الإسم يبعث على البهجة له مذاق الألوان ، لأول وهلة يجذبك رونقها وبهاءها الموسيقى فى حروفها ، الشمس عادت تحلق فوق ربوع النيل من جديد ، يلوح فى الأفق فرح يربت على كتفك يوقظ طيور الفجر لتقبل على الحياة ، يحدوك الأمل فى غد نير ومشرق ، تحاول أن تسير خلف ماريا فيصدمك إتشاحها بالسواد ، إختبأت خلف عباءتها ، أغلقت مفاتيح عقلها وقلبها وباتت رمزا لعصر الإماء ، لن تقبل ماريا أن تظهر للناس بمصريتها الوسطية وفكرها المستنير بعدما حققت مكاسبا بالجهد والمعرفة وطول الصبر ، فإرادتها القوية وعزمها وإصرارها ماسطر هذا الموقف البطولى العظيم فى ميدان التحرير إلى جوار أقرانها من الرجال فإلى جانبهم ترفع هامتها معلنة أنها هنا موجودة عطاء وفداء ، بيدها صنعت اللافتات تقول حرية وعدالة إجتماعية ، كانت ملحمة رائعة شجاعة لاتقدم عليها إلا حفيدات ( مينا وخوفو ) فتحت صدرها إلى جانب أخيها وأبيها وولدها تتلقى معه رصاصات الإنتقام من أعداء الثورة فسقطت شهيدة التمرد على الظلم وكفى ثلاثين عام من قهر النفس ، أبت ألا تنزوى فى البيت تنظف أركانه ، تهدر الوقت فى المشربية إنتظارا لعودة رجلها فتستقبلة على عجل تغسل رجليه ، وحالما انتهى من طعامه تهرع لتناولة ( القلة ) ليرتوى ، وتبقى فى حالة ترقب لتنصاع إلى أوامره فالسمع والطاعة من الخلق النبيل ، ماريا كانت دائما فى المقدمة تبعث روح الدفء تحتوى بهذا الفيض من العطاء والحب كل المحيطين ، ماريا كانت سندا والنور الذى يضى ظلام الأكوان ، كم فقدت الغالى من الأبناء حينما أهدتم لمصر شهداء على مر العصور ، رفضت أن تتقوقع داخل ذاتها بلا دور فى الحياة والثورة تنطلق تستنهض الهمم ( قوم يامصرى مصر دايما بتناديك ) ضمدت ماريا الجراح ورفعت العلم وباتت حديث الناس فى كل مكان أعادت إلى الأذهان دورا كم توارى لبعض الوقت فى مهرجانات البلادة للجميع ، ذكرتنا بثورة 1919 العظيمة حينما تمردت وهبت للنضال والكفاح ضد الإحتلال نداء ، رفضت أن تظل تابعا ورقما فى التعداد عديم الجدوى ، لم تستسلم لتحصر دورها فى الحمل والإنجاب شأنها شأن جميع الكائنات ، تفوقت وطنيتها على أمومتها لكن ماريا الآن تأثرت بالشعارات الدخيلة والمستوردة سرعان ماتبدل حالها كمعظم المصريين ، فدائما ماننظر إلى الخلف نتخذ من الماضى أسوأ مافيه نهيل التراب على كل منجز حققناه بالدم نستقى الأفكار الرجعية ونسير على دربها نعلن أننا عائدون إلى الوراء بخطى حثيثة ، فلنتجنب الحديث مع الرجال وليتنا ننشئ جزيرة منعزلة تضمنا وحدنا معشر النساء فوجودنا إلى جانب الرجال فتنة وصوتنا عورة ، سوف نضمن أن التحرش ماض إلى زوال ، نضمن أن الغيرة باتت فى القاموس القديم كلمة منتهية الصلاحية فالغيرة بين النساء يكون بطلها رجل يتصارع حوله قلبان سننهى مشاكل جمة كان دائما وأبدا الرجل طرفا أصيلا فيها ، سوف نغلق علينا مداخل الكون ومخارجه ربما تستقيم احوالنا وتختفى مظاهر الإنشقاق بين الأحزاب فيجتمعون على كلمة سواء ، ربما نفهم مايدور ومايحاك ضد مصرنا ، ومن المؤكد سيختفى القتل والذبح والتنكيل بالبشرالمجرمون والأبرياء ، سوفى ننافس بالبحث العلمى ونرقى الى مستوى دول بدأت معنا ثم تخطتنا وتفوقت علينا ومازلنا فى مكاننا لاخطوة للأمام تحيى الإنتماء الراقد ، الجزيرة المنعزلة تحكمها النساء من كل الأعمار فهل سيختفى صراع الإنسان على إثبات الذات ؟ هل سيمضى الشر وتحيطنا الواحة والجداول أينما حللنا ؟ ماريا قررت ألا تخاطب إلا كل ماريا تتبنى أفكارها وسارت على دربها ونهجها ، تعلن العصيان على وجودها وكيانها لن تبرح خيمتها التى فرضتها على نفسها كنوع من الهروب من الذات فلم تعد ترى أى قبس من نور ، ماريا حائرة بعدما انطوت أخبارها وأصبحت فى سجل التاريخ تائهة بلا عنوان