ألبرت الثاني ملك بلجيكا مع رئيس الحرس الملكي تحقيق يكتُبه - سعيد السُبكى: منذ 1 ساعة 20 دقيقة كشف «الوفد» الأسبوع الماضى تفاصيل الرحلة السرية التى قام بها المخلوع «مبارك» من مطار القصر الى قاعدة جوية عسكرية فى بلجيكا، بعد أيام قليلة من ثورة 25 يناير. وقد حمل معه على متن طائرة خاصة حقائب أموال وذهب، واستقبله «ألبرت الثانى» ملك بلجيكا وسط تكتم شديد، إلا أن السياسى زعيم اليمين المُتطرف Filip Dewinter «فيليب دى فينتر» المُعادى لتواجد الأجانب فى بلاده، قد فجر القضية بعد علمه بها تخوفاً من حضور وبقاء مبارك وحاشيته كلاجئ سياسى الى بلجيكا مُصطحباً معه أفراد عائلته وكثير من طاقم حراسته الخاصة. كانت تفاصيل تلك الرحلة قد نشرت فى موقع اليكترونى باللغة الفلامنكية ينطلق من بلجيكا، مؤكداً انه بعد اشتعال الثورة فى التحرير، وبسرية تامة ذهب مبارك ونفر قليل من المقربين منه إلى مطار الأقصر، وبصحبته عدد من الحقائب المليئة بالأموال والذهب والمجوهرات النادرة، وأقلعت بهم طائرة خاصة اتجهت الى القاعدة الجوية العسكرية البلجيكية Melsbroek حيث هبطت بعد مُنتصف الليل، ولقد جاءت هذه الرحلة بناء على دعوة خاصة من ملك بلجيكا Albert خلال مُكالمة هاتفية اتسمت هى الأخرى بالسرية التامة. وهكذا تدخل بلجيكا الآن وبقوة دائرة الدول الأوروبية التى هرب إليها مبارك جزءا كبيرا من أمواله، وعلى السُلطات المصرية والجهات المعنية باسترداد أموال مصر أن تتوجه فى أقرب وقت الى السلطات البلجيكية، للاستفسار منها رسميا حول ملابسات وتفاصيل تلك الرحلة. كما كانت «الوفد» قد اختتمت الموضوع بتعليق من جانبها جاء فيه: «هذه الواقعة الخطرة التي ذكرها الموقع الالكتروني في بلجيكا وتناقلتها وسائل الاعلام هناك لا ينبغي أن تمر دون تحقيق من جانب النائب العام ووزارة الخارجية والمخابرات العامة والمخابرات الحربية.. هذه الواقعة يجب أن يأمر المجلس العسكري بالتحقيق فيها لأن إقلاع مبارك من قاعدة جوية بالأقصر يعني مساهمة القوات الجوية وتسهيلها لفساد مبارك.. هذه الواقعة لو صحت أحداثها فسوف تزيل بعضاً من الغموض بشأن أموال مصر المُهربة وتثبت سوء طوية الرئيس المخلوع وفساده». يقول المثل «لا دُخان بدون نار».. وليس من المعقول ولا المنطقى أن يكون الشعب المصرى كله قد أصيب بمرض «نظرية المؤامرة» ويتوهم أشياء من ضرب الخيال فى وقت توالت فيه كثير من الوقائع التى تثبت بما لا يدع مجالاً للشك ان عمليات تهريب أموال مصر تسير على قدم وساق منذ المؤشرات الأولى لاندلاع ثورة 25 يناير 2011 ومن غير المُستبعد ان تكون عمليات تهريب الأموال المصرية ما زالت مستمرة حتى اليوم. وقد طالت الاتهامات أيضاً «باراك أوباما» رئيس أكبر دولة فى العالم، حيث تورط وساعد هو الآخر فى تهريب أموال مبارك، وهو الأمر الذى كشفه تقرير لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA بخصوص شخصيات أمريكية وأوروبية لعبت أدواراً فى تهريب أموال المخلوع مبارك، حيث أن الرئيس الأمريكى قد أرسل إلى مبارك قبل تنحيه «فرانك ويزنر» محامي مبارك بشركة «باتون بوجز» للخدمات الاستشارية والقانونية، المُكلفة بقضايا التحكيم المصرية، وهي الشركة التي حصلت على ملايين الدولارات من خزانة الدولة المصرية، وذلك فى مقابل تحسين صورة الرئيس المخلوع، كما انه ثبت قيامها برشوة عدد من المسئولين في مؤسسات صناعة القرارات السياسية داخل الادارة الأمريكية، لتلميع «جمال مبارك» إعلامياً تمهيداً لتنفيذ عملية توريثه الحُكم، وجاء فى التقرير ان شركة «care» المتخصصة في تعقب وتتبع الأموال غير المشروعة وعمليات غسيل الأموال، لديها معلومات أن مبارك حول مليارات الدولارات لحسابات سرية للرئيس الأمريكى «أوباما» لها صفة الخصوصية والأمن القومى أحدها في مصرف «الفاتيكان» والآخر فى بنك «سانتا ندر». وكانت المفاجأة الثانية هى أن جهاز الاستخبارات الأمريكية أعلن أسماء المتورطين فى تهريب أموال مبارك، وبلغ عددهم 17 شخصية كبيرة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا وذلك مقابل عمولات وصلت الى 10%، لتصل إلى ملايين الدولارات، وأكد التقرير أن المحامى «فرانك ويزنر» قد خرج من مصر بطائرتين محملتين بالاموال والمقتنيات الثمينة من القاهرة وحطت طائرته في «تل أبيب»، وأعلنت قائمة اسماء شخصيات كبيرة مثل: («جوزيف أكدمان» رئيس دويتشه بنك - هيلاري كلينتون - جورج بوش الأب والابن - وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر - الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - جون بوديسينا) وقد حدد التقرير تاريخ فتح حسابات فى بنوك اسرائيلية يوم 22 فبراير 2011، منها عدد فى تل أبيب – خاصة بنك ليؤمي، وذكر بنوكاً دولية أخرى مثل: بروتشه بنك، باركليز، إتش إس بي سي، وكشف التقرير ايضاً أنه تم تحويل ملايين الدولارات من تلك الأموال إلي بنكي الصين وتايوان، موضحاً أن جزءا من الأموال المهربة كانت فى الأساس تخضع لبرنامج مساعدات ودعم من صناديق خاصة من الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، بهدف تحسين الاقتصاد المصرى ، وكان احد المتورطين هو «جوزيف أكرمان» الذى استغل منصبه الرئيس التنفيذي ل «دويتشه بنك» وقام بتحويل أموال لفرع البنك فى مدينة «تل أبيب» الاسرائيلية بمعرفة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وتجدر الاشارة إلى أن الإدارة الأمريكية قد التزمت الصمت نظراً لتورط الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. كما كشف تقرير الاستخبارات الأمريكية أن تأخر خروج مبارك كان من أجل نقل الأموال سراً، وأن مسئولاً رفيع المستوى بفريق التحقيقات الأمريكية والأوروبية قد أكد أن تهريب أموال مبارك تم على فترات عن طريق حاويات البضائع، ومن الواضح ان الرئيس المصري قد استفاد من تجربة الرئيس التونسي «زين العابدين بن علي»، الذي اضطر الى الهروب بعائلته الى المملكة العربية السعودية عقب تضييق الخناق عليه من قبل الثوار، ولم يتمكن من الاستفادة بأمواله في البنوك السويسرية، وقد استبق مبادرة الحكومة السويسرية في تجميد حساباته في زيوريخ، ويبدو أنه تم نقل معظم أمواله من البنوك السويسرية الى حسابات أخرى في بلدان ثالثة في الأيام القليلة التي سبقت استقالته وبالتالي «مرت الآن» وفقاً لمسئول في الحكومة الامريكية طلب عدم نشر اسمه الذي تحدث الى صحيفة التلغراف البريطانية، وذلك لحساسية الموضوع، ومن ناحية ثانية لأن الضغوط تتزايد على الحكومة البريطانية لاتخاذ اجراءات ضد أصول اسرة مبارك في بريطانيا، وذكر أن كلاً من سوزان مبارك وولديها جمال وعلاء لديهم الجنسية البريطانية، وأكد المصدر الأمريكي أن هناك أربعة أشخاص هم «زكريا عزمي - رشيد - غالي - العادلي» ساعدوا مبارك قبل الثورة في تهريب أموال من مصر، خاصة في الفترة ما بين عامي 2005 و2011، بمساعدة حسين سالم وصديقه رجل الأعمال الاسرائيلي «نسيم عوفار» الذي تربطه به أيضاً علاقة عمل في مجال النقل البحري، استخدمها في نقل شحنات عسكرية لدول في العالم الثالث، ودول اخرى مثل «قبرص واليونان وايطاليا وبنما والبرازيل واسرائيل والارجنتين وجزر الكناري والكايمان» وهى ذات الدول التي توجد بها حسابات سرية مودعة فيها أموال تم تهريبها من مصر، وتملكها عائلة مبارك، التي حصلت على دعم من ضباط في جهاز الاستخبارات الاسرائيلية «الموساد» في تسهيل تهريب ممتلكات لمبارك عبر ميناء حيفا الاسرائيلي، في شحنات تجارية قاموا بإنهاء اجراءاتها الجمركية بأنفسهم، وتوجد مستندات ورقية تتضمن توقيعات للسياسي الاسرائيلي «بنيامين بن إليعازر» الصديق الشخصي لكل من مبارك وحسين سالم. وعلى الجانب الآخر كان من الواجب أن نستطلع رأي السفير البلجيكي بالقاهرة ونتلمس ردود أفعاله تجاه هذه الاتهامات تلك التي اتسمت بالتردد والتحفظ والارتباك، فقد صرح سفير المملكة البلجيكية «برونو نيفين دي ميفيرجنيس» ل «الوفد» بأنه لا يستطيع تأكيد ما نشره الموقع البلجيكي الاليكتروني عن تهريب الرئيس المخلوع أموالاً وذهباً ومجوهرات الى بلاده، وحرص في تصريحاته ألا يجعل للقضية وزناً ثقيلاً، وذلك على نحو يتنافى مع الانطباع الأول الذي جاء من خلال الحديث مع السيدة «ليليان الخوري» المستشارة الاعلامية لمجلس البعثة الدبلوماسية البلجيكية بالقاهرة، حيث بادرتني بقولها: «سعادة السفير مهتم جداً بما نشرته «الوفد الاسبوعي» الخميس الماضي تحت عنوان «ليلة تهريب الذهب»، أن الموضوعات يدرس بعناية»، الا أن الحوار الذي امتد على مراحل متقطعة منذ صباح يوم الاثنين الماضي، قد أخذ شكلاً آخر بعدما نفى السفير أن يكون مبارك قد هرب بالفعل أموالاً ومجوهرات الى بلجيكا. «الوفد» من جانبها تدرك جيداً وعلى يقين ان الحكومة البلجيكية بما تملكه من آليات وقوانين صارمة في قضايا النشر، لم تكن تلتزم الصمت حال ادعاءات على ملك بلجيكا «ألبرت الثاني» لأن الكذب وخاصة الذي يأخذ صفة العلانية في حق الذات الملكية لا يتم التهاون معه بأي حال من الأحوال. الأمر الثاني هو أن القوانين البلجيكية تخول للهيئات التنفيذية الشرطية والنيابة العامة حق غلق المؤسسة الصحفية التي قد ترتكب مخالفات جسيمة على نحو ما تقدم ونشرته الوفد عن «ليلة تهريب الذهب» نقلاً عن الموقع البلجيكي، والذي تضمن تصريح السياسي اليميني المتطرف البلجيكي «فيليب دي فينتر» عن مخاوفه من السماح لآل مبارك الحصول على حق اللجوء السياسي في بلاده بصحبة عدد من عناصر حراسته الخاصة. الأمر الثالث أن مضمون الموقع الاليكتروني يؤكد حرفيته الصحفية وما يتضمنه من معلومات، ليس عن منطقة الشرق الأوسط أو مصر فقط، بل به كثير من الأبواب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية، وغيرها من المواد الاعلامية عن حلف شمال الاطلنطي والاتحاد الاوروبي. فإن كانت البعثة الدبلوماسية البلجيكية بالقاهرة تنفي صحة ما ورد بالموقع البلجيكي عن تهريب مبارك أموالاً لبلادهم، ألم يكن حرياً بهم وهي على بعد عشرات قليلة من الأمتار عن ميدان التحرير التي تفوح منه رائحة ثورة 25 يناير، أن تتخذ الاجراءات اللازمة حتى تُجنب سفارتها وسمعة بلادها وبما لا يليق بملك بلادها «البرت الثاني».. اسئلة كثيرة ستبقى مفتوحة في هذا الملف قد تجيب عنها الأيام المقبلة. ان وقائع ومخططات عناصر النظام السابق لتهريب الأموال والذهب خارج مصر لها كثير من الشواهد والثوابت ، فقد نجح فريق الأمن بقرية البضائع بمطار القاهرة فى شهر ابريل 2011. في احباط محاولة تهريب 100 حقيبة على متن طائرة لشركة مصر للطيران كانت متجهة إلى جدة وتحتوى على ذهب يملكها الهارب «حسين سالم» مسجلة فى بوليصة شحن رقم 07736531784، إلا أن أجهزة الأشعة قد كشفتها فى اللحظات الأخيرة. وفى سياق متصل كان أستاذ القانون بجامعة عين شمس ورئيس لجنة استعادة ثروات مصر «الدكتور حسام عيسى» قد أعلن صراحة بأن الفريق «أحمد شفيق» رئيس وزراء مصر الأسبق قد ساهم فى تسهيل عمليات تهريب أموال مبارك للخارج، بتجاهله مخاطبة الدول الأوروبية بخصوص تجميد ثروات مبارك وعدد كبير من رجال الأعمال فى البنوك الأجنبية، الأمر الذى ترتب عليه تهريب ملايين الدولارات إلى بنوك فى إسرائيل وجنوب أفريقيا. ملف تهريب أموال مصر للخارج لم ينته بعد وسيظل مفتوحاً، وستكشف الأيام المُقبلة مزيداً من التفاصيل حول أشخاص تمكنوا من السطو على أموال الشعب المصرى قبل وبعد ثورة يناير، تلك الثورة التى يسعى البعض لسرقتها.