مصطفى بكري: تعديل وزاري يشمل 15 منصبًا قريبا .. وحركة المحافظين على الأبواب    خلال 24 ساعة.. إزالة 8 حالات تعدي على الأراضي الزراعية وبناء مخالف بالغربية    التنمية المحلية: انتهاء كافة الاستعدادات لانطلاق الموجة الأخيرة لإزالة التعديات    محافظ قنا: بدء استصلاح وزراعة 400 فدان جديد بفول الصويا    «القومي للمرأة» ينظم عرض أزياء لحرفة التلي.. 24 قطعة متنوعة    القوات الأوكرانية تسقط 4 طائرات مسيرة روسية في أوديسا    الأمم المتحدة: تقارير تشير لانتشار الأوبئة والأمراض بين الفلسطينيين في غزة    «التحالف الوطني» بالقليوبية يشارك في المرحلة ال6 من قوافل المساعدات لغزة    استشهاد امرأة فلسطينية إثر قصف طائرات إسرائيلية لرفح    «الجنائية الدولية» تنفي ل«الوطن» صدور مذكرة اعتقال بحق نتنياهو    كيف يعالج جوميز أزمة الظهيرين بالزمالك أمام دريمز بالكونفدرالية ؟    «ليفركوزن» عملاق أوروبي جديد يحلق من بعيد.. لقب تاريخي ورقم قياسي    مرموش يسجل في فوز آينتراخت على أوجسبورج بالدوري الألماني    عاجل.. مفاجأة في تقرير إبراهيم نور الدين لمباراة الأهلي والزمالك    البحث عن مجرم مزق جسد "أحمد" بشبرا الخيمة والنيابة تصرح بدفنه    أحمد فايق يخصص حلقات مراجعة نهائية لطلاب الثانوية العامة (فيديو)    فيديوجراف| صلاح السعدني.. وداعًا العمدة سليمان غانم    تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة صلاح السعدني.. مات على سريره داخل منزله    أسرع طريقة لعمل الشيبسي في المنزل.. إليك سر القرمشة    حصل على بطاقة صفراء ثانية ولم يطرد.. مارتينيز يثير الجدل في موقعه ليل    افتتاح المؤتمر الدولي الثامن للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان    محافظة الجيزة: قطع المياه عن منطقة منشية البكاري 6 ساعات    وزارة الهجرة تطلق فيلم "حلقة وصل" في إطار المبادرة الرئاسية "أتكلم عربي"    الحماية المدنية تسيطر على حريق في «مقابر زفتى» ب الغربية    إخماد حريق بمخزن خردة بالبدرشين دون إصابات    ضبط لص الدراجات النارية في الفيوم    الهنود يبدءون التصويت خلال أكبر انتخابات في العالم    مطار مرسى علم الدولي يستقبل 149 رحلة تقل 13 ألف سائح من دول أوروبا    التنسيق الحضاري ينهي أعمال المرحلة الخامسة من مشروع حكاية شارع بمناطق مصر الجديدة ومدينة نصر    مهرجان كان السينمائي يكشف عن ملصق النسخة 77    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    دعاء يوم الجمعة قبل الغروب.. أفضل أيام الأسبوع وأكثرها خير وبركة    11 جامعة مصرية تشارك في المؤتمر العاشر للبحوث الطلابية بكلية تمريض القناة    وزيرا خارجية مصر وجنوب أفريقيا يترأسان أعمال الدورة العاشرة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين    وزير الصحة يتفقد المركز الإفريقي لصحة المرأة ويوجه بتنفيذ تغييرات حفاظًا على التصميم الأثري للمبنى    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    إسلام الكتاتني: الإخوان واجهت الدولة في ثورة يونيو بتفكير مؤسسي وليس فرديًا    محاكمة عامل يتاجر في النقد الأجنبي بعابدين.. الأحد    مؤتمر أرتيتا: لم يتحدث أحد عن تدوير اللاعبين بعد برايتون.. وسيكون لديك مشكلة إذا تريد حافز    إعادة مشروع السياحة التدريبية بالمركز الأفريقي لصحة المرأة    بالإنفوجراف.. 29 معلومة عن امتحانات الثانوية العامة 2024    "مصريين بلا حدود" تنظم حوارا مجتمعيا لمكافحة التمييز وتعزيز المساواة    العمدة أهلاوي قديم.. الخطيب يحضر جنازة الفنان صلاح السعدني (صورة)    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    خالد جلال ناعيا صلاح السعدني: حفر اسمه في تاريخ الفن المصري    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 4 مجازر في غزة راح ضحيتها 42 شهيدا و63 مصابا    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    استشهاد شاب فلسطيني وإصابة اثنين بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم "نور شمس" شمال الضفة    ضبط 14799 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    ألونسو: مواجهة ريال مدريد وبايرن ميونخ ستكون مثيرة    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصناعات اليدوية.. صراع من أجل البقاء

عرفت مصر الصناعات اليدوية منذ عهد الفراعنة، وعلى امتداد العصور ظلت هذه الصناعات هى المصدر الثانى للدخل بعد الزراعة، وكان إنتاجها يلبى احتياجات أهل البلاد، وبمرور الزمان تحولت هذه الصناعات إلى فنون حرفية يبدع فيها الفنان المصرى باحتراف، يمزج الواقع بالخيال ليخرج فناً مصرياً خالصاً، وساعد على ذلك وجود أحياء بكاملها يعيش فيها الحرفيون، وما زالت بعض أحياء القاهرة تحمل أسماء أصحاب هذه الحرف مثل النحاسين والشماعين والخيامية وغيرها. هذا النظام ساعد على الحفاظ على هذه الحرف وتوارثها عبر الأجيال،
واستمرت تمثل علامات مضيئة فى تاريخ الصناعة المصرية تبهر العالم كله مما جعل السلطان سليم الأول يأخذ من مصر أبرع حرفييها وصناعها إلى الآستانة إبان الغزو العثمانى لمصر، لينقلوا هذه الصناعات المتميزة إلى عاصمة الدولة العثمانية، ومن وقتها بدأ انهيار الحرف اليدوية، وساعد على ذلك التطور التكنولوجى الذى جعل المنافسة بين الصناعات الآلية واليدوية درباً من المستحيل، يضاف إلى ذلك انهيار السياحة التى كانت تعتبر المنفذ الوحيد لهذه الصناعات، ومع ارتفاع أسعار الخامات أصبحت الحرف اليدوية تراثاً يناضل من أجل البقاء، وفى الوقت الذى قامت فيه بعض الدول مثل المغرب وتونس بإنشاء وزارات للصناعات التقليدية لتدعيمها والحفاظ عليها، ما زالت صناعات النقش على النحاس، السجاد اليدوى، الفخار، الزجاج، الخيامية، القصابين وغيرها من الصناعات المصرية تصارع من أجل البقاء.
مهنة ورثها المصريون عن أجدادهم
فن الفخار.. يبحث عن العالمية
طيور من الطين لا ينقصها سوى عيسى عليه السلام لينفخ فيها لتكون طيراً بإذن الله، أوانٍ وأصص زرع وقناديل، أدوات مائدة كاملة أبدع المصريون فى صناعتها من الفخار، مزينة بألوان رائعة ورسوم جعلتها أشبه بقطع فنية تبحث عن سوق للعالمية.
من يرد أن يرى هذا الجمال والإبداع عليه أن يتوجه إلى منطقة بطن البقرة بمصر القديمة حيث قرية الفخارين التى بدأ إنشاؤها عام 2004 بمنحة من الاتحاد الأوروبى لتطوير المنطقة التى عرفت بصناعة الفخار منذ قديم الأزل، على أن يتم إنشاء الورش بشكل حضارى، وتقوم محافظة القاهرة بحصر أصحاب الورش ومنحهم الورش الجديدة، وفى منتصف عام 2007 خرج المشروع للنور، إلا أن المشكلات ما زالت مستمرة بين أصحاب الورش والمحافظة.
على طول الطريق المؤدى لقرية «الفواخرجية» ترى إبداعاتهم مصفوفة على طول الطريق، أوانٍ – أدوات مائدة – تحف – تماثيل – نافورات ووحدات إضاءة بأشكال ومقاسات مختلفة، وحينما تطأ قدماك أرض القرية يخلبك الهدوء الذى لا يقطعه سوى أصوات «دواليب تشكيل الطمى» التى تئن وكأنها فى حالة مخاض ليخرج منها وليد جديد ينطق بعظمة الفنان المصرى وقدرته على الإبداع.
وإذا كانت صناعة الفخار واحدة من الحرف التى ورثها المصريون عن أجدادهم الفراعنة، حيث أكد المؤرخون أن هذه الحرفة عرفتها مصر القديمة منذ عصر ما قبل الأسرات، حيث أبدع المصرى القديم فى صناعة أوانى الطهى وأدوات الزينة منها، وحتى توابيت الموتى، لذا رفعوا صانع الفخار إلى أرفع مكانة يمكن أن يصل إليها عامل بسيط، حيث صوروا الإله «خنوم» إله الخلق عند الفراعنة، وهو يجلس على عجلة الفخار ليشكل الإنسان.
المصرى الآن يعيد أمجاد أجداده فى هذا الفن الذى يجاهد ليبقى، فرغم كل المشكلات التى تتعرض لها هذه الحرفة، إلا أن بها فنانين وصلوا للعالمية تباع إبداعاتهم بآلاف الدولارات فى العالم، بينما يعانون داخل بلادهم للحفاظ على مهنتهم من الاندثار.
وكما للرجال باع طويل فى هذه المهنة منذ قديم الأزل، فقد دخلت النساء إلى حلبة المنافسة مضيفات روحاً جديدة على المهنة.
إحدى هؤلاء النساء ليلى عبدالمنعم التى دخلت المهنة منذ عام 2001 حينما بدأ التفكير فى مشروع التطوير وتم هدم الورش القديمة فهجرها العمال، فوقفت إلى جوار زوجها خليل مندور ونزلت للعمل معه كمساعد، واستمر الحال هكذا لعدة سنوات تعلمت فيها الكثير، حتى توفى الزوج منذ عدة سنوات لتخوض غمار المعركة وحدها مسلحة بتلك الفنون التى تعلمتها من زوجها والذى كان يعد أحد شيوخ المهنة، تقول ليلى: هذه المهنة فن يتعلمه الأطفال منذ الصغر، أما أنا فقد تعلمته كبيرة نظراً لظروف الحياة، ومع ذلك فقد نجحت فيه، فهو مثل أى فن كلما أحببناه أحبنا وأعطانا، ووصفت مهنتها بأنها سحر فبمجرد أن ألمس الطين تتغير حالتى النفسية فوراً وأذوب فيه لأمنحه من روحى فتتحول قطعة الطين إلى روح تنطق جمالاً.
وأضافت: فى البداية رفض الكثيرون نزولى العمل مع زوجى، إلا أنه تحدى بى الكل وساعدنى وعلمنى كل أسرار المهنة حتى أصبحت أدير المكان من بعده، وكما أثرت فىّ المهنة وعلمتنى الصبر والدقة أضفت إليها ذوق المرأة ولمستها، فأصبحت منتجاتى ذات طابع خاص يقبل المشترون عليها.
وعن حالة البيع والشراء قالت: لم تعد الحالة كما كانت، فارتفاع الأسعار أثر على كل شىء، وانهيار السياحة قلل من فرص البيع والشراء، حيث كان السياح يقبلون على شراء منتجاتنا لأنها طبيعية، أما الزبون المصرى فيبحث عن السعر الأقل حتى لو كانت الجودة أقل، لذلك تأثرت حركة البيع والشراء كثيراً وأصبحنا ننتظر طلبيات الفنادق والقرى السياحية أملاً فى الربح.
وأشارت «ليلى» إلى أن ارتفاع أسعار الخامات زاد من أسعار المنتج النهائى فالطين الأسوانى وصل إلى 700 جنيه بعد أن كان ب250 جنيهاً، ويومية العامل تتراوح بين 100 إلى 150 جنيهاً حسب كفاءته وطبيعة عمله، والأكسيد الأحمر الذى يعطى للطين لونه وصل سعره إلى 2500 جنيه بعد 300 جنيه، والآلات سعرها فى ارتفاع مستمر لذلك نفضل العمل اليدوى، بالإضافة إلى مشكلتنا الكبرى مع المحافظة حيث منحتنا هذه الورش بنظام حق انتفاع لمدة 25 عاماً، والإيجار كان 500 جنيه فى الشهر يريدون رفعه إلى 2500 جنيه، وممارسة الكهرباء تتراوح بين 1000 و1500 جنيهاً شهرياً، وطلبوا من كل ورشة 17 ألف جنيه لتقنين أوضاعنا، أما الغاز فقد طالبتنا الشركة ب 36 ألف جنيه لتوصيل الغاز الطبيعى إلى أفران الحرق، وحينما اعترضنا على هذا المبلغ تم تخفيضه ل 8 آلاف جنيها وهو مبلغ لا نستطيع دفعه أيضاً.
ورغم كل هذه المشكلات ما زال الفنان المصرى يبدع فى تشكيل الطين فتارة يصنع منه أطباق مائدة، وتارة يصنع منه أكواباً، وثالثة يطوعه ليصنع منه تحفاً وتماثيل، وتختلف أسعار كل قطعة حسب طريقة تصنيعها ومدى إتقان العامل الذى قام بصنعها، فالقطع التى تصنع داخل الورش الكبرى التى تستخدم آلات فى التصنيع وتنتج كميات كبيرة تباع بأسعار أقل من تلك التى تعتمد على العمل اليدوى، وهو ما أكدته ليلى التى أشارت إلى أن بعض القطع قد تأخذ أياماً من العمل المستمر وتتعرض للحرق أكثر من مرة مما يزيد من تكلفتها، وهو ما يرفع من سعرها، وأضافت أنهم طوروا من عملهم وراحوا يصنعون البورسلين وأوانى الطهى المختلفة التى حتى يتسع سوقهم، مشيرة إلى أنها علمت أحد أبنائها كل أسرار المهنة حتى لا تنقرض، فرغم أنه
طالب فى كلية التربية، إلا أنه يعمل معها ويبدع قطعاً فنية تضاهى ما كان يصنعه والده وعمه وأملها فى الله كبير أن تنقذ هذه المهنة من أجل مستقبل أبنها وأسرتها التى لا مصدر دخل لها سوى هذه الورشة.
محمد الكردى ممثل إحدى شركات تجهيزات الفنادق، أكد لنا أنه لو استمر الحال على ذلك فهذه المهنة فى طريقها للاندثار، حيث إنه لا يوجد لها أى دعم من الدولة، فمنذ أن تم منع استيراد الفخار منذ سنوات ونحن كشركة نعتمد على المنتج المصرى، وهو منتج جيد، إلا أن معاناة أصحاب الحرفة تنعكس عليه، فالتصميمات لا يتم تجديدها نظراً لعدم اطلاع العامل المصرى على الثقافات الأخرى، كما أن هذا المنتج لا يمكن تصديره للخارج نظراً لعدم معرفة العامل المصرى بطبيعة الأجواء فى الخارج، وبالتالى لا تتم معالجة المنتج بما يمنه من التعايش مع أجواء الدول الأوروبية، لذلك يطالب الكردى بضرورة تدخل الدولة لتعليم هذه الصناعة، وتوفير فرص الانفتاح على الثقافات الأجنبية والمشاركة فى المعارض الدولية مجاناً، وإنشاء مراكز لتطوير الصناعة مقابل نسبة بسيطة من أرباح الورش، مع ضرورة الاهتمام بتعليم الصغار لهذه المهنة التى لا تجد من يقبلون على تعلمها.
مكاحل وأدوات مائدة ومشكاوات.. أهم أعماله
حسن هدهد.. آخر عنقود «الأزازين» فى مصر!!
صناعة الزجاج واحدة من الصناعات اليدوية المعروفة فى مصر منذ عصر الفراعنة، وهى تعتبر واحدة من الصناعات التراثية التى انقرضت ولم يبق لها سوى مصنع واحد بوسط القاهرة، ومن ثم فإن الحفاظ عليها يعد واجباً وطنياً حتى لا تقضى الآلات على ما بقى من مهارة يدوية.
وعرف المصريون القدماء الزجاج كواحد من العناصر المهمة فى صناعة الأدوات المختلفة، واشتهرت الإسكندرية بصناعة الزجاج بالنفخ، وكانت تنتج زجاجاً متنوع الألوان أطلق عليه الإيطاليون فى عصر النهضة الأوروبية «ميللفورى» أى الألف زهرة وهو ابتكار فرعونى.
ونظراً لانتشار الرمال البيضاء فى سيناء وهى المكون الأساسى فى صناعة الزجاج، لذا كانت هذه الصناعة من أقدم وأشهر الصناعات فى مصر، وفى العصر الحديث ازدهرت صناعة الزجاج فى العديد من المحافظات والمدن المصرية، وأنشأت لها الورش الصغرى والكبرى فى العديد من الأحياء، إلا أن غزو الآلات جعل هذه الصناعة اليدوية تنقرض وتنشأ لها المصانع الكبرى التى تنتج منتجات بلا روح.
أما صناعة الزجاج التراثية التى تعتمد على النفخ فيوجد لها مصنع واحد بوسط القاهرة يديره حسن هدهد ونجله كمال آخر عنقود «الأزازين» إضافة إلى بعض الورش الصغيرة المتناثرة فى عدد من المحافظات.
ويعد مصنع حسن هدهد هو الأخير كما يقول نجله كمال هدهد الذى يعمل فى هذه المهنة مع والده منذ حوالى 25 عاماً.
«كمال» البالغ من العمر 35 عاماً حاصل على بكالوريوس تجارة، فضل العمل فى هذه المهنة التى ورثها من والده الذى ورثها بدوره عن أجداده، يقول كمال: حينما بدأت العمل مع والدى كنت أعتبر هذه المهنة فناً، حيث كان السياح يزورون المصنع كما يزورون المناطق السياحية فى مصر، وينظرون لنا على أننا فنانون نقدم فناً رفيعاً، لذا فصناعة الزجاج لم تكن بالنسبة لنا مجرد مهنة لأكل العيش بل كنا نعتبرها فناً نحاول الإبداع فيه، نتحمل درجة حرارة الفن التى تصل إلى 1200 درجة فهرنهايت لصهر الزجاج، حيث نعتمد على إعادة تدوير الزجاج المستخدم، أى أننا نخدم البيئة أيضاً، وبعد الصهر نقوم بتصنيع الزجاج عن طريق النفخ فى الماسورة التى توجد فى أسفلها قطعة الزجاج السائلة، وبواسطة ماسك حديدى نتحكم فى القطعة حتى يتم تشكيلها، بعدها يتم تبريدها بالتدريج، ثم تأتى مرحلة التنظيف والصقل للقضاء على أى شوائب بها، وبعدها نقوم بالرسم عليها لخلق قطع فنية كان السياح يقبلون عليها لاقتنائها.
وأضاف «هدهد» أن انهيار السياحة جاء وبالاً على الصناعات التقليدية فى مصر ومنها صناعة الزجاج، حيث لم يعد يوجد من يشترى التحف الزجاجية، ومع ارتفاع أسعار طن الزجاج المستعمل إلى 500 جنيه بعد أن كان ب 200 جنيه، وتزامن مع ذلك ارتفاع أسعار الوقود حيث إننا ما زلنا نستخدم أنابيب البوتاجاز التى يصل سعرها إلى 120 جنيهاً للأنبوبة الواحدة، فى حين يحتاج المصنع إلى 7 أنابيب يومياً، ولا يمكننا استخدام الغاز الطبيعى حيث إن المصنع يقع فى منطقة أثرية، لذلك فنحن مضطرون لاستخدام الأنابيب، بالإضافة إلى ارتفاع الإيجار إلى 1300 جنيه شهرياً، ومع زيادة مشكلة العمالة، حيث يحجم الشباب عن العمل فى هذه المهنة، لذلك ارتفعت يومية العامل - إن وجد- إلى 150 جنيهاً يومياً، مما أدى إلى زيادة الأعباء على الصناعة، وهو ما انعكس على المنتج النهائى حيث ارتفع سعر الكوب إلى 15 جنيهاً فمن من المصريين لديه القدرة على الشراء بهذه الأسعار؟
وأشار إلى أن فرصة الصناعات الحرفية كانت كبيرة فى المشاركة فى المعارض الدولية، وكان بنك الإسكندرية يدعم الصناعات التقليدية للمشاركة فيها بحجز أماكن العرض والإقامة لنا، إلا أننا فوجئنا بمعرض مكتبة الإسكندرية يطالبنا بدفع 4500 جنيه للمتر فى الثلاثة أيام، وهو ما فاق قدرتنا لذا لم نتمكن من المشاركة فيه، وبالتالى ضاعت علينا فرصة مهمة لزيادة المبيعات.
وطالب «هدهد» بضرورة قيام الحكومة بتدعيم الصناعات اليدوية ولو بتوفير المشاركة فى المعارض المصرية والدولية مجاناً لأصحاب هذه الحرف، فيكفينا ما نعانى من اندثار لمهنتنا، مع ضرورة تخصيص مكان لعمل دورات تدريبية للشباب لتعلم الحرف اليدوية حتى لا تنقرض، وأضاف مؤكداً أنه لن يعلم هذه المهنة لابنه كما فعل أبوه، فلو ارتفعت أسعار الغاز فى الشهور المقبلة كما يشاع فلن نستطيع الاستمرار.
يذكر أن صناعة الزجاج اليدوى ليست مقصورة على صناعة الأكواب وأطباق المائدة إنما يصنع منه الفنان المصرى تحفاً فنية تبدأ بالكاحل ذات الرسوم والألوان المبهجة، وتنتهى بوحدات الإضاءة والمشكاوات الملونة التى تحرص الفنادق والقرى السياحية على استخدامها، لذلك فاندثار هذه الصناعة يعنى اندثار للجمال والذوق فى مصر.
شيش ومرايات وأطباق وأطقم شاى وفازات
النقش على النحاس.. انطلاق روح المعادن
يعتبر النقش على النحاس واحداً من أبرز الفنون الإسلامية التى عرفتها البشرية، حيث يعود تاريخ النقش على النحاس إلى بدايات ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، حينما بدأ الإقبال على تزيين المبانى كالمساجد والمدارس والدور والقصور وسواها من المنشآت بشتى أنواع الزينة والزخارف، ووصل الاهتمام بهذه النقوش إلى اقتناء الأشياء والأدوات والأوانى المزينة بالرسوم والنقوش، مما أدى إلى نشأة حرف عديدة، كالنقش والرسم والتذهيب والتلوين والتطعيم والتعشيق وسواها من الوسائل والأساليب التى اصطلح على تسميتها بالفنون الزخرفية.
ويعد النقش على النحاس واحداً من أهم هذه الفنون التى ما زالت تناضل من أجل البقاء، فمع انهيار السياحة وارتفاع أسعار المنتجات النحاسية، وقلة عدد المشتغلين بهذه المهنة التى أوشكت على الاندثار، ومع المنافسة غير المتكافئة مع المنتجات الصينية التى تغزو الأسواق أصبح العمل فيها نوعاً من المغامرة غير محمودة العواقب.
منذ سنوات قليلة مضت كان فن النقش على النحاس يجد له سوقاً رائجة بمنطقة خان الخليلى بوسط القاهرة، حيث يقبل السياح على زيارتها واقتناء قطع من تلك المشغولات النحاسية، التى كانت تمثل أحد أبرز التذكارات التى يحرص السياح على اقتنائها ومنها المرايا ذات الأطر النحاسية والأطباق وأطقم الشاى، وقلب الشيشة، والصوانى المزخرفة والأباريق والفازات، إلا أن انهيار السياحة وارتفاع الأسعار جاء بمثابة معولى هدم أتيا على ما بقى من هذه الصناعة التى تميزت بها مصر لأكثر من 1000 عام.
مجدى زكى محمود واحد من أبرز من عملوا فى هذه الصناعة، أنتج أعمالاً تضاهى أروع القطع الفنية على مستوى العالم وما زال يعزف منفرداً على قطع النحاس بورشته الواقعة فى كشك صغير بالمقابر، فهناك ينطق النحاس بآيات فنية لا مثيل لها، عم مجدى الذى شارف على الستين من عمره يعمل فى هذه المهنة منذ أكثر من 45 عاما، أعطاها من وقته وعقله فأعطته فنا ينطق جمالاً، يحكى «عم مجدى» قصته مع هذا الفن قائلاً: حينما كان عمرى 12 عاماً جذبتنى هذه المهنة، وكنت أعلم أنها مهنة متوارثة من الآباء لأبنائهم، والغريب لا أتعلم فيها شيئاً، ومع ذلك أحببتها وتوجهت إلى المعلم هلال أحد شيوخ المهنة فلم يبخل علىّ بعلمه، ولما وجد منى استجابة للتعلم منحنى كل أسرارها، عملت فيها كفنان أخلق من النحاس الأصم تحفاً فنية، ومع أنى لم أحصل على شهادات، إلا أنى تعلمت جميع أنواع الخطوط العربية (الكوفى - النسخ – الرقعة والديوانى بكل أنواعها) كما أتقنت الحفر على الرخام والجرانيت أيضاً.
وأضاف: يبدأ عملى بقطعة النحاس التى تأتى لى سواء من تاجر أو صانع فأقوم برسم الأشكال التى سأقوم بنقشها على القطعة بواسطة قلم الزومبا وهو قلم مخصص للنقش على النحاس، ثم تبدأ مرحلة النقش باستخدام قلم النقش والشاكوش، والعمل فى القطعة قد يستغرق يومين إلى أسبوع حسب حجم القطعة والنقوش الموجودة بها.
ويقول «عم مجدى» إن زخرفة الشيشة الذى يقوم به حالياً هو الأول له منذ شهور، فنظراً لارتفاع أسعار النحاس التى وصلت إلى 190 جنيهاً لكيلو النحاس الأصفر و220 للأحمر امتنع الزبائن عن شراء المزخرفات النحاسية نظراً لارتفاع ثمنها، ولجأوا لشغل السوق المنخفض السعر، مشيراً إلى أن السياحة كانت تخلق سوقاً رائجة لهذه المصنعات، إلا أن الظروف الحالية جعلت العمل صعباً، فلا يوجد زبائن تقدر قيمة هذا العمل، إلا بعض الفنادق والقرى السياحية التى تشترى عدداً من القطع، أو تطلب أوانى لتقديم الطعام فأصنعها لها خصيصاً من الألومنيوم وأقوم بالنقش عليها بنفس الطريقة، ومع ذلك فهذه الطلبيات قليلة لذلك قد أستمر بالشهور لا يدخل جيبى مليم من هذا العمل وأعيش على بيع الحلويات والمثلجات فى الكشك.
وكانت كليات الفنون التطبيقية ببعض الجامعات المصرية والخاصة تستعين بعم مجدى ليشرح للطلبة فنه، ومع ذلك فهو يرى أن المهنة فى طريقها للانقراض لأنه لا يدخلها جيل جديد، ولذلك يقترح إنشاء مركز تدريب لطلبة المدارس الصغار فى العطلة الصيفية وأبدى استعداده لتعليم الأطفال بالمجان حتى لا تنقرض هذه المهنة.
الغريب أن «عم مجدى» لم يرث أى من أبنائه الثلاثة فنه قائلاً: «محدش منهم غاوى» وأضاف: «زمان كنت بشتغل للفن.. دلوقتى بشتغل للمم» فكل ما أطلبه من الله هو الستر والصحة، والحمد لله أكسب ما يكفينى ويكفى أسرتى إلا أن المهنة صعبانة على ونفسى أحييها من جديد حتى لا تنقرض، فلم يعد هناك زبائن لديهم الرغبة فى شراء القطع الفنية ومن يرد يعانى من مشكلة ارتفاع الأسعار فيلجأ للشغل السوقى الأرخص والأقل جودة.
ازدهرت فى العصر المملوكى
الخيامية.. فن يتحدى الزمن
سيمفونية من الألوان تعزفها أنامل الإنسان المصرى على قطعة من القماش، تتداخل فيها الخيوط والمناظر المعبرة لتخلق لوحة فنية من طراز فريد، هذا هو فن الخيامية، ذلك الفن المصرى الأصيل الذى عرفه الإنسان منذ قديم الأزل وبرع وتفرد فيه فى العصر الإسلامى خاصة العصر المملوكى، وظل حتى الآن يجاهد ليستمر رغم كل المتغيرات الحديثة التى ألقت بظلالها على المشهد المصرى.
حرفة صناعة الخيام مهنة قديمة عرفها المصريون القدماء لصنع مأوى يحميهم من تقلبات المناخ، وتطورت مع العصور، ويعد العصر المملوكى هو العصر الذهبى لهذه المهنة التى برع فيها المصريون دون باقى الجنسيات، وأصبح لها شارع شهير بها بوسط القاهرة التاريخية فى مواجهة بوابة المتولى يحمل اسم شارع الخيامية بعد أن انتقل إليها الصناع من منطقة الدرب الأحمر بعد حريق الفسطاط على يد الوزير شاور أواخر العصر الفاطمى، ويضم هذا الشارع الآن أكبر وأشهر صناعها وبائعوها.
وترجع تسمية الخيامية إلى الخيامى الذى يقوم بصناعة الخيام وزخرفتها بقطع القماش الملون، وقد تطورت هذه المهنة على مر العصور، فلم تعد مقصورة على صناعة الخيام إنما امتدت لصناعة المفارش وزينة رمضان والإكسسوارات المنزلية والحقائب، إلا أن أكثر ما اشتهرت به هذه الصناعة فى العصر الحديث كان كسوة الكعبة التى كان يتم تصنيعها فى مصر وتنقل إلى الكعبة فيما يعرف «بالمحمل»، وبعد تصنيع هذه الكسوة فى السعودية، راح الفنان المصرى يبدع فى مهنته ويطورها حتى تستمر فراح يواكب العصر ومتطلبات السوق، ليصنع الهدايا التى يقبل السياح على شرائها من مفارش ومعلقات وحقائب لليد وللكمبيوتر المحمول وغيرها.
الحاج حنفى محمد أحد أشهر الصناع بالمنطقة يشير إلى أن المهنة مثلها مثل باقة الحرف اليدوية تعانى مشكلات ارتفاع أسعار الخامات وقلة إقبال الصبيان عليها، حيث إن الشباب أحجم عن تعلم هذه المهنة التى كانت تتوارثها الأجيال، أما الآن فلم يجد من يتعلمها إلا القليل.
يذكر أن مهنة الخيامية كانت من المهن التى تجتذب الصناع إليها قديماً، ولم يكن مشايخ الحرفة يقبلون بأى صانع ليتعلم حرفتهم، لذلك كان اختيار الصناع يتم من خلال عقد اجتماع للخياميين وشيخهم، لفحص أعمال الخيامى الجديد، فإذا كان العمل جيداً ومطابقاً لأصول الحرفة، يلتزم الحرفى بإقامة مأدبة عشاء، احتفالًا بانضمامه للحرفة، إلا أن الأمر تغير الآن ولم يعد الصناع يجدون من يتعلم حرفتهم.
وأشار «عم حنفى» إلى أن مهنة الخيامية تعتمد على قماش التيل الذى يستخدم فى صناعة المفارش والمعلقات، وقماش الترك لصناعة السرادقات، حيث يقوم الفنان برسم الشكل المراد تثبيته على القماش ثم يقوم بتخريمه ووضع بودرة مخصصة لطبع الرسوم على القماش لتسهيل عملية التطريز، وبعدها تبدأ عملية التطريز التى تتم بمنتهى الدقة والمهارة بحيث يظهر الشكل وكأنه مصبوغ على القماش، وأشار إلى أنه مع تطور صناعة الغزل والنسيج أصبح هناك ماكينات تقوم بطباعة الأشكال على الأقمشة، إلا أن هذا يختلف عن العمل اليدوى الذى يتميز بالدقة والمهارة والاتقان.
وتختلف أسعار منتجات الخيامية حسب الحجم والنوع والقماش المستخدم، إلا أن التجار أكدوا أن حركة البيع والشراء تكاد تكون منعدمة بسبب انهيار السياحة، وتزداد إلى حد ما صيفاً مع موسم نزول المصريين المسافرين إلى الخارج، والذين يحرصون على شراء بعض الهدايا لأصدقائهم، لذلك كشف لنا مجدى عبدالسلام أحد الصناع عن التطور الكبير الذى حدث لمنتجات الخيامية، حيث أصبحنا ننتج جرابات للموبايل، وحقائب يد وظهر، ومفارش تستخدمها المقاهى والمحال والمنازل أيضاً فى شهر رمضان حيث تزداد المبيعات، وأضاف: نستعد لشهر رمضان من الآن حيث يزداد الطلب على الزينة المصنوعة من الخيامية والفوانيس الكبيرة التى تعلق فى المنازل والمقاهى والفنادق، فهذا يعد هو شهر الرواج بالنسبة لنا بعد أن انخفضت المبيعات طوال العام بسبب ضرب السياحة وارتفاع الأسعار مما جعل الناس تفكر ألف مرة قبل شراء أى شىء يعد من قبيل الرفاهية.
ويطالب «مجدى» بضرورة فتح مدارس لتعليم فن الخيامية الذى أوشك على الانقراض مطالباً وزارة الثقافة بضرورة حماية هذه المهنة، فهى مهنة تراثية يجب الحفاظ عليها وتنميتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.