كتبت:ليلى حلاوة منذ 1 ساعة 15 دقيقة "لأول مرة يشعر الناخب المصرى أن صوته أكبر من حجم مرشحه".. هكذا وصف الخال عبد الرحمن الأبنودي ما يشعر به جموع الناخبين قبل أيام من جولة الإعادة.. فعلى الرغم من أن قطاعا لا بأس به من الجماهير يعرف جيدا أنه سينتخب شفيق أو مرسي، وقطاعا آخر قرر المقاطعة، إلا أن هناك من سينتخب هذا أو ذاك على مضض.. ولكن هل بالفعل يمثل اختيار مرشح رئاسي بعينه سواء في انتخابات المرحلة الأولى أو حتى في الإعادة جزءا من شخصية الفرد.. فتستطيع أن تقول: قل لي من ستنتخب أقل لك من أنت؟" حرب القيم تقول أميرة بدران ،الأخصائية النفسية،: الإنسان عادة كي يشعر بالسعادة والرضا عن نفسه فإنه يحقق هذا من خلال ثلاث دوائر أو ثلاث مساحات وهي: العلاقات، والإنجاز، والقيم التي يؤمن بها ويحافظ عليها، وتعد العلاقات أهمها ولكن القيم تغذي إحساس الوجود والرضا في حياتنا. وإذا حاولنا تطبيق ذلك على قصة الانتخابات فسنجد أنها لم تكن قصة برامج ودراسة لمهارات كل مرشح من قبل الناخبين المصريين، وهذا عائد لعصر الظلم والكبت والتعتيم الذي كان يمارسه النظام البائد ليظل الناس مغيبين، ولا يكون لهم اهتمام سوى بتدبير لقمة العيش والبعد عن أذى المؤسسة الشرطية. وبالتالي فإن المرشح كان طوق نجاة للناس؛ لأنه سيحقق لهم فكرة القيم التي بدورها تحقق الإحترام والرضا عن النفس، لأن العلاقات والإنجازات كانت مقتولة في السابق وحبيسة السياسة القمعية والتركيز على أن كل واحد "يخليه في نفسه"، فانهارت العلاقات مع علو الأنانية وعدم الاهتمام بالغير، وطبعا الإنجازات كانت في خبر كان أو على أحسن تقدير كانت في أدراج مكاتب المسئولين. وبالتالي لم يبق إلا القيم.. فالإخوان لهم قيمهم التي يرون أنها في حاجة إلى بصيص نور بعد الظلمة التي كانت مفروضة عليهم من قبل، وهناك من يقف ضد الإخوان ويرى أخطاءهم وخبل إدارتهم بالإضافة إلى تعنت فكرهم في أمور مثل أنهم الأصوب أو هم الأجدر لأنهم يريدون إعلاء كلمة الله في الأرض، وهؤلاء وجدوا أن أبو الفتوح هو الأقرب للاعتدال، إضافة لمن تربوا على القيم الدينية والدعوية داخل الإخوان ولكنهم لا يقبلون إدارتهم وأولوياتهم وانتخبوا أبو الفتوح حتى لا يشعرون بفقد القيم العامة التي يؤمنون بها بالفعل. أما من انتخب حمدين صباحي فهو لم يذهب بسبب اقتناعه ببرنامجه ومهاراته؛ ولكنه ذهب كي يحارب التهديد الكبير لقيمه من تعرض الإخوان لها لأنه يخاف أن يكبت الإخوان الحريات ويمدوا بوزهم في الفن، والابداع، والحرية الشخصية، والسياحة وغيره. من اختار صباحي أيضا اختاره لأنه بذلك يعلن رفضه للنظام القديم الذي أفقر المصريين وعاملهم كالحيوانات، فكان ترشيحه لحمدين مخرجا لقيمه بشكل كبير. أما القطاع الأكبر وهو من لم يسمع عن الثورة من الأساس ولا يهتم، فهو فاقد لرفاهية التفكير ورفاهية البحث عن قيم لأنه تربى تماما على الخنوع وأنه كشخص ليس له قيمة على مستوى الوطن فهو مفيد فقط في محيط أسرته، وهذا الشخص لا يفرق معه حريات ولا غيره لأنه كلما بقى بعيدا عن السياسة كلما كان في أمان أكثر. وبالتالي فهو لا يفرق معه أي سلطة طالما أنه سيوفر المأكل والمشرب والتعليم. هناك أيضا أناس فقدوا كل شيء حتى القيم وتحولوا إلى كائنات حية تلهث وراء أي شىء مقابل أنها ستعيش، وهؤلاء من السهل أن يتم جذبهم بالفلوس أو بالتهديد بالبلطجة. وطبعا هناك أناس انتخبت النظام القديم لأنه يمثل طوق النجاة من الغرق للأبد وضياع السلطة والجاه والسيطرة والأعمال المربحة. وآخرون انتخبوا النظام القديم لأنه لم يؤذها أصلا بالرغم من عدم وجودهم في السلطة، فهم لم يروا الوجه القبيح للنظام بشكل شخصي، وحتى لو رأوه فهم مبرمجون على أن هذا القبح مفيد لتأديب البلطجية وتنظيم العشوائيات وأطفال الشوارع. وهؤلاء نسوا تماما أن البلطجية والعشوائيات وأطفال الشوارع هم نتاج هذا النظام نفسه. وهؤلاء طبقة سطحية أنانية غائبة عن الحس المجتمعي ولا يهمهم في شىء. إذن فالإنتخابات لم تكن انتخابات بالمعنى السليم لها والخاص بدراسة البرامج أو المهارات لكل مرشح، ولكنها كانت حرب قيم.. فالمرشح كان يمثل طوق النجاة على المستوى الشخصي يحقق من خلاله كل شخص اعلاء القيم التي يؤمن بها، وسيكون ذلك إنجازا يترتب عليه علاقات جديدة فيكون الشخص في قمة رضاه، هذا الشعور الذي يفتقده كل واحد بشدة منذ سنوات طويلة. قبلة الحياة وعندما ظهرت نتائج الإعادة فقد جاءت صادمة وقد طارت معها كل القيم والأحلام الكبيرة ،بمن فيهم الإخوان لأنهم يضطرون الآن لقبول تنازلات فأصبحنا جميعنا في محنة، لأن محمد مرسي على كل علاته الشخصية وعلات من يمثلهم أصبح ورقة أخيرة أو قبلة حياة للثورة التي احتفل هو نفسه بعيدها الأول السنة الماضية بمنتهى الهوان والاستهانة. وبالنسبة لمن كانوا مع أبو الفتوح فقد ظهرت عندهم أعراض الاكتئاب لأن أبو الفتوح كان يمثل كل طوائف الشعب، على عكس حمدين صباحي الذي تذبذبت صورته بعد نتيجة الإعادة وكان يميل أكثر لطبقة معينة في مصر وهم الكادحين. أما الآن فقد أصبح مرسي هو الحلم لأن التهديد أصبح أوضح من النظام القديم، ومن حلم بالحرية في اختيار القيم وعاش بها بشكل غير ناضج يرفض اليوم التصويت لمرسي لأنه يرفضه ولا يستطيع فعل شىء آخر غير الهروب من المسئولية التى نقف أمامها اليوم جميعا مكتوفي الأيدي، وكذلك من قرر إبطال صوته فهو لم يتمكن من الخروج من الدائرة الشخصية للدائرة الأعم والأشمل. البسطاء فاهمين أكتر ومن جهتها تقول فاطمة المهدي ،المستشارة الاجتماعية والعضوة في صفحة "مع بعض مكملين" التي تتكون من أفراد من جميع التيارات والاتجاهات لدعم محمد مرسي ضد شفيق في انتخابات الإعادة: أنه من خلال جولاتها ونزولها إلى الشارع واستطلاعها لآراء الناس ومن سينتخبون في جولة الإعادة، اتضح لها أن الناس البسيطة هي من تفهم كل شىء على عكس توقعات الكثيرين، فمثلا فئة السيدات ممن يساعدون في خدمة البيوت كلهن تقريبا قررن انتخاب محمد مرسي. والسبب كما أكدن: "مش عاوزين غلب وقرف تاني.. احنا جربنا النظام القديم.. اخدنا منه إيه؟". وتوضح أن هذه الفئة أيضا لا تصدق ما يروجه الإعلام عن الإخوان، ويسألن بجدية عما سيقدمه مرسي لهن بالفعل. وتشير إلى أن هناك فئة أخرى من الناس المتعلمين وغير المثقفين من الحاصلين على شهادات عليا، لكن الدماغ للأسف فاضية ومصدقين الإعلام جدا، ممن يؤيدون الفريق شفيق، والذين أوضحوا سبب رفضهم لدكتور مرسى أنهم "حاسين أنه مش هيكون كويس"، أو "مش مرتاحين له". أما سبب اقتناعهم بشفيق فهو تقريبا "ولا حاجة". أو لمجرد أنهم حاسين أنه راجل عسكري وهيضبط البلد. وتلفت أن موظفي المصالح الحكومية ،كموظفي الشهر العقارى على سبيل المثال، فهم حسب قولهم " مضطرين ينتخبوا شفيق"، أما المرور فهم يجبرون الناس على رفع بوسترات مرسي من على السيارات بالعكس من بوسترات شفيق التي لا يطالبون برفعها. وما يبرر أفعالهم واختيارهم لشفيق بالطبع هو عامل المصلحة.. فالمرور يعني الداخلية والرشاوى و"إعطاء الناس على قفاها." وتكمل المهدي قائلة: أما بالنسبة للناس "الهاي ستايل"، فهم لا يعرفون معنى الفقر ولا الغلب ولا حتى معنى الثورة، هم يقولون: "احنا كده وعيشتنا كده"، وعلى رأي واحدة ست غلبانة بتقول : "دول عندهم شركات ومصالح وخايفين عليها لو مرسي جه كله هيتحاسب ومش هيبقى فيه فساد من اللى عايشين وبياكلوا منه"، هذا بالإضافة إلى ما قالته واحدة من هذه الفئة الهاي استايل: "أنا عشت كويس واتعلمت كويس، وولادي كمان اتعلموا كويس.. مش عاوزين حاجة تانية". وتختم المهدي كلامها قائلة: " اكتشفت في الأيام الأخيرة إن ناس كتير من شعبنا أنانيين جدا.. للأسف الشديد".