المتحف يضم نسخة من تفسير القرآن عمرها 1000 عام قطعتان من كسوة الكعبة أهداهما «الملك عبدالعزيز» إلى طلعت حرب باشا التجول داخل مركز المخطوطات بمكتبة الاسكندرية أشبه بالركوب فى آلة الزمن، فى رحلة استثنائية الى أطنان من الاوراق الصفراء والرسوم الباهتة والبرديات القابلة للتحلل بمجرد لمسها، فتشعر وكأنك ترى الشيخ الجليل البستى عاكفا على تفسير القرآن الكريم بخط كوفى جميل وهو لا يدرى أن بعد ألف عام من فناء عمره سيقدم لمكتبة الاسكندرية أقدم مخطوطة، مؤرَّخة بسنة 368 ه 978م، وستشعر بانبهار وشغف للمعرفة عندما تقع عيناك على نسخة طبق الأصل من بردية يرجع تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ويرجَّح أنها الأثر الوحيد الباقى من مكتبة الإسكندرية القديمة، كما ستتخيل ما دار من حديث بين الملك عبدالعزيز آل سعود مع رائد الاقتصاد المصرى طلعت باشا حرب عام 1936 م حينما أهدى الاخير قطعتين من كسوة الكعبة الشريفة، يبلغ طول الواحدة منهما ستة أمتار. ويعد متحف المخطوطات من أجمل وأهم المتاحف الموجودة فى مكتبة الاسكندرية مع تعددها وقيمتها التاريخية، حيث يتابع بشغف شديد يصل الى درجة المطاردة الدكتور مصطفى الفقى مدير مكتبة الاسكندرية كافة الجهات والمؤسسات الراغبة فى الحفاظ على كنوزها من مخطوطات ووثائق وخرائط قديمة، ودعوتهم الى ترميمها وحفظها للأجيال القادمة، وآخر تلك الدعوات كانت زيارة البابا ثيؤدوروس الثانى بطريرك الروم الأرثوذكس وسائر أفريقيا، للدكتور «الفقي»، الذى اشار الى أن العلاقات بين مصر واليونان وطيدة، بوصفها تجسيدا لميراث حضارى ممتد، يعبر عن تجاور فى التاريخ، والجغرافيا والثقافة عبر البحر المتوسط، عنوانه مكتبة الإسكندرية. وتعمل مكتبة الاسكندرية حالياً على ترميم مخطوطات البطريركية، وهو المشروع الذى تقوم به المكتبة منذ سنوات، وأنجزت سبعين بالمائة منه، ويتوقع أن ينتهى فى نهاية عام 2020. وأوضح الدكتور مصطفى الفقى أن البلدين من آباء العالم القديم، وتعتبر الإسكندرية درة المدن اليونانية حسب وصف الرئيس اليونانى بروكوبيس بافلوبولوس، الذى شرف مكتبة الإسكندرية بزيارة خاصة. قد قام معمل الترميم منذ نشأته بترميم 100 مخطوطة قبطية نادرة بالتنسيق مع الكنيسة الارثوذكسية، ومجموعة نادرة من الكتب والمخطوطات لدار الآثار الإسلامية بدولة الكويت، ومخطوطات نادرة لمكتبة البلدية بطنطا بالتنسيق مع وزارة الثقافة المصرية، وتحديث وترميم المخطوطات الخاصة بالأزهر الشريف ودار الكتب الوطنية الليبية. وتم تطوير معمل الترميم وكذلك معمل الكيمياء سنة 2002 بمنحة إيطالية، إلى أن أصبح واحدا من أهم المراكز المعنية بالترميم فى مصر والشرق الأوسط. «الوفد» التقت الدكتور محمد سليمان رئيس قطاع التواصل الثقافى بمكتبة الاسكندرية والمدير الاسبق لإدارة متحف المخطوطات ودار الحديث حول قاعة العرض الخاصة بمتحف المخطوطات، باعتبارها الأشهر بين أقسام المتحف المرتبطة بالترميم والتدريب وغيرها من الاعمال المتحفية التى تعمل بعيداً عن الاضواء والشهرة. ما أهم المخطوطات التى يضمها متحف المخطوطات؟ قاعة العرض المتحفى هى أحد أقسام متحف المخطوطات الذى يُعد واحدًا من مراكز التواصل الثقافى المتخصصة بمكتبة الإسكندرية، ويعرض بها مجموعة من نفائس المخطوطات والكتب النادرة. وتقع القاعة فى المبنى الرئيسى لمكتبة الإسكندرية، على مساحة حوالى 420 متراً مربعاً. وتضم 39 وحدة عرض تم إهداء بعضها من الحكومة الإيطالية، وتستوعب هذه الوحدات ما يقرب من 120 مخطوطة و30 كتابًا أو وثيقة نادرة، وهى مختارات تعكس ثراء محتوى المكتبة. حيث يمكن للزائر الاطلاع على نوادر المخطوطات من خلال مجموعة من الإصدارات الرقمية، التى تعرض بطريقة التصفُّح التخيلي؛ حيث يتمكن الزائر من الاطلاع على المخطوطة وتصفُّحها وتكبير أجزاء بعينها، وكذلك الاستماع إلى التعليق والشرح. ويضم المتحف أيضًا نماذج لأعمال ترميم المخطوطات التى تتم داخل معمل الترميم؛ حيث يقوم متخصصون على درجة عالية من المهارة بترميم المخطوطات والكتب النادرة بأحدث التقنيات. ويُضيء أحد جوانب متحف المخطوطات أقدم مخطوطة بمكتبة الإسكندرية، وهى تفسير القرآن، للبستى مؤرَّخة بسنة 368 ه 978 م، كتبت بخط كوفي. وتعد هذه المخطوطة من أهم الوثائق التى تؤرخ لتطور الكتابة العربية فى القرن الرابع الهجرى - العاشر الميلادي. كما توجد قطعتان من كسوة الكعبة الشريفة، يبلغ طول الواحدة منهما ستة أمتار، ويرجع تاريخهما إلى عام 1936م. وكان الملك عبدالعزيز آل سعود قد أهداهما لرائد الاقتصاد المصرى طلعت باشا حرب. وتزين جدران المتحف مجموعة من الجداريات الرائعة لصور المخطوطات والمنمنمات، ونذكر منها مخطوطة للإنجيل باللغة العربية فى مدخل المتحف، مكتوبة بالخط الكوفي، ويرجع تاريخ نسخها لسنة 482ه. ويلى هذه الصورة ثلاثة نماذج لمخطوطات للقرآن الكريم، تمثل نسخاً بديعة مزخرفة مجموعة من أبدع المخطوطات القرآنية. إلى جانب جدارية لقصيدة البردة للإمام البوصيري، التى تعد إحدى أشهر قصائد المديح النبوي. وما أهم المعروضات الفرعونية والقبطية والإسلامية؟ ويرى الزائر نسخًا طبق الأصل من البرديات المصرية القديمة مثل بردية «كتاب الموتى» أو الخروج إلى النهار المكتوبة بالهيروغليفية، وكذلك نسخة من بردية مكتبة الإسكندرية القديمة المحفوظة بمتحف البرديات بالمكتبة الوطنية النمساوية. وفى الجزء الخاص بالتراث اليهودى تُعرض لفافات من التوراة كتبت باللغة العبرية يرجع تاريخها للقرن الثامن عشر، ونسخة من توراة مطبوعة فى مدينة فيرارا الإيطالية سنة 1553م. وفى الجزء الخاص بالتراث المسيحي، يضم المتحف نسخة طبق الأصل من الكتاب المقدس المحفوظ بالفاتيكان، والذى يرجع تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي، كما يُعرض أيضًا مخطوط للإنجيل مكتوب باللغة العربية يرجع إلى القرن السابع عشر. وفى الجزء الخاص بالتراث العربى يُعرض جانبٌ من المخطوطات الإسلامية، وتتمثل فى مجموعة من المصاحف الشريفة التى يرجع تاريخها إلى القرن العاشر الهجري، مشكولة ومؤطرة وبها زخارف بديعة، كما تُعرض بالمتحف مخطوطات العلوم القرآنية والفقه والحديث والتصوف. ويضم المتحف جانباً من إسهامات العلماء العرب فى مجال العلوم، فنجد مخطوطات فى الطب للرازى وابن سينا وابن النفيس، وفى الرياضيات للطوسى وقاضى زاده الرومي. وهل هناك معايير لوصف كتابٍ ما بأنه نادر؟ بالطبع توجد معايير علمية منضبطة منها عُمْر الكتاب، وبالرغم من أن هذا المعيار ليس بالضرورة الأهم لوصف كتاب بأنه نادر، إلا أنه يمكن القول إنه كقاعدة عامة، وتُعد نادرةً الكتبُ التى طُبعت قبل عام 1501م، والكتب الإنجليزية التى طُبعت قبل عام 1641م، والكتب التى طبعت فى الأمريكتين قبل 1801م، والكتب العربية التى طُبعت فى أوائل القرن التاسع عشر. ويسمى الكتاب المطبوع قبل عام 1500 incunabulum من الكلمة اللاتينية cunae التى تعنى (المهد)، ما يعنى أن الكتاب قد طُبع فى مهد - أى بداية - تقنيات الطباعة. ما أهم الكتب النادرة التى يحتويها متحف المخطوطات؟ يرجع تاريخ أقدم كتاب فى المكتبة إلى عام 1482م، وهو كتاب باللغة اللاتينية طُبع فى فينيسيا، ويضم قصائد الشاعر الهجائى اللاتينى ماركوس فاليريوس مارتياليس، الذى عاش فى القرن الأول الميلادي. والكتاب مجموعة من القصائد القصيرة الساخرة، يزيد عددها على الألف والخمسمائة. وتميزت تلك القصائد بأسلوبها الذكى الساخر، وكان لها تأثير كبير فى هذا النوع الأدبى فى كلٍّ من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وإنجلترا. والكتاب يحمل فى حواشيه تعليقات من دوميتيوس كالدرينوس على تلك القصائد. وكذلك يضم المتحف بعضًا من أوائل مطبوعات مطبعة بولاق، خاصة الكتب التى طُبعت بأسلوب الطباعة الحجرية، وهى الطباعة التى يتم فيها كتابة أو رسم الشيء المراد طبعه على سطح أنواع معينة من الحجر. وتكون الكتابة بأقلام دهنية، وبصورة معكوسة على الحجر مباشرة. وكخطوة ثانية، يبلل وجه الحجر بالماء ثم يغطى بالحبر. واعتمادًا على التنافر الطبيعى الموجود فيما بين المواد الدهنية والماء، فإن الحبر لا يلتصق إلا على الكتابة الدهنية. ومن بين الكتب التى طبعت بهذه الطريقة، كتاب (حياة الحيوان) للدميري، وهو أحد المؤلفات الموسوعية فى علم الحيوان، حيث أفرد الدميرى مادة لكل حيوان، مرتبة على ترتيب المعجم، وأفرد فيها ما وَسِعه من معلومات عن اشتقاق اسم الحيوان وعن صفاته وطباعه، ودعم ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، بالإضافة إلى ما وصله من أساطير وخرافات عن تلك الحيوانات. كذلك رجع فى مؤلَّفه إلى بعض الكتب السابقة، مثل مؤلفات الجاحظ والمبرد والأصمعى وابن خلكان وغيرهم. وقد طُبعت هذه النسخة فى مطبعة بولاق عام 1858م. وبالإضافة لتلك الطبعات الأولى التى ترجع لأوائل عصور الطباعة فى أوروبا وفى مصر، هناك طبعات أحدث قليلاً لكنها لا تقل أهمية وقيمة. مثل كتاب (وصف مصر)، الموسوعة الشاملة التى تتناول تاريخ وجغرافيا مصر، وقد كتب هذه الدراسات مجموعة العلماء الفرنسيين الذين صاحبوا حملة بونابرت على مصر (1798-1801)، وقام بالرسوم التفصيلية المذهلة الفنانون المصاحبون للحملة. وقد طُبعت أجزاء الكتاب فى الفترة ما بين عامى 1821م و1826م، فى سبعة وثلاثين مجلدًا: ستة وعشرون منها للنصوص، وأحد عشر مجلدًا للَّوحات. وتُعرف هذه الطبعة بطبعة «بانكوك» Panckoucke نسبةً إلى اسم ناشرها، وهى الطبعة التى تقتنيها مكتبة الإسكندرية.