كثيراً ما نسمع عن الماسونية وشقيقتها الصهيونية لكننا لا نقف أمامها طويلاً ولا نتدبر برامجها ومخططاتها، وكأن الأمر لا يعنينا رغم أن تحركات هذه المنظمات العالمية تجاه الأمة الإسلامية، وبشكل أكبر المنطقة العربية، انتقل من مرحلة السراديب إلى مرحلة الفضاء، ولكن أمة اقرأ لم تعد تقرأ، بدءاً من المواطن العادى وصولاً إلى أعلى مسئول، مروراً بالمثقفين والكتاب الذين انشغلوا بتأليف مسلسلات رمضان حتى أصبح تصنيفنا فى النظام العالمى الجديد أننا «أمة تسلية»؟! أقول هذا لأننا فرحنا بالثورة التونسية والثورة المصرية دون أن نحصنهما، وبالتالى ستظل ثورات معلقة فى رقاب من يتهافتون على تقسيم الغنائم فى الداخل، أما الغرب الذى مهد لزلزلة الشرق الأوسط والمنطقة العربية منذ اتفاق أوسلو فلن يلعب دور المتفرج طويلاً، لأن خطته هى انتزاع الكعكة كلها. نعم قد تكون ثورات الربيع العربى مفاجأة للعديد من أبناء الأمة الذين لم يتخيلوا هذا السقوط السريع لأنظمة الفساد والاستبداد، ولكن ما يحدث فى المنطقة ليس بمفاجأة لمن يقف فى الجانب الغربي، وكنت أتمنى لو أن «ملك الملفات السرية» اللواء عمر سليمان قد أزاح الستار قبل رحيله عن جانب من الوثائق الأجنبية التى وصلته وهو على رأس أكبر جهاز مخابرات عربية، وأخص بالذكر تلك الوثيقة الإسرائيلية الخطيرة التى رسمت سيناريو تفصيلياً لإعادة ترتيب المنطقة العربية، وللأسف تلقت جامعة الدول العربية نسخة «سرية» من هذه الخطة، وكنت شغوفاً على تتبع مسارها ومعرفة تفاصيلها آنذاك، وعلمت أن الجامعة رفعتها إلى الدول الأعضاء فى منتصف التسعينيات، أى قبل 17 عاماً. وأخطر ما فى هذه الوثيقة أنها تتجاوز ثورات الربيع العربى إلى مرحلة «التفتيت العربى»، ولا توجد استثناءات فى هذه الخطة لأى دولة من دول المنطقة، فهى تشمل دول المشرق والمغرب والخليج العربي، ومن هنا تأتى أهمية تحصين ثورتنا المصرية إذا كنا حقاً جادين فى التخلص من أنياب المخطط الغربي، وبالطبع لن يتأتى هذا التحصين ب «تمزيق» وحدتنا وعرقلة برامجنا. والمعروف أن الماسونية تنظيم سرى يقوم بإدارة العالم عبر محافله السرية وقياداته وشخصياته فى مختلف بلدان العالم، وقد بدأت الماسونية فى مصر مع دخول الحملة الفرنسية إليها سنة 1798م، وانتشرت محافلها فى جميع ربوع مصر، فأنشأت محافل فى القاهرة، والإسكندرية، وفى طنطا والمنصورة والزقازيق، وغيرها من الأقاليم المصرية. وكانت هذه المحافل تضم بين جنباتها عدداً كبيراً من وجهاء ومثقفى مصر، وكذلك الكثير من السياسيين والاقتصاديين والفنانين، حتى بلغ عدد هذه المحافل ثمانين محفلاً، والعجيب أنها كانت تحت رعاية رسمية من الدولة. والتاريخ لم يعرف منظمة سرية أقوى من الماسونية، وهى أقدم منظمة عرفتها البشرية، وكذلك هى من شر مذاهب الهدم التى تفتق عنها الفكر اليهودى. ولو دققنا النظر نجد أن مصطلح «الفوضى البناءة» الذى استخدمته الإدارة الأمريكية مؤخراً لخلخلة المنطقة، هذا المصطلح هو مرادف صريح لكلمة الماسونية التى تعنى فى العربية: البناءين الأحرار، وتهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى الإلحاد، والإباحية والفساد، وتتستر تحت شعارات خداعة (حرية - إخاء - مساواة - إنسانية). وتعمل هذه المنظمة على إسقاط الحكومات الشرعية وإلغاء أنظمة الحكم الوطنية فى البلاد المختلفة والسيطرة عليها، وإباحة الجنس واستعمال المرأة كوسيلة للسيطرة، بالإضافة إلى بث سموم النزاع داخل البلد الواحد وإحياء روح الأقليات الطائفية العنصرية، وهدم المبادئ الأخلاقية والفكرية والدينية ونشر الفوضى والانحلال والإرهاب والإلحاد، فضلاً عن استعمال الرشوة بالمال والجنس مع الجميع خاصة ذوى المناصب الحساسة لضمهم لخدمة الماسونية والغاية عندهم تبرر الوسيلة. وهذا بالفعل ما كان حادثاً فى مصر قبل ثورة 25 يناير، ثم ازداد هذا النشاط وتوغل وتغول بعد الثورة، فبدأ أتباعها ينتشرون فى مصر ويروجون لهذا الفكر عبر منابرهم الإعلامية الصحفية والتليفزيونية، تحت مزاعم عدة، منها: الحرية والمواطنة والمساواة ونبذ التميز والعنصرية والإخاء ومحاربة الإرهاب، إلى غير ذلك من المصطلحات البراقة، التى إن فتشت تحتها لا تجد إلا الغدر والمكر والخداع. وكانت الحكومة المصرية قد قررت عام 1964 إلغاء جميع الجمعيات الماسونية فى مصر وعلى رأسها المحفل الأعظم، وذلك بعد رفض هذه المحافل تقديم أية سجلات عن أعمالها فى مصر. إلا أن الماسونية عادت مرة ثانية فى الثمانينات، بأنشطة تتقنع بقناع الخدمات العامة والأعمال الخيرية، فقاموا بإنشاء العديد من النوادي، الأمر الذى دفع كلاً من الأزهر الشريف والمجمع الفقهى بمكة إلى إصدار فتوى فى منتصف الثمانينات قررا فيها اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة للإسلام والمسلمين، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله، ومع كل ذلك نشهد حالياً مرحلة من «التوحش» والتوغل الصهيونى والماسونى مستغلة اضطراب الأوضاع فى المنطقة. ولا ننسى الضجة التى أثيرت حول إقامة الحفل الماسوني، الذى ادعت بعض الجماعات اليهودية إقامته تحت سفح الأهرامات مساء الجمعة 11/11/2011، ولم يلغ الحفل إلا بعد احتجاج مئات الأثريين ودعوتهم للتظاهر تحت سفح الأهرامات لإجهاض ما سموه «الاحتفال الماسوني».. وإذا هدأت الثورة لن تهدأ عاصفة الماسونية.. والله المستعان.