بأحد الأدوار العليا من عقار شاهق بضاحية "فيكتوريا" في حي المعادي الهادئ تقبع الحاجة "س" على كرسيها المدولب داخل شقتها، في انتظار وصول ابنها الوحيد وصديقه لحملها نزولًا على درجات السلم حتى يصلان إلي سيارته المنتظرة في أسفل العقار ليستقلاها إلى حيث تقع عيادة الطبيب. شريط من الذكريات يمر أمام عينيها مسترجعة تفاصيل تلك الرحلات الشاقة والمحرجة التي عليها أن تخوضها كل بضعة أسابيع لزيارة الطبيب الذي يوقع عليها كشفًا دوريًا، تصحبه عدة فحوصات تجريها للإطمئنان على صحتها ولمعرفة مدى التحسن الذي تلقاه بفعل الدواء الذي يقاوم على استحياء مرضًا ينخر بعظامها منذ أعوام قليلة، "الروماتيد". لكن الرحلة الشاقة التي اعتادت خوضها كل شهر ذهابًا وايابا إلي الطبيب اختلفت هذه المرة بعد أن عثر ابنها على ضالته في شركة "توصيلة"، أول شركة متخصصة في نقل وتوصيل ذوي الاحتياجات الخاصة من أصحاب الهمم وكبار السن داخل القاهرة الكبرى. سيارة مجهزة بتقنية حديثة لنقل ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنيين: بخطوات راسخة حثيثة تلمس "خالد خيري"، خبير الموارد البشرية سابقًا ومؤسس وصاحب فكرة المشروع، موطأ أقدامه على درب حلمه الوليد بتوفير خدمة متكاملة لنقل وتوصيل ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنيين من غير القادرين على الحركة من داخل محل إقامتهم واصطحابهم داخل سيارة مجهزة على أعلى مستوى في رحلة يرافق، فيها العميل إلى وجهته، سائق ومساعد يلازمه خطوة بخطوة خلال مشواره ولا يفرغان من إتمام مهامتهما إلا على عتبات مسكن العميل. فكرة تنبض بالخير خرجت من رحم المعاناة التي لاقتها والدته المسنة طوال سنوات عقب إصابتها بمرض الروماتيد الذي أقعدها عن الحركة وحمّل رحلاتها خارج المنزل من المشقة ما لاتقدر عليه فجلست حبيسة المنزل رغمًا عنها قبل أن تسطع فكرة المشروع في ذهن وحيدها قبل عام، متجسدة في هيئة سيارة خاصة تسمح للمسن أو ذا الهمة بإستقلالها بسهولة دون الحاجة لتكبد وطأة حمله ومايصاحبها من إحراج يقع في نفس المريض. أسطول من سيارات الخير: سيارة على طراز حديث مزودة بجهاز تحكم خاص قادر بضغطة زر على تغيير وضعية كرسي مرافق السائق لتتحول زاويته بمعدل 90 درجة مفسحًا المجال للراكب لينتقل بسلاسة من الكرسي المتحرك القابع بجانب السيارة ينتظره إلى داخل العربة، كانت البذرة الأولى لمشروع "توصيلة"، جهزها بكرسي مرافق السائق الدوار الذي استورده من الخارج، "راسلت كتير من الشركات بره مصر عشان ألاقي أفضل حاجة وأخيرًا وجدته بألمانيا بمبلغ يعادل ال 150 ألف جنيه مصري"، كما يوضح "خالد" خلال حديثه مع الوفد. فريق قوامه 3 سيارات يربض أسفل مقر الشركة بضاحية "وادي دجلة" في حي المعادي، ينتظر على أهبة الاستعداد مكالمة من أحد العملاء ليهرع السائق ومرافقه إلى مكان تواجد العميل ويصطحبانه إلى وجهته في خدمة هي الأولى من نوعها داخل مصر، "نعمل على مدار 12 ساعة في اليوم رغم الإمكانات الضعيفة"، هذا ما أكده "خالد" خلال حديثه. ويسعى "خيري" لتحويل فريق المتواضع إلى أسطول للخير بضم المزيد من السيارات إليه في القريب العاجل ملتمسًا تحركًا جديًا من جهاز تنمية المشروعات لدعم مشروعه المبشر بالخير. وبين ورش الحرفيين بمنطقة وسط البلد وجسر السويس وأبو رواش ساق الحظ قدما "خالد" وقاده صدق السعي باحثًا خلف ضالته في صنايعي ماهر يستطيع أن يحول بنات أفكاره لواقع ملموس، في شكل نموذج يحاكي الكرسي الدوار المستورد من الخارج الذي يميز سيارات "مشاوير"، حتى عثر أخيرًا على ضالته بإحدى الورش البسيطة التي تخفى داخلها دُرَر الصنايعية ذوي الأيادي الذهبية. خدمة شاملة في متناول أيدي الجميع: على أعتاب إحدي النقابات المهنية رافق أحد عمال "مشاوير" رجل "أربعيني" من ذوي الهمم يجلس على كرسيه المتحرك لإتمام إجراءات إحدى المسائل العالقة بالتأمين الصحي، يقضي "رجل مشاوير" عنه المهام البسيطة التي أقعدته الإعاقة عن التكفل بها من تقديم الأوراق وتسديد المستحقات بشفافية وأمانة. "نتكفل بأداء كل مايحتاجه العميل"، بكلمات منقمة سلسلة يستعرض "خالد" في منشور دعاية "توصيلة" الخدمات التي توفرها مبادرته بأسعار رمزية لاتحتمل المنافسة، في خدمة مرادفاها "الكرامة والنزاهة" تبدأ مع استقبال مكالمة العميل مرورًا بالانتقال لمحل إقامته لمرافقته إلى وجهته المنشودة وإعادته المنزل في مهمة متكاملة.