كنا نطلق هذه التسمية على الحكومة الجديدة عندما يتعثر تشكيلها فنقول: «الوزارة فى المغارة»، أى أن الحكومة الجديدة خرجت ولم تعد وضلت الطريق ودخلت فى كهف مظلم لم تقدر على الخروج منه لتعلن عن تشكيلها الجديد، من أكثر الحكومات التى دخلت المغارة فى ظل النظام السابق حكومة الدكتور عاطف صدقى وشبعت تريقة من كتابات احمد رجب الساخرة ورسوم مصطفى حسين الباهرة. وكان هذا الاختفاء الذى يطلق عليه مشاورات لا يزيد على ثلاثة أو أربعة أيام على الأكثر، فما البال بحكومة الدكتور هشام قنديل التى مر أسبوع منذ الإعلان عن رئيس الوزراء المكلف، ولا حس ولا خبر عن تشكيلها النهائى، ويتردد أن الإعلان عن التشكيل سيكون يوم الخميس، وإذا صدق هذا الميعاد سيكون قد مر عشرة أيام كاملة منذ صدور قرار التكليف للدكتور هشام قنديل. فى تقديرى أن حكومة قنديل لا تمر بحالة ولادة متعثرة فقط ولكنها تتعرض لعملية إجهاض مبكرة بسبب الضبابية التى تسيطر على المشهد السياسى والضغوط التى تتعرض لها مؤسسة الرئاسة، ويتعلق بعضها بالاحتجاج على الدكتور قنديل من جهة باعتباره من التكنوقراط جاء فى وقت يتكلم فيه الجميع سياسة ويأكل سياسة ويشرب سياسة طوال الأربع وعشرين ساعة، كما تتعلق بعض الضغوط الأخرى بالصراع على الحقائب الوزارية داخل حزبى الحرية والعدالة والنور بعد رفض معظم الأحزاب الليبرالية وخاصة الرئيسية منها الدخول فى ائتلاف وزارى. وظهور مطالب فئوية تصر علىأن يكون لها دور فى اختيار الوزراء، مثل القضاة يصرون على استمرار وزير العدل الحالى، والزراعيون يرفضون استمرار وزيرهم، والطيارون يرفضون الوزير الميرى، والأثريون يحذرون من دمج وزارتهم فى الثقافة وقد تزيد هذه المطالب فى ظل تأخير الإعلان عن الحكومة الجديدة، وتظهر فئات جديدة لتحديد وزيرها، وتتكرر أزمة قنا عندما رفض أهلها المحافظ الذى عينه الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق. هناك أزمة مكتومة بين الرئاسة والمجلس العسكرى حول الوزارات السيادية وفى مقدمتها وزارة الدفاع، وهناك أزمة حول وزير الداخلية ولم يتم حسم الخلاف حول استمرار اللواء محمد ابراهيم أو تغييره بسبب أزمة الضباط الملتحين وأزمة حركة الشرطة، الأزمة الأخرى التى تواجه الحكومة الجديدة هى اعتذار عدد كبير من الأسماء التى التقى بها الدكتور قنديل عن عدم قبول المنصب الوزارى، رغم أن رئيس الوزراء المكلف كان يعتقد أنها مهمة سهلة يجرى مشاوراتها بعد صلاة الفجر فى تكتم شديد، كما أن هناك تبرماً داخل بعض المؤسسات من تركيز الترشيحات على أساتذة جامعة الزقازيق، وهندسة القاهرة وخريجى الجامعات الأمريكية! الارتباك وضبابية المشهد السياسى وغياب المنهجية التى يجرى على أساسها تشكيل الحكومة، وعتامة المداولات الخاصة باختيار الفريق الرئاسى له آثاره السلبية الخطيرة على حياة المواطنين وأمنهم وعلى الشارع المصرى والاقتصاد القومى. اصبح البلد حالياً بدون حكومة بعد قيام حكومة الجنزورى بلملمة أوراقها الوزراء لمكاتبهم، وعزوف معظمهم عن الاستمرار في حكومة قنديل، وتجلت خطورة هذا الارتباك فى زيادة مساحة الانفلات الأمنى والأخلاقى الذى شجع اللصوص على سرقة فلنكات مترو الأنفاق وتعطيله عدة ساعات، واتساع مساحة الخلط بين الحقوق والواجبات بين المواطنين،ولم يفرق أحد بين حريته وحرية الآخرين. الشارع أصبح مخيفاً جداً، وأصبح السير فيه للأقوى، الأسلحة البيضاء تشهر فى الوجوه لأتفه الأسباب، غاب التسامح وحل السباب الشتائم والردح . أطنان القمامة التى تم رفعها من الشوارع فى حملة «وطن نظيف» عادت من جديد بسبب سوء السلوك وفشل الإدارة وغياب القانون، نحتاج الى معجزة من السماء تجعل من أمرنا رشداً وتعيد الحكومة الجديدة من غربتها!