دعونا نتفق علي أن من أهم مبادئ أي ثورة في العالم، هي نشر الديمقراطية واحترامها والدفاع عنها، ونجاح الثورة في تحقيق هذا الهدف السامي إنما هو نجاح لكل من شاركوا فيها ودعموها وحموها. وثورة 25 يناير المجيدة مكنت الشعب المصري من انتخاب اول برلماني ديمقراطي من خلال انتخابات نزيهة ابهرت العالم، بصرف النظر عن توجهات اصحاب الاغلبية في هذا البرلمان، لانهم جاءوا بإرادة الشعب من خلال صندوق الانتخاب. وثورة 25 يناير ايضا هي صاحبة الفضل الاول والاخير في تمكين المواطن المصري، لأول مرة منذ 6 عقود، من اختيار رئيسه بكامل إرادته ودون تزوير أو ضغوط من احد، وجاءت بالفعل المرحلة الاولي من الانتخابات شفافة ونزيهة بشهادة الجميع، بمن فيهم العشرات من المنظمات والمراقبين الدوليين. وفي كل الحالات ، لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تأتي صناديق الاقتراع بفائز عليه اجماع من كافة طوائف الشعب المصري، وبنظرة سريعة علي الانتخابات في الدول المتقدمة نجد أن مرشح الرئاسة علي سبيل المثل يفوز بفارق واحد في المائة فقط عن اقرب منافسيه، ويخرج المرشح المهزوم في معركة الديمقراطية ليعترف بهزيمته ويعلن تحمله المسئولية الكاملة عن هذه الهزيمة، بل ويسارع بتقديم التهنئة الي غريمه الفائز ويطالب ابناء شعبه بالوحدة والوقوف وراء الرئيس الجديد، وما حدث في انتخابات الرئاسة الفرنسية الاخيرة لهو خير مثال علي ذلك. ورغم ان نتائج المرحلة الاولي من الانتخابات الرئاسية، جاءت بمرشحين احدهما ينتمي الي التيار الاسلامي وهو الدكتور محمد مرسي والآخر محسوب علي النظام السابق وهو الدكتور احمد شفيق، ورغم ان هذه النتيجة، غير المتوقعة للغالبية، اثارت انقساما وجدلا واسعا داخل المجتمع المصري، ما بين الخوف من سيطرة الاسلاميين علي جميع مؤسسات الدولة ومقدراتها، وما بين الرعب من اعادة انتاج نظام المخلوع مبارك، الا ان الحقيقة التي يجب ان ينحني لها الجميع ان تلك كانت ارادة الناخبين في صناديق الاقتراع، وأبسط مبادئ الديمقراطية، التي تنادي بها جميع الثورات في العالم، هي احترام ارادة الناخبين، فإما ان نؤمن بالديمقراطية ونطبقها وإما أن ننتكس ونعود الي غياهب الديكتاتورية ونكفر بمبادئ الثورة !!. ولكن الصدمة ان بعضاً ممن يتحدثون باسم الثوار ويرفعون راية الثورة - التي شارك فيها الملايين من ابناء الشعب المصري وهم انفسهم الملايين الذين قالوا كلمتهم في صناديق الاقتراع - اعلنوا معارضتهم لهذه الانتخابات ويطالبون المواطنين بمقاطعتها في مرحلة الاعادة. وفي كل الحالات يجب أن نحترم ارادة الشعب التي يعبر عنها في صناديق الاقتراع ايا كان الفائز مادامت الانتخابات حرة ونزيهة وليس امام المؤمنين بالديمقراطية الا القبول بهذه النتيجة، علي ان يعيد الخاسرون في هذه الانتخابات، في جولتيها الاولي والثانية، ترتيب اوراقهم من الآن استعدادا للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، وفي كل الاحوال فإن 4 سنوات في عمر الشعوب ليس طويلة. وما اخشاه أن يقع الثوار الحقيقيون في «الفخ» ويجدون انفسهم في مواجهة مع ارادة الناخبين في حالة رفضهم لنتائج الانتخابات، وفي هذه الحالة ستكون مصر هي الخاسرة، لان اعداء الثورة سيخرجون من جحورهم في محاولة لبث الفتنة بين هؤلاء الثوار وابناء الشعب الذين تدفقوا ايضا بالملايين علي كافة انحاء ميادين الجمهورية للمشاركة في الثورة، ويؤمنون بأن لهم دورا كبيرا في انجاحها.