر وقطع الطرق لخدمة أهدافهم السياسية حيث يقومون بتسخير تلك القوانين ضد كل من يتظاهر ضدهم ويوجه له تهمة التجمهر وتعطيل المصالح والتي تصل عقوبتها الي السجن المشدد أو الاعدام. وعلي الجانب الآخر قال اللواء رفعت عبدالحميد الخبير الامني ان مشكلة قطع الطرق والبلطجة انتشرت في الآونة الاخيرة وأصبحت علانية خاصة مع تزامن الافراج عن تجار المخدرات والبلطجية تحت مسمي العفو الرئاسي وحُسن السير والسلوك ورفض عبدالحميد الافراج عن المتهمين تحت أي مسمي، مشيراً الي انه لابد من تنفيذ القانون الحالي. وقال عبدالحميد انه لابد علي أجهزة الدولة اعادة قانون الطوارئ واقترح انشاء مستعمرات زراعية وصناعية جديدة لإيداع البلطجية بها وتنفيذ مبدأ الأجر مقابل العمل مثل أمريكا والصين بدلاً من تطبيق القانون وايداعهم بالسجون، مشيراً أن إنشاء مستعمرة واحدة في مصر أفضل كثيراً من التوسع في السجون. وأشار عبدالحميد أنه عقب اصدار أحكام علي المتهمين يتم العفو الرئاسي عنهم أو قضاء نصف المدة دون عرض الامر علي القاضي الذي أصدر الحكم وهنا يعتبر تدخلاً في السلطة القضائية.