في عام 1933 قال رئيس «حركة مصر الفتاة» الأستاذ أحمد حسين: اعتقدت أن يكون من المفيد آن اجتهد في مقابل النحاس باشا لأزيل ما علق برأسه من سوء فهم وأن أبين له كيف ان حركتنا هي حركة قومية بحتة تريد أن تعد جيلا جديداً من الشباب وأن تبعث في الأمة روح الكفاح والجهاد ولما كان النحاس باشا وفي أوائل نوفمبر 1933 قابلت النحاس باشا، فإذا به يجابهني بأنني دسيسة، وأنني لابد أن أكون مدفوعاً من جهة من الجهات للقيام بهذا العمل، ولخص شكوكه، أو بالأحري قرائنه علي ما يقول، في المال الذي نصرف منه علي هذه الحركة، فشرحت له كيف أنني عقب خروجي من كلية الحقوق سعيت للحصول علي قرض من بنك مصر مقداره «مائتا جنيه» استعين به علي مواجهة الحياة العملية وأني يا باشا مستعد أن أقدم لك كل الأوراق الخاصة بعملية القرض هذه، وأترك لك أن تتحري عن صحتها، وهنا شرع النحاس باشا يناقشني في صحة مبادئي والبرنامج الذي أذعته فقال: إن في هذا البرنامج ما لا يتفق مع جهادنا، فليس فيه نص علي الدستور وهل تفضل دستور سنة 1930 أو دستور 1923، وفيه بعض المبادئ الخطرة التي لا أكاد أفهمها. خذ مثلا «الله» التي وضعتها في أول شعارك فلست أراها إلا شعوذة، لان وضع كلمة الله في برنامج سياسي هو شعوذة قلت: لا تنسي يا باشا أن الإسلام دين لا يفرق بين الدين والسياسة». فقال لي النحاس باشا لا يوجد في مصر إلا راية واحدة هي راية الوفد ، وكل وطني عامل يجب أن يعمل تحت لواء الوفد، فكل حركة أو كل عمل من الأعمال لا يكون تحت راية الوفد، فهو لا يمكن إلا أن يكون دخيلاً علي الأمة ودسيسة من الدسائس، فإذا كنت صادق النوايا وتريد خدمة بلادك، فعلام إنشاء الجمعيات، ووضع البرامج وإرسال النداءات؟ وإذا كان كل جندي يخرج علي قائدة ويؤلف لنفسه جميعة ويضع برنامجاً، إذن لتشتت الجهود، وعمت الفوضي البلاد فإذا كنت تريد أن تكون وطنيا فتعال بين إخوانك الشبان في الوفد واندمج في صفوفهم». قلت: هذا صحيح يا باشا، وقد كان بودي أن أفعل ذلك، وأن أعمل تحت لوائك كأصغر جندي، ولكني لا أكاد أري للوفد برنامجاً، ولا أري للوفد أهدافاً في هذه الأيام إلا للوصول إلي الحكم، وأنا لا يمكن أن أكرس حياتي لهذه الغاية، ولكني أريد أن أعود للأخلاق، وأن أدعو للدين، وأن أدعو للعمل، وأريد أن أكون عنيفاً في جهادي، وأني اعتقد أن مصلحة الوفد المحققة أن توجد إلي جانبه هيئة وطنية متطرفة كما يكون هو بالنسبة لها معتدلاً، فيفضل الإنجليز التعاون معه، والإجابة لمطالبه، حتي لا يشجعوا التطرف، ويتحول كل التعنت الذي يصب الآن علي الوفد صباً إلي هذه الهيئة الجديدة!». قال النحاس باشا: أفعل ما يحلو لك، فقد أعذر من أنذر. إنني سأعتبرك خارجاً علي الوحدة، والأمة لا ترحم الخوارج، وكل ما فكر في أن يخرج علينا فقد هُدم هدماً والأمة لا ترحم. ومع كل هذا، فعندما واجهت «مصر الفتاة» العنت وتم القبض علي أعضائها بواسطة وزارات الأقلية التالية، دافع الوفد عنها بالمحامين الوفديين ودفع الكفالات والغرامات. وكشأن الجماعات الإسلامية الصغيرة كان أحمد حسين يؤمن أن زعامة الوفد للشارع المصري تمثل عقبة كبيرة في طريق مصر الفتاة وعينها من الجمعيات والحركات والأحزاب. وحتي الانقلابات الدستورية الأربعة التي هوجمت بها وزارات الوفد الأربعة رغم الانتخابات وفوزها الساحق بالأغلبية البرلمانية وما حققته علي مدي الأشهر بل الأسابيع القصيرة التي قضته في الحكم زاد التحام جماهير الأمة بها وتأييدها الأمر الذي دفع قوي الرجعية والسراي والاستعمار البريطاني إلي اللجوء للانقلاب العسكري في يوليو 1952 لإسقاط النظام المدني. بقلم: د. عبدالمحسن حمودة