ألمٌ تصبح بعد ماضياً ولا تاريخاً نتشوق لقراءته، فهى لا تزال حاضرة فى وجداننا.. ماثلة أمام أعيننا وكأنها لم تبارحنا منذ ساعات فقط، فنحن من صنعناها.. عشناها، شاركنا بها، رفعنا أعلامها، صرخنا بشعاراتها، حملنا بين أيدينا شهداءها وتضرجت أيدينا بدمائهم الزكية،وضمدنا جراح مصابيها، بتنا الليالى الباردة بالميدان تدفئنا طموحات التغيير لمستقبل أفضل، وبتنا ليالى طويلة أمام الديار نحرسها من البلطجية والخونة، تماسكت أيادينا المسلم والمسيحى سواء لنحمى بعضنا البعض من هجمات الغدر.. من أرادوا للثورة الفشل وللمستقبل الانتحار منذ لحظاتها الأولى، كلنا شهود عليها.. وعليهم، على من كانوا قلب الثورة وشعلتها، وعلى من اختطفوها وأطفأوا شعلتها، شهود على من آمنوا بها وأطلقوا إرادتهم لتحقيق شعاراتها.. عيش حرية.. عدالة اجتماعية، وشهود أيضًا على من قايضوا ومن زيادوا ومن أرهبوا وأشاعوا فى قلب المدن الرعب، ثمانية أعوام مرت على ذكرى اندلاع الثورة، وها نحن نتذكر بكل ألم كيف كجيل عاصرها كل ما صنعناها لأجل على أمل أهدافها، وكل ما فعله الإخوان فينا وفيها ولن تفقدنا المعاصرة الحياد أو الموضوعية التى يتسم بها المؤرخون. «بعد السنوات الثمانى من اندلاعها، لا يمكن إنكار أن من حرّكوا الثورة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وأشعلوا حماسة الشباب للخروج إلى الميدان، كانت عناصر من الخارج لها أجندات لا تبتعد عن مكونات المؤامرة من الخارج، لإحداث فوضى خلاقة لإسقاط مصر وتقسيمها، كجزء من مخطط كبير هو الشرق الأوسط الجديد، وأن الشعب المصرى خرج مدفوعاً بالغضب من الفساد، ومن مخطط التوريث لينضم إلى الشباب الذى حرك الثورة وأشعل فتيلها، غير أن هذه الثورة التى كان يمكن أن تكون مجيدة بالفعل، وناجية بكل المقاييس، لم تدم إلا أربعة أيام فى الميدان، عاش فيها الشعب الحلم الكبير بالتغيير وتحقيق مصر أفضل من أجل مستقبل أجيال قادمة، ليقفز بعدها الإخوان على المشهد، ويخطفوا أطراف الخيط، ومن ثم اختطفوا كل تفاصيل وتداعيات الثورة، لتضع أوزارها على الشعب الطيب الصابر الذى حلم طويلًا بثورة حقيقية يكون هو وحده القائد فيها وهو الممسك بتلابيب الأمور. ولا يمكن إنكار أن ثورة «25 يناير» حملت مطالب مشروعة للشعب المصرى فى أيامها الأولى، إلى أن قفزت جماعة الإخوان الإرهابية على سطح الأحداث، لكسب الغنائم بعد أن أضافت دموية لها بالاتفاق مع عناصر خارجية لاقتحام أقسام الشرطة والسجون المصرية وإشاعة الرعب والفزع فى مصر، مستغلين حالة الانشغال والانفلات الأمنى، فهربوا عناصرهم الخطيرة من السجون المصرية، وأطلقوا معهم عناصر إرهابية أخرى لضمها إليهم فى مؤامرتهم لتخريب وتدمير وتقسيم مصر، تلك المؤامرة التى تمت بالاتفاق مع أعداء مصر بالخارج ودعمتها أجهزة مخابرات لدول غربية وأيضًا دولة عربية، ليكشفوا عن وجههم القبيح. فكانت عملية الهروب الكبرى للإخوان من سجن وادى النطرون الذى احتجز الذى كان محتجزاً فيها وقت الأحداث الرئيس المعزول محمد مرسى، وقد شهد السجون أحداث شغب وقعت يوم السبت 29 يناير، وجرى هجومًا عليها من قبل مجموعة من الملثمين يرتدون جلابيب، هدموا بوابات السجن، مستخدمين أسلحة آلية ومدافع جرينوف محملة على سيارات نصف نقل، وكشفت التحقيقات فيما بعد أن سجن أبوزعبل، كان به عدد من السجناء المنتمين إلى حركة حماس، حزب الله، وقد تم تهريبهم أيضًا، كما تم الهجوم باللودر على جدران سجن ملحق ليمان وادى النطرون، وتهريب مساجين سياسيين من الإخوان وتم نشر الأسوار الحديدة والأبواب المصفحة بالمناشير الكهربائية، ونتج من تلك الأحداث هروب جميع المساجين بمنطقة سجون وادى النطرون وعددهم 11161 مسجونًا ووفاة 13 نزيلًا بليمان 130 الصحراوى. وتواصلت أعمال الإخوان الإرهابية منذ اليوم الخامس لاندلاع الثورة، بالهجوم على السجون الأخرى وأقسام الشرطة، واغتيال الضباط وأفراد الأمن نذكر منهم اللواء محمد البطران رئيس مباحث السجون فى سجن «القطا» بالقليوبية، وكان الرعب والفزع هو الهدف الأول الذى عمل الإخوان من أجل نشره، فاستأجروا البلطجية والسوابق والهاربين من السجون لإرهاب المواطنين بالأسلحة البيضاء وإطلاق الرصاص من أسلحة نارية لا يعرف أحد كيف وصلت الأسلحة النارية للبلطجية وللصبية من أولاد الشوارع. وهكذا بدأ الإخوان فى فرض سيطرتهم على مقاليد الثورة، واللعب على أوتار الخوف لدى المصريين الذين باتوا الليالى الطويلة الباردة فى الشوارع فى لجان شعبية لحماية منازلهم وممتلكاتهم التى كانت تتعرض دوماً لهجمات مسلحة من البلطجية المأجورين، وحاولوا فى ذلك إهدار هيبة الأمن، بل إهدار هيبة الدولة ككل، وكان أن جعلوا الشعب بين خيارين، أما البلطجة والإرهاب، واما أن يحكموا الشعب بالحديد والنار، حتى تم تزوير إرادة الشعب فى انتخابات هزلية تم بعد إعلان محمد مرسى السجين الإخوانى الهارب رئيساً لمصر العظيمة، وكان الرئيس الحقيقى هو مرشد الإخوان محمد بديع الذى أدار مصر من الوكر الذى كان يقيم به بالمقطم. لقد كان هناك «مشروع إجرامى» خططت له الإخوان بالتنسيق مع دول أجنبية ومنظمات خارج البلاد لإسقاط الدولة المصرية عبر استهداف أكثر من 160 سجنًا وقسمًا ومركزًا شرطيًا فى عموم البلاد والاستيلاء على أسلحتها وذخيرتها، ووفقاً لما كشفته التحقيقات أمام القضاء المصرى فيما بعد بالأدلة والمستندات والتسجيلات والصور أن جماعة الإخوان تلقفت مشروع إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط سياسيًا، وقامت بتبنى هذا المشروع والتسويق نفسها لتنفيذه لزعزعة استقرار مصر ودول العالم العربى لإقامة الخلافة المزعومة بقيادة المرشد العام لهم؛ ولتنفيذ مخططهم بادروا باتخاذ خطوات ضد أجهزة الدولة، خاصة الأمنية لإسقاطها والقفز فوق السلطة، واستخدمت فى ذلك عناصر من حركة حماس وذراعها العسكرى، وعناصر من ميليشيا حزب الله اللبنانى، والحرس الثورى الإيرانى، وعناصر من الجماعات التكفيرية والجهادية وعدد من العناصر البدوية الإجرامية والإرهابية الموالية لهم. لقد خان الإخوان الشعب المصرى فى ثورة يناير، وتلاعبوا بأحلامه، ورصد الأمن الوطنى والمخابرات العامة المصرية تفاصيل الخيانة والإعداد لإسقاط الدولة من خلال ضرب مؤسساتها، متوشحين بالدين الإسلامى، معتمدين على أن الدين يمثل نقطة ضعف حقيقة لدى المصريين، فاتخذوا من شعارات الدين ستارًا لجرائمهم فى حق مصر والشعب والقضاء على كل أحلام الشعب. ومما يؤسف له أن ثورة 25 يناير كما جلبت لنا الإخوان الذين قفزوا فوق المشهد، فتح علينا أيضًا بؤراً لا أخلاقية من انهيار القيم والمثل العليا والأخلاقيات، واعتقدت فئات من الشعب أن الثورة التى حطمت حاجز الخوف وأطاحت برئيس قبع على قلب الشعب 30 عاماً، قادرة على أن تخرج عن كل الخطوط الحمراء بما فيها خطوط القيم والأخلاق، فاستغل البعض ارتباك الدولة فى عهد الإخوان وما بعدها، وقام البعض بإهدار القيم والمثل، واتخاذ التطاول والتخوين وسيلة للشهرة، كما ظهرت على الساحة حالة الاستقطاب الدينى، وحدث ارتباك فى بناء الخريطة السياسية من خلال الانتخابات الأولى عقب الثورة، أو فى تشكل الأحزاب الجديدة، واختفت قوى سياسية وظهرت أخرى. اقتصاديا.. وعقب ثورة يناير، كبّد الإخوان مصر فاتورة اقتصادية هائلة عبر العمليات الإرهابية فى بر مصر كله بلغت فى عام 2014 نحو 350 عملية إرهابية، ارتفعت إلى ما يقرب من 595 عملية فى عام 2015، حتى تمكن الأمن والجيش من تصفية أغلب العناصر الإرهابية الإجرامية فى سيناء وباقى ربوع مصر لتتراجع بحمد الله العمليات الإرهابية ويمهد الهدوء والاستقرار المجال للتنمية الاقتصادية، ولن ينسى الشعب ولا الجيش والشرطة جرائم الإرهاب التى حاولوا بها إزالة كل أثر لثورة 25 يناير من التفجيرات والاعتداءات المسلحة والعمليات الانتحارية من أجل تهريب المستثمرين الأجانب وتعطيل عجلة الإنتاج، نعم لقد جلبوا الدواعش لمصر وفجروا خطوط الغاز، وهددوا مكتسبات الشعب، خربوا وسائل النقل وفجروها (السكة الحديد، ومترو الأنفاق، وهيئة النقل العام بالقاهرة) والتى تكبدت وحدها فى عام 2013 خسائر بلغت 3٫6 مليار جنيه بسبب عمليات الإرهاب الأسود ومظاهرات الإخوان، وتأثرت المنشآت الحيوية والخدمية من أبراج ومحولات الكهرباء، وحسب التقارير الرسمية بمصر، فإن الخسائر الاقتصادية فى عام 2013 بلغت 50 مليار جنيه، وبلغت خسائر قطاع السياحة خلال ثلاثة أعوام بنحو 75 ملياراً، وتسبب مخطط الإرهاب الإخوانى فى خسائر بالبورصة وفى الشركات الخاصة والمحال التجارية والمصانع. رغم مرور تلك السنوات على ذكرى ثورة يناير، فإن الشعب المصرى لم ينس يوماً ما جرائمهم طوال تلك الفترة، ودعمهم المستمر للإرهاب سواء المادى أو المعنوى، وسرقتهم للثورة وعملياتهم الإرهابية الخسيسة بسيناء أو وغيرها من ربوع الوطن، لقد أثبت القضاء المصرى أن جماعة الإخوان تآمرت على مصر فى عهد ثورة يناير وما بعدها، وعلى رأسهم محمد مرسى بارتكاب جرائم التخابر مع عناصر أجنبية متمثلة فى تنظيم حزب الله اللبنانى وحركة حماس الفلسطينية وتنظيم الجهاد بسيناء، وارتكابهم جميعًا جريمة الإرهاب، لم ينس المصريون حتى الآن كلمات محمد البلتاجى باعتصام رابعة الإرهابى، إنه يشترط رجوع مرسى حتى يتوقف ما يحدث فى سيناء، ومن يومها نزيف الدماء لم يتوقف فى أرض الفيروز، ولم ينس أن الرئيس المعزول محمد مرسى أثناء توليه الرئاسة، أصدر قرارات بالعفو الرئاسى عن عدد من كبار الجهاديين والتكفيريين المحكوم عليهم بعقوبات بالسجن والإعدام تاركًا، وأطلق سراحهم ليسيطروا على سيناء، وكان يأمل فى تشكيل جيش من الجهاديين يحارب به الجيش النظامى الوطنى المصرى، ولتسقط مصر فى مستنقع سقطت فيه دول عربية أخرى على غرار العراق وليبيا وسوريا. ولأن الشعب المصرى الصبور الطيب استيقظ لديه الوعى لما عاصره وشهده من جرائم الإخوان، ومحاولة تحكّمهم فى كل مفاصل الدولة، ولأن مصر لها جيشها الوطنى الباسل وهو خير أجناد الأرض، جاء التحرك الشعبى فى ثورة «30 يونيو»، مطالبًا بعزل محمد مرسى والجماعة الإرهابية، وليكن هذا التحرك الجديد إعادة لثورة 25 يناير وإعادتها للمسار، جاءت 30 يونيو للإطاحة بحكم الإخوان وإنقاذهم من حكم جماعة إرهابية دموية، أرادت أن تكمم أفواه الشعب، وتحكمه بالحديد والنار تحت ستار الدين، إلى أن جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى عقب ثورة 30 يونيو لينقذ مصر من وحل الإخوان، وليتم تصويب مسار الثورة والانطلاق لتحقيق مطالب الشعب. حتى لا ننسى جرائم الإخوان، الذى سرقوا الثورة، وقتلوا بدم بارد الأبرياء، وزرعوا القنابل والألغام فى طريق رجالات الشرطة والجيش، ودمروا المحولات الكهربائية ليعم الظلام، وقتلوا الشباب البرىء فى الشوارع ليعم الخوف، وحققوا مكاسب وغنائم منها الفوز بمقاعد الأكثرية فى مجلسى الشعب والشورى بالتزوير والإرهاب وتغييب إرادة الشعب ومن بعدهما حكم مصر، لكن مع اكتشاف الحقائق كان لا بد من تصحيح الأوضاع عبر ثورة جديدة هى ثورة «30 يونيو» التى كانت «يناير» بداية حقيقية لثورة حقيقية فى مصر انطلقت بعدها عمليات بناء الدولة والإصلاح والتجديد والتنمية ومحاربة الفساد، وهى العمليات التى لا تزال تجرى على قدم وساق حتى الآن.