«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصناعات اليدوية.. صراع من أجل البقاء

عرفت مصر الصناعات اليدوية منذ عهد الفراعنة، وعلى امتداد العصور ظلت هذه الصناعات هى المصدر الثانى للدخل بعد الزراعة، وكان إنتاجها يلبى احتياجات أهل البلاد، وبمرور الزمان تحولت هذه الصناعات إلى فنون حرفية يبدع فيها الفنان المصرى باحتراف، يمزج الواقع بالخيال ليخرج فناً مصرياً خالصاً، وساعد على ذلك وجود أحياء بكاملها يعيش فيها الحرفيون، وما زالت بعض أحياء القاهرة تحمل أسماء أصحاب هذه الحرف مثل النحاسين والشماعين والخيامية وغيرها. هذا النظام ساعد على الحفاظ على هذه الحرف وتوارثها عبر الأجيال،
واستمرت تمثل علامات مضيئة فى تاريخ الصناعة المصرية تبهر العالم كله مما جعل السلطان سليم الأول يأخذ من مصر أبرع حرفييها وصناعها إلى الآستانة إبان الغزو العثمانى لمصر، لينقلوا هذه الصناعات المتميزة إلى عاصمة الدولة العثمانية، ومن وقتها بدأ انهيار الحرف اليدوية، وساعد على ذلك التطور التكنولوجى الذى جعل المنافسة بين الصناعات الآلية واليدوية درباً من المستحيل، يضاف إلى ذلك انهيار السياحة التى كانت تعتبر المنفذ الوحيد لهذه الصناعات، ومع ارتفاع أسعار الخامات أصبحت الحرف اليدوية تراثاً يناضل من أجل البقاء، وفى الوقت الذى قامت فيه بعض الدول مثل المغرب وتونس بإنشاء وزارات للصناعات التقليدية لتدعيمها والحفاظ عليها، ما زالت صناعات النقش على النحاس، السجاد اليدوى، الفخار، الزجاج، الخيامية، القصابين وغيرها من الصناعات المصرية تصارع من أجل البقاء.
مهنة ورثها المصريون عن أجدادهم
فن الفخار.. يبحث عن العالمية
طيور من الطين لا ينقصها سوى عيسى عليه السلام لينفخ فيها لتكون طيراً بإذن الله، أوانٍ وأصص زرع وقناديل، أدوات مائدة كاملة أبدع المصريون فى صناعتها من الفخار، مزينة بألوان رائعة ورسوم جعلتها أشبه بقطع فنية تبحث عن سوق للعالمية.
من يرد أن يرى هذا الجمال والإبداع عليه أن يتوجه إلى منطقة بطن البقرة بمصر القديمة حيث قرية الفخارين التى بدأ إنشاؤها عام 2004 بمنحة من الاتحاد الأوروبى لتطوير المنطقة التى عرفت بصناعة الفخار منذ قديم الأزل، على أن يتم إنشاء الورش بشكل حضارى، وتقوم محافظة القاهرة بحصر أصحاب الورش ومنحهم الورش الجديدة، وفى منتصف عام 2007 خرج المشروع للنور، إلا أن المشكلات ما زالت مستمرة بين أصحاب الورش والمحافظة.
على طول الطريق المؤدى لقرية «الفواخرجية» ترى إبداعاتهم مصفوفة على طول الطريق، أوانٍ – أدوات مائدة – تحف – تماثيل – نافورات ووحدات إضاءة بأشكال ومقاسات مختلفة، وحينما تطأ قدماك أرض القرية يخلبك الهدوء الذى لا يقطعه سوى أصوات «دواليب تشكيل الطمى» التى تئن وكأنها فى حالة مخاض ليخرج منها وليد جديد ينطق بعظمة الفنان المصرى وقدرته على الإبداع.
وإذا كانت صناعة الفخار واحدة من الحرف التى ورثها المصريون عن أجدادهم الفراعنة، حيث أكد المؤرخون أن هذه الحرفة عرفتها مصر القديمة منذ عصر ما قبل الأسرات، حيث أبدع المصرى القديم فى صناعة أوانى الطهى وأدوات الزينة منها، وحتى توابيت الموتى، لذا رفعوا صانع الفخار إلى أرفع مكانة يمكن أن يصل إليها عامل بسيط، حيث صوروا الإله «خنوم» إله الخلق عند الفراعنة، وهو يجلس على عجلة الفخار ليشكل الإنسان.
المصرى الآن يعيد أمجاد أجداده فى هذا الفن الذى يجاهد ليبقى، فرغم كل المشكلات التى تتعرض لها هذه الحرفة، إلا أن بها فنانين وصلوا للعالمية تباع إبداعاتهم بآلاف الدولارات فى العالم، بينما يعانون داخل بلادهم للحفاظ على مهنتهم من الاندثار.
وكما للرجال باع طويل فى هذه المهنة منذ قديم الأزل، فقد دخلت النساء إلى حلبة المنافسة مضيفات روحاً جديدة على المهنة.
إحدى هؤلاء النساء ليلى عبدالمنعم التى دخلت المهنة منذ عام 2001 حينما بدأ التفكير فى مشروع التطوير وتم هدم الورش القديمة فهجرها العمال، فوقفت إلى جوار زوجها خليل مندور ونزلت للعمل معه كمساعد، واستمر الحال هكذا لعدة سنوات تعلمت فيها الكثير، حتى توفى الزوج منذ عدة سنوات لتخوض غمار المعركة وحدها مسلحة بتلك الفنون التى تعلمتها من زوجها والذى كان يعد أحد شيوخ المهنة، تقول ليلى: هذه المهنة فن يتعلمه الأطفال منذ الصغر، أما أنا فقد تعلمته كبيرة نظراً لظروف الحياة، ومع ذلك فقد نجحت فيه، فهو مثل أى فن كلما أحببناه أحبنا وأعطانا، ووصفت مهنتها بأنها سحر فبمجرد أن ألمس الطين تتغير حالتى النفسية فوراً وأذوب فيه لأمنحه من روحى فتتحول قطعة الطين إلى روح تنطق جمالاً.
وأضافت: فى البداية رفض الكثيرون نزولى العمل مع زوجى، إلا أنه تحدى بى الكل وساعدنى وعلمنى كل أسرار المهنة حتى أصبحت أدير المكان من بعده، وكما أثرت فىّ المهنة وعلمتنى الصبر والدقة أضفت إليها ذوق المرأة ولمستها، فأصبحت منتجاتى ذات طابع خاص يقبل المشترون عليها.
وعن حالة البيع والشراء قالت: لم تعد الحالة كما كانت، فارتفاع الأسعار أثر على كل شىء، وانهيار السياحة قلل من فرص البيع والشراء، حيث كان السياح يقبلون على شراء منتجاتنا لأنها طبيعية، أما الزبون المصرى فيبحث عن السعر الأقل حتى لو كانت الجودة أقل، لذلك تأثرت حركة البيع والشراء كثيراً وأصبحنا ننتظر طلبيات الفنادق والقرى السياحية أملاً فى الربح.
وأشارت «ليلى» إلى أن ارتفاع أسعار الخامات زاد من أسعار المنتج النهائى فالطين الأسوانى وصل إلى 700 جنيه بعد أن كان ب250 جنيهاً، ويومية العامل تتراوح بين 100 إلى 150 جنيهاً حسب كفاءته وطبيعة عمله، والأكسيد الأحمر الذى يعطى للطين لونه وصل سعره إلى 2500 جنيه بعد 300 جنيه، والآلات سعرها فى ارتفاع مستمر لذلك نفضل العمل اليدوى، بالإضافة إلى مشكلتنا الكبرى مع المحافظة حيث منحتنا هذه الورش بنظام حق انتفاع لمدة 25 عاماً، والإيجار كان 500 جنيه فى الشهر يريدون رفعه إلى 2500 جنيه، وممارسة الكهرباء تتراوح بين 1000 و1500 جنيهاً شهرياً، وطلبوا من كل ورشة 17 ألف جنيه لتقنين أوضاعنا، أما الغاز فقد طالبتنا الشركة ب 36 ألف جنيه لتوصيل الغاز الطبيعى إلى أفران الحرق، وحينما اعترضنا على هذا المبلغ تم تخفيضه ل 8 آلاف جنيها وهو مبلغ لا نستطيع دفعه أيضاً.
ورغم كل هذه المشكلات ما زال الفنان المصرى يبدع فى تشكيل الطين فتارة يصنع منه أطباق مائدة، وتارة يصنع منه أكواباً، وثالثة يطوعه ليصنع منه تحفاً وتماثيل، وتختلف أسعار كل قطعة حسب طريقة تصنيعها ومدى إتقان العامل الذى قام بصنعها، فالقطع التى تصنع داخل الورش الكبرى التى تستخدم آلات فى التصنيع وتنتج كميات كبيرة تباع بأسعار أقل من تلك التى تعتمد على العمل اليدوى، وهو ما أكدته ليلى التى أشارت إلى أن بعض القطع قد تأخذ أياماً من العمل المستمر وتتعرض للحرق أكثر من مرة مما يزيد من تكلفتها، وهو ما يرفع من سعرها، وأضافت أنهم طوروا من عملهم وراحوا يصنعون البورسلين وأوانى الطهى المختلفة التى حتى يتسع سوقهم، مشيرة إلى أنها علمت أحد أبنائها كل أسرار المهنة حتى لا تنقرض، فرغم أنه
طالب فى كلية التربية، إلا أنه يعمل معها ويبدع قطعاً فنية تضاهى ما كان يصنعه والده وعمه وأملها فى الله كبير أن تنقذ هذه المهنة من أجل مستقبل أبنها وأسرتها التى لا مصدر دخل لها سوى هذه الورشة.
محمد الكردى ممثل إحدى شركات تجهيزات الفنادق، أكد لنا أنه لو استمر الحال على ذلك فهذه المهنة فى طريقها للاندثار، حيث إنه لا يوجد لها أى دعم من الدولة، فمنذ أن تم منع استيراد الفخار منذ سنوات ونحن كشركة نعتمد على المنتج المصرى، وهو منتج جيد، إلا أن معاناة أصحاب الحرفة تنعكس عليه، فالتصميمات لا يتم تجديدها نظراً لعدم اطلاع العامل المصرى على الثقافات الأخرى، كما أن هذا المنتج لا يمكن تصديره للخارج نظراً لعدم معرفة العامل المصرى بطبيعة الأجواء فى الخارج، وبالتالى لا تتم معالجة المنتج بما يمنه من التعايش مع أجواء الدول الأوروبية، لذلك يطالب الكردى بضرورة تدخل الدولة لتعليم هذه الصناعة، وتوفير فرص الانفتاح على الثقافات الأجنبية والمشاركة فى المعارض الدولية مجاناً، وإنشاء مراكز لتطوير الصناعة مقابل نسبة بسيطة من أرباح الورش، مع ضرورة الاهتمام بتعليم الصغار لهذه المهنة التى لا تجد من يقبلون على تعلمها.
مكاحل وأدوات مائدة ومشكاوات.. أهم أعماله
حسن هدهد.. آخر عنقود «الأزازين» فى مصر!!
صناعة الزجاج واحدة من الصناعات اليدوية المعروفة فى مصر منذ عصر الفراعنة، وهى تعتبر واحدة من الصناعات التراثية التى انقرضت ولم يبق لها سوى مصنع واحد بوسط القاهرة، ومن ثم فإن الحفاظ عليها يعد واجباً وطنياً حتى لا تقضى الآلات على ما بقى من مهارة يدوية.
وعرف المصريون القدماء الزجاج كواحد من العناصر المهمة فى صناعة الأدوات المختلفة، واشتهرت الإسكندرية بصناعة الزجاج بالنفخ، وكانت تنتج زجاجاً متنوع الألوان أطلق عليه الإيطاليون فى عصر النهضة الأوروبية «ميللفورى» أى الألف زهرة وهو ابتكار فرعونى.
ونظراً لانتشار الرمال البيضاء فى سيناء وهى المكون الأساسى فى صناعة الزجاج، لذا كانت هذه الصناعة من أقدم وأشهر الصناعات فى مصر، وفى العصر الحديث ازدهرت صناعة الزجاج فى العديد من المحافظات والمدن المصرية، وأنشأت لها الورش الصغرى والكبرى فى العديد من الأحياء، إلا أن غزو الآلات جعل هذه الصناعة اليدوية تنقرض وتنشأ لها المصانع الكبرى التى تنتج منتجات بلا روح.
أما صناعة الزجاج التراثية التى تعتمد على النفخ فيوجد لها مصنع واحد بوسط القاهرة يديره حسن هدهد ونجله كمال آخر عنقود «الأزازين» إضافة إلى بعض الورش الصغيرة المتناثرة فى عدد من المحافظات.
ويعد مصنع حسن هدهد هو الأخير كما يقول نجله كمال هدهد الذى يعمل فى هذه المهنة مع والده منذ حوالى 25 عاماً.
«كمال» البالغ من العمر 35 عاماً حاصل على بكالوريوس تجارة، فضل العمل فى هذه المهنة التى ورثها من والده الذى ورثها بدوره عن أجداده، يقول كمال: حينما بدأت العمل مع والدى كنت أعتبر هذه المهنة فناً، حيث كان السياح يزورون المصنع كما يزورون المناطق السياحية فى مصر، وينظرون لنا على أننا فنانون نقدم فناً رفيعاً، لذا فصناعة الزجاج لم تكن بالنسبة لنا مجرد مهنة لأكل العيش بل كنا نعتبرها فناً نحاول الإبداع فيه، نتحمل درجة حرارة الفن التى تصل إلى 1200 درجة فهرنهايت لصهر الزجاج، حيث نعتمد على إعادة تدوير الزجاج المستخدم، أى أننا نخدم البيئة أيضاً، وبعد الصهر نقوم بتصنيع الزجاج عن طريق النفخ فى الماسورة التى توجد فى أسفلها قطعة الزجاج السائلة، وبواسطة ماسك حديدى نتحكم فى القطعة حتى يتم تشكيلها، بعدها يتم تبريدها بالتدريج، ثم تأتى مرحلة التنظيف والصقل للقضاء على أى شوائب بها، وبعدها نقوم بالرسم عليها لخلق قطع فنية كان السياح يقبلون عليها لاقتنائها.
وأضاف «هدهد» أن انهيار السياحة جاء وبالاً على الصناعات التقليدية فى مصر ومنها صناعة الزجاج، حيث لم يعد يوجد من يشترى التحف الزجاجية، ومع ارتفاع أسعار طن الزجاج المستعمل إلى 500 جنيه بعد أن كان ب 200 جنيه، وتزامن مع ذلك ارتفاع أسعار الوقود حيث إننا ما زلنا نستخدم أنابيب البوتاجاز التى يصل سعرها إلى 120 جنيهاً للأنبوبة الواحدة، فى حين يحتاج المصنع إلى 7 أنابيب يومياً، ولا يمكننا استخدام الغاز الطبيعى حيث إن المصنع يقع فى منطقة أثرية، لذلك فنحن مضطرون لاستخدام الأنابيب، بالإضافة إلى ارتفاع الإيجار إلى 1300 جنيه شهرياً، ومع زيادة مشكلة العمالة، حيث يحجم الشباب عن العمل فى هذه المهنة، لذلك ارتفعت يومية العامل - إن وجد- إلى 150 جنيهاً يومياً، مما أدى إلى زيادة الأعباء على الصناعة، وهو ما انعكس على المنتج النهائى حيث ارتفع سعر الكوب إلى 15 جنيهاً فمن من المصريين لديه القدرة على الشراء بهذه الأسعار؟
وأشار إلى أن فرصة الصناعات الحرفية كانت كبيرة فى المشاركة فى المعارض الدولية، وكان بنك الإسكندرية يدعم الصناعات التقليدية للمشاركة فيها بحجز أماكن العرض والإقامة لنا، إلا أننا فوجئنا بمعرض مكتبة الإسكندرية يطالبنا بدفع 4500 جنيه للمتر فى الثلاثة أيام، وهو ما فاق قدرتنا لذا لم نتمكن من المشاركة فيه، وبالتالى ضاعت علينا فرصة مهمة لزيادة المبيعات.
وطالب «هدهد» بضرورة قيام الحكومة بتدعيم الصناعات اليدوية ولو بتوفير المشاركة فى المعارض المصرية والدولية مجاناً لأصحاب هذه الحرف، فيكفينا ما نعانى من اندثار لمهنتنا، مع ضرورة تخصيص مكان لعمل دورات تدريبية للشباب لتعلم الحرف اليدوية حتى لا تنقرض، وأضاف مؤكداً أنه لن يعلم هذه المهنة لابنه كما فعل أبوه، فلو ارتفعت أسعار الغاز فى الشهور المقبلة كما يشاع فلن نستطيع الاستمرار.
يذكر أن صناعة الزجاج اليدوى ليست مقصورة على صناعة الأكواب وأطباق المائدة إنما يصنع منه الفنان المصرى تحفاً فنية تبدأ بالكاحل ذات الرسوم والألوان المبهجة، وتنتهى بوحدات الإضاءة والمشكاوات الملونة التى تحرص الفنادق والقرى السياحية على استخدامها، لذلك فاندثار هذه الصناعة يعنى اندثار للجمال والذوق فى مصر.
شيش ومرايات وأطباق وأطقم شاى وفازات
النقش على النحاس.. انطلاق روح المعادن
يعتبر النقش على النحاس واحداً من أبرز الفنون الإسلامية التى عرفتها البشرية، حيث يعود تاريخ النقش على النحاس إلى بدايات ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، حينما بدأ الإقبال على تزيين المبانى كالمساجد والمدارس والدور والقصور وسواها من المنشآت بشتى أنواع الزينة والزخارف، ووصل الاهتمام بهذه النقوش إلى اقتناء الأشياء والأدوات والأوانى المزينة بالرسوم والنقوش، مما أدى إلى نشأة حرف عديدة، كالنقش والرسم والتذهيب والتلوين والتطعيم والتعشيق وسواها من الوسائل والأساليب التى اصطلح على تسميتها بالفنون الزخرفية.
ويعد النقش على النحاس واحداً من أهم هذه الفنون التى ما زالت تناضل من أجل البقاء، فمع انهيار السياحة وارتفاع أسعار المنتجات النحاسية، وقلة عدد المشتغلين بهذه المهنة التى أوشكت على الاندثار، ومع المنافسة غير المتكافئة مع المنتجات الصينية التى تغزو الأسواق أصبح العمل فيها نوعاً من المغامرة غير محمودة العواقب.
منذ سنوات قليلة مضت كان فن النقش على النحاس يجد له سوقاً رائجة بمنطقة خان الخليلى بوسط القاهرة، حيث يقبل السياح على زيارتها واقتناء قطع من تلك المشغولات النحاسية، التى كانت تمثل أحد أبرز التذكارات التى يحرص السياح على اقتنائها ومنها المرايا ذات الأطر النحاسية والأطباق وأطقم الشاى، وقلب الشيشة، والصوانى المزخرفة والأباريق والفازات، إلا أن انهيار السياحة وارتفاع الأسعار جاء بمثابة معولى هدم أتيا على ما بقى من هذه الصناعة التى تميزت بها مصر لأكثر من 1000 عام.
مجدى زكى محمود واحد من أبرز من عملوا فى هذه الصناعة، أنتج أعمالاً تضاهى أروع القطع الفنية على مستوى العالم وما زال يعزف منفرداً على قطع النحاس بورشته الواقعة فى كشك صغير بالمقابر، فهناك ينطق النحاس بآيات فنية لا مثيل لها، عم مجدى الذى شارف على الستين من عمره يعمل فى هذه المهنة منذ أكثر من 45 عاما، أعطاها من وقته وعقله فأعطته فنا ينطق جمالاً، يحكى «عم مجدى» قصته مع هذا الفن قائلاً: حينما كان عمرى 12 عاماً جذبتنى هذه المهنة، وكنت أعلم أنها مهنة متوارثة من الآباء لأبنائهم، والغريب لا أتعلم فيها شيئاً، ومع ذلك أحببتها وتوجهت إلى المعلم هلال أحد شيوخ المهنة فلم يبخل علىّ بعلمه، ولما وجد منى استجابة للتعلم منحنى كل أسرارها، عملت فيها كفنان أخلق من النحاس الأصم تحفاً فنية، ومع أنى لم أحصل على شهادات، إلا أنى تعلمت جميع أنواع الخطوط العربية (الكوفى - النسخ – الرقعة والديوانى بكل أنواعها) كما أتقنت الحفر على الرخام والجرانيت أيضاً.
وأضاف: يبدأ عملى بقطعة النحاس التى تأتى لى سواء من تاجر أو صانع فأقوم برسم الأشكال التى سأقوم بنقشها على القطعة بواسطة قلم الزومبا وهو قلم مخصص للنقش على النحاس، ثم تبدأ مرحلة النقش باستخدام قلم النقش والشاكوش، والعمل فى القطعة قد يستغرق يومين إلى أسبوع حسب حجم القطعة والنقوش الموجودة بها.
ويقول «عم مجدى» إن زخرفة الشيشة الذى يقوم به حالياً هو الأول له منذ شهور، فنظراً لارتفاع أسعار النحاس التى وصلت إلى 190 جنيهاً لكيلو النحاس الأصفر و220 للأحمر امتنع الزبائن عن شراء المزخرفات النحاسية نظراً لارتفاع ثمنها، ولجأوا لشغل السوق المنخفض السعر، مشيراً إلى أن السياحة كانت تخلق سوقاً رائجة لهذه المصنعات، إلا أن الظروف الحالية جعلت العمل صعباً، فلا يوجد زبائن تقدر قيمة هذا العمل، إلا بعض الفنادق والقرى السياحية التى تشترى عدداً من القطع، أو تطلب أوانى لتقديم الطعام فأصنعها لها خصيصاً من الألومنيوم وأقوم بالنقش عليها بنفس الطريقة، ومع ذلك فهذه الطلبيات قليلة لذلك قد أستمر بالشهور لا يدخل جيبى مليم من هذا العمل وأعيش على بيع الحلويات والمثلجات فى الكشك.
وكانت كليات الفنون التطبيقية ببعض الجامعات المصرية والخاصة تستعين بعم مجدى ليشرح للطلبة فنه، ومع ذلك فهو يرى أن المهنة فى طريقها للانقراض لأنه لا يدخلها جيل جديد، ولذلك يقترح إنشاء مركز تدريب لطلبة المدارس الصغار فى العطلة الصيفية وأبدى استعداده لتعليم الأطفال بالمجان حتى لا تنقرض هذه المهنة.
الغريب أن «عم مجدى» لم يرث أى من أبنائه الثلاثة فنه قائلاً: «محدش منهم غاوى» وأضاف: «زمان كنت بشتغل للفن.. دلوقتى بشتغل للمم» فكل ما أطلبه من الله هو الستر والصحة، والحمد لله أكسب ما يكفينى ويكفى أسرتى إلا أن المهنة صعبانة على ونفسى أحييها من جديد حتى لا تنقرض، فلم يعد هناك زبائن لديهم الرغبة فى شراء القطع الفنية ومن يرد يعانى من مشكلة ارتفاع الأسعار فيلجأ للشغل السوقى الأرخص والأقل جودة.
ازدهرت فى العصر المملوكى
الخيامية.. فن يتحدى الزمن
سيمفونية من الألوان تعزفها أنامل الإنسان المصرى على قطعة من القماش، تتداخل فيها الخيوط والمناظر المعبرة لتخلق لوحة فنية من طراز فريد، هذا هو فن الخيامية، ذلك الفن المصرى الأصيل الذى عرفه الإنسان منذ قديم الأزل وبرع وتفرد فيه فى العصر الإسلامى خاصة العصر المملوكى، وظل حتى الآن يجاهد ليستمر رغم كل المتغيرات الحديثة التى ألقت بظلالها على المشهد المصرى.
حرفة صناعة الخيام مهنة قديمة عرفها المصريون القدماء لصنع مأوى يحميهم من تقلبات المناخ، وتطورت مع العصور، ويعد العصر المملوكى هو العصر الذهبى لهذه المهنة التى برع فيها المصريون دون باقى الجنسيات، وأصبح لها شارع شهير بها بوسط القاهرة التاريخية فى مواجهة بوابة المتولى يحمل اسم شارع الخيامية بعد أن انتقل إليها الصناع من منطقة الدرب الأحمر بعد حريق الفسطاط على يد الوزير شاور أواخر العصر الفاطمى، ويضم هذا الشارع الآن أكبر وأشهر صناعها وبائعوها.
وترجع تسمية الخيامية إلى الخيامى الذى يقوم بصناعة الخيام وزخرفتها بقطع القماش الملون، وقد تطورت هذه المهنة على مر العصور، فلم تعد مقصورة على صناعة الخيام إنما امتدت لصناعة المفارش وزينة رمضان والإكسسوارات المنزلية والحقائب، إلا أن أكثر ما اشتهرت به هذه الصناعة فى العصر الحديث كان كسوة الكعبة التى كان يتم تصنيعها فى مصر وتنقل إلى الكعبة فيما يعرف «بالمحمل»، وبعد تصنيع هذه الكسوة فى السعودية، راح الفنان المصرى يبدع فى مهنته ويطورها حتى تستمر فراح يواكب العصر ومتطلبات السوق، ليصنع الهدايا التى يقبل السياح على شرائها من مفارش ومعلقات وحقائب لليد وللكمبيوتر المحمول وغيرها.
الحاج حنفى محمد أحد أشهر الصناع بالمنطقة يشير إلى أن المهنة مثلها مثل باقة الحرف اليدوية تعانى مشكلات ارتفاع أسعار الخامات وقلة إقبال الصبيان عليها، حيث إن الشباب أحجم عن تعلم هذه المهنة التى كانت تتوارثها الأجيال، أما الآن فلم يجد من يتعلمها إلا القليل.
يذكر أن مهنة الخيامية كانت من المهن التى تجتذب الصناع إليها قديماً، ولم يكن مشايخ الحرفة يقبلون بأى صانع ليتعلم حرفتهم، لذلك كان اختيار الصناع يتم من خلال عقد اجتماع للخياميين وشيخهم، لفحص أعمال الخيامى الجديد، فإذا كان العمل جيداً ومطابقاً لأصول الحرفة، يلتزم الحرفى بإقامة مأدبة عشاء، احتفالًا بانضمامه للحرفة، إلا أن الأمر تغير الآن ولم يعد الصناع يجدون من يتعلم حرفتهم.
وأشار «عم حنفى» إلى أن مهنة الخيامية تعتمد على قماش التيل الذى يستخدم فى صناعة المفارش والمعلقات، وقماش الترك لصناعة السرادقات، حيث يقوم الفنان برسم الشكل المراد تثبيته على القماش ثم يقوم بتخريمه ووضع بودرة مخصصة لطبع الرسوم على القماش لتسهيل عملية التطريز، وبعدها تبدأ عملية التطريز التى تتم بمنتهى الدقة والمهارة بحيث يظهر الشكل وكأنه مصبوغ على القماش، وأشار إلى أنه مع تطور صناعة الغزل والنسيج أصبح هناك ماكينات تقوم بطباعة الأشكال على الأقمشة، إلا أن هذا يختلف عن العمل اليدوى الذى يتميز بالدقة والمهارة والاتقان.
وتختلف أسعار منتجات الخيامية حسب الحجم والنوع والقماش المستخدم، إلا أن التجار أكدوا أن حركة البيع والشراء تكاد تكون منعدمة بسبب انهيار السياحة، وتزداد إلى حد ما صيفاً مع موسم نزول المصريين المسافرين إلى الخارج، والذين يحرصون على شراء بعض الهدايا لأصدقائهم، لذلك كشف لنا مجدى عبدالسلام أحد الصناع عن التطور الكبير الذى حدث لمنتجات الخيامية، حيث أصبحنا ننتج جرابات للموبايل، وحقائب يد وظهر، ومفارش تستخدمها المقاهى والمحال والمنازل أيضاً فى شهر رمضان حيث تزداد المبيعات، وأضاف: نستعد لشهر رمضان من الآن حيث يزداد الطلب على الزينة المصنوعة من الخيامية والفوانيس الكبيرة التى تعلق فى المنازل والمقاهى والفنادق، فهذا يعد هو شهر الرواج بالنسبة لنا بعد أن انخفضت المبيعات طوال العام بسبب ضرب السياحة وارتفاع الأسعار مما جعل الناس تفكر ألف مرة قبل شراء أى شىء يعد من قبيل الرفاهية.
ويطالب «مجدى» بضرورة فتح مدارس لتعليم فن الخيامية الذى أوشك على الانقراض مطالباً وزارة الثقافة بضرورة حماية هذه المهنة، فهى مهنة تراثية يجب الحفاظ عليها وتنميتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.