"منذ أيام جاءت امرأة إلى السوق تريد سم ثعبان، من اضطرابها الملحوظ وكلامها المتناقض عن غرضها من شرائه .. داخلني الشك، جرجرتها في الكلام فعرفت أنها على خلاف مع زوجها وأنها تكرهه وتتمنى الخلاص منه، بالطبع لم أعطها ما طلبته وبعتها قطرة عيون على أنها سم ثعبان، لأني لو أعلنتها برفضي هناك من الباعة الآخرين بالسوق من سيبيع لها فى الخفاء ما تريده. عادت المرأة بعد أيام إلى سوق الجمعة تشكو أن السم لم يأتِ بأثر فأجبتها ضاحكا: أكيد (جوزك عمره طويل)..! جاءت هذه القصة على لسان ناصر ، أقدم وأكبر بائعى الحيوانات السامة والمفترسة بسوق السيدة عائشة ، رجل تعدى الخمسين من عمره.. من جلسته المتعالية ومظهره الصارم تكتشف للوهلة الأولى أنه كبير السوق، فالجميع يستمع إلى توجيهاته وينفذها على الفور دون مناقشة . جلس في كبرياء وأمامه العديد من الأحواض الممتلئة بالثعابين والتماسيح والعقارب وأقفاص الحدأة والنسور والخفافيش، بالإضافة للطيور الأليفة.. فالرجل لا يترك بضاعة يمكن أن تباع فى السوق إلا وله منها حظ.. اقتربنا من ناصر أو الزعيم كما يناديه كل من في السوق.. فى البداية رفض الحديث والتصوير بحجة أن الإعلام قد يتسبب فى "أذية الباعة" ولفت أنظار رجال الشرطة إليهم بعد أن أزاحت واقعة قتل الثلاث فتيات ،على أيدى والدهم، الستار عن السوق الكائن أسفل كوبرى السيدة عائشة ، بعدما تبين شراء الجانى لثعابين الكُبرى منه بمنتهى السهولة دون أى مساءلة. وعدته بعدم التصوير.. فبدأ فى الحديث بمنتهى الكبرياء وكأنه يتباهى بمهنته الشاقة وقدرته على التعامل مع الثعابين السامة والأنواع المختلفة من العقارب.. وبدأ يسترسل فى قصص زبائنه.. تابع ناصر مفتخرا بنفسه ورفضه بيع الثعابين السامة لغير الأطباء مذكرنا بقصة الرجل الذى قتل بناته الثلاث قائلا: لقد أتانى هذا الرجل وطلب اثنين من ثعابين الكُبرى.. وعندما رفضت بعدما اعترف لي برغبته فى شرائهم للقتل، حاول إغرائي قائلا: "سأعطيك فى الواحدة 1000 جنيه"..!! مؤكدا أن القاتل لم ييأس وذهب واشتراهم من شاب ما زال جديدا فى المهنة، وأنه تم القبض عليه ثم أفرج عنه لجهله بأحكام السوق. من تحت الترابيزة تركت الزعيم بثعابينه وعقاربه وواصلت جولتي بالسوق الذي لا يزيد عن شارع ضيق مختنق بمرور السيارات التى تعانى من فوضى اصطفاف بائعى الحيوانات على جانبيه فزادته ضيقا. فى بداية الشارع يطالعك بائعى الطيور كالحمام والبط والعصافير متكدسين على نحو يجعلك تعتقد أن السوق يقتصر علي تلك الحيوانات الأليفة، ولكن بعد المضي خطوات تجد بائعى الثعابين والعقارب يظهرون شيئا فشيئا .. وأمام منضدة مستديرة تفاجأ بمشهد لم تألفه من قبل لا يتفق والمشهد السابق الذي كانت العصافير والببغاوات الملونة الجميلة هي أبطاله .. ففوق هذه المنضدة ترى الأحواض الزجاجية التي تضم أنواعا غير سامة من الثعابين صغيرة الحجم ، وتحت المنضدة تلمح أكياسا تتحرك.. ومن كبر حجم الكيس تستطيع التنبؤ بأحجام الثعابين الموجودة بها وخطورتها. وقفت للحظات أرقب المشهد من بعيد.. رأيت أحد الباعة ،وهو شاب لا يتجاوز عمره ال28 ، جالسا على استحياء فى مكان يكاد يختفى عن الأنظار، وكأنه يخشى ظهور بضاعته أمام أعين المارة .. وبدا جليا أن معظم الزبائن من البلطجية والأطفال من الأحياء الشعبية .. ذهبت إليه على الفور وعندما سألته عن سبب اتخاذه لهذه المهنة الغريبة أجاب بأن عشقه للثعابين هو السبب الوحيد، وأن الموضوع كان فى بدايته مجرد هواية تحولت مع الوقت لوسيلة للتكسب، مؤكدا قدرته على تمييز الأنواع المختلفة من الثعابين ومعرفة السام منها وغير السام بمجرد النظر إليها. موضحا أن جميع الباعة فى السوق من عاشقى الحيوانات وأنه بدون حب للحيوان لا يمكن للبائع أن ينجح فى تلك المهنة. وعن سبب استحيائه فى عرض بضاعته مقارنة بعرض الطيور الأليفة أجاب بأن خوفه من المساءلة القانونية يمنعه من عرضها في العلن، حيث تعتبر تلك الحيوانات من المحميات الطبيعية وتتم مصادرتها وتحرير محاضر لهم. وعندما أبديت له ملاحظتي الخاصة بنوعية الزبائن أكدها البائع الشاب لافتا أن استخدام الثعابين السامة يقتصر على البلطجية الذين يستخدمونها فى الجرائم وأعمال الشغب، أما الأطفال فيقبلون على شراء الثعابين الصغيرة غير السامة ويستخدمونها فى اللعب، خاصة وأن أسعارها تبدأ من 20 جنيها فقط ، موضحا رفضه لبيع الثعابين للبلطجية وأن شكل الزبون هو الذى يحدد إذا كان بلطجيا أم مجرد هاوٍ يحب اقتناء الثعابين. ومن ناحية أخرى لم ينفِ البائع أن هناك طلبات لشراء الثعابين السامة.. حيث يأتى إليه من يطلب أنواعا بعينها، مؤكدا رفضه لبيعها إلا فى حالات معينة وهى أن يكون الزبون طالب صيدلة أو طبيب وأن يطلع على مايثبت ذلك قبل بيع البضاعة. تماسيح لإرهاب فلان لم يقتصر السوق على بيع الزواحف السامة فقط ولكن شملت المعروضات أيضا التماسيح الصغيرة والخفافيش.. عن شراء هذه الحيوانات قال أحد البائعين، رفض ذكر اسمه، أن هناك زبائن مخصوصة تقوم بشراء التماسيح وتربيتها فى أحواض كبيرة تحيطها بأسوار حديدية فى فيلات بعيدة.. وعن الغرض من شرائها رفض الإجابة وكأنه لا يعلم بينما تنم نظراته وكلماته عن خبرته الطويلة وكأنه بسكوته يريد أن يقول أنها تستخدم لإرهاب أطراف معينة.. ومما يؤكد ذلك قوله أن مبيعات هذه الحيوانات انخفضت بشكل واضح بعد الثورة! فيما عدا الكلاب ،الوحيدة التى تضاعفت أسعارها وزاد الطلب عليها بشكل واضح قائلا في سخرية: "الثورة كانت وش السعد على الكلاب"..! وطواط للعروسة ولا يخلو السوق بالرغم من قسوته من القصص الطريفة وهى قصة الوطواط والعروسة على حد تعبير باعة السوق.. يقول أحد البائعين أن دم الوطواط يستخدم كدهان على جسد المولودة الأنثى لحمايتها من الشعر الكثيف مستقبلا.. وفى لهجة شديدة المرح اقترب منى البائع وقال: ممكن للعروس أن تستخدمه وتتركه على جسدها بضعة ساعات.. بعدها يندر ظهور الشعر تماما. شاهد السوق بالصور: