أريدك أنثى .. ولا أدّعي العلمَ في كيمياء النساءْ ..ومن أين يأتي رحيقُ الأنوثَهْ ...وكيف تصيرُ الظِباءُ ظباءْ ...وكيفَ العصافيرُ تُتْقِنُ فنَّ الغناءْ ..أريدُكِ أُنثى.. وأعرفُ أنَّ الخيارات ليست كثيرَه ..فقد أستطيع اكتشافَ جزيرَهْ ..وقد أستطيعُ العثورَ على لؤلؤَهْ ..ولكنَّ من ثامن المعجزاتِ، اختراعَ امرأهْ. هكذا تغنى الشعراء للمرأة وهكذا اعتبروها ثامن المعجزات وأجملها وأثمنها, لعلهم لم يبالغوا في شيء فالطبيعة أنثى, ومروج الورد أنثى ، والمطر والأنواء أنثى ، وباريس بين المدن أنثى, وأم الدنيا أنثى, والقاهرة مهد الحضارات أنثى، لا نستطيع ونحن نطرق موضوع المرأة إلا أن نطل من هكذا شرفة : شغف القصيدة وسحر أنوثة لا حد له، هكذا فقط يتدفق الحب وتنطلق الحياة على غير مثال. فلم يكن نزار ، ولا من عاصره، ولا من لحقه، أو سبقه بحرف وإحسان, ليجد لشعره مقاما وكينونة ، لولا أن في عوالم المرأة من السحر ، ما يكفي كي تنساب المخيلة وتنهمر القصائد، كل الذين امتشقوا حروفهم وحتى سيوفهم وأقلامهم ، وجدوا في المرأة أسبابا لا تحصى للحياة وللتفكير, ونحن اذ نراهن على قضية المرأة ونجدد طرحها بكل حماسة وشراسة, إنما لرهان خطير ومهم هو إعادة الاعتبار للذات البشرية بصفة عامة. فالمرأة أمّ وأخت وحبيبة وصديقة ورفيقة درب وزميلة بالعمل, موظفة وعاملة ومناضلة وكاتبة ومبدعة ومفكِّرة, عنوان لكل شيء جميل في حياة الرجل والأسرة والمجتمعات أجمع، ولعل طرح قضية المرأة في كل الحقب والعصور ، وفي كل الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، التي قد تحل بمجتمع ما, ليس انتصارا للمرأة ككيان مستقل يستحق العيش بكرامة فحسب, إنما هو في حقيقة الأمر انتصار للإنسانية عموما. حيث أكدت دراسات ميدانية وبحثية للدكتورة نجاح التلاوي بالمنيا ، والحاصلة علي رسالة الدكتوراة في علم الاجتماع ، إلى أن ظاهرة العنف ضد المرأة والتمييز ضدها يعتبر جزءً لا يتجزأ من هموم المجتمع كله ، فهى ليست قضية تحرير أو مساواة مع الرجل، ولا مجرد أمور تتصل بالأسرة، والأحوال الشخصية، ولا هى قضية تعليم، وعمل وحقوق معينة، لكنها قضية الاتجاهات الاجتماعية، المستمدة من العادات والتقاليد، والقيم السائدة فى المجتمع، والتى قد تساهم بطريقة أو بأخرى فى النيل من إنسانية المرأة، أو التميز ضدها، أو تقييدها، أوإستبعادها، أو المساس بحقوقها الشخصية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، على أساس النوع. وبناءً عليه فالثقافة هى التى تحدد أدوار الجنسين، ففى الوقت الذى تدعو فيه بعض الأيديولوجيات الثقافية، على نحو متزايد، إلى تعزيز الحقوق الإنسانية للمرأة والدفاع عنها، فإن ثمة أعرافا وتقاليدا وقيما دينية فى العديد من المجتمعات، تستخدم لتبرير العنف ضد المرأة، والسيطرة عليها من خلال استراتيجيات مختلفة. وبجانب أن الثقافة هى التى تحدد أدوار الجنسين، فالثقافة هى التى تحدد درجة تقدم المجتمعات ودرجة تخلفها ، وذلك من خلال تمسك مجتمع (ما ) بقيمه وعاداته ، التى قد تفرز جيلا يعتنق العنف، ويعتبره هو الوسيلة الوحيدة والأهم فى تحقيق أهدافه والحصول على رغباته، فالمجتمع بعاداته وتقاليده الذى أعطى للرجل حقوق السيطرة على المرأة، هذا المجتمع نفسه هو الذى أعطى المرأة قناعتها، بأن توافق على عنف الرجل، كل ذلك وغيره نتيجة رسوخ العادات والقيم المتوارثة فى المجتمع والتى قد تطغى على الدين والشريعة أحيانا. بهذا تلعب الثقافة دورا هاما فى تكريس العنف ضد المرأة، حيث تشكل الفكر الذى يجعل الرجل أفضل من المرأة وتمنحه الحق فى الرأى والسلطة، مما يؤيد ممارسة الإساءة نحو المرأة باعتبارها شكلا من أشكال الرجولة، بل قد يصاب الرجل بالخجل إذ ما عرف عنه أن زوجته لا تخشاه أو أنه ضعيف. لافتة التلاوي، إلي أن الدراسات الميدانية والبحثية ، قد اكدت ان الرجل عموما الذى نشأ فى كنف الثقافة الذكورية، يرغب دائما أن يكون هو السيد والمسيطر، تلك الثقافة نشأت من خلال الموروث الشعبى المتمثل فى العادات والقيم التى يعتنقها مجتمع (ما ) ، دون محاولة منه لتغييرها أو تطويرها بما يتناسب مع تطور المجتمع، حيث لم يستطع التطور التكنولوجى أن يغير كثيراً من عادات وتقاليد مجتمعاتنا العربية ، وخاصة نظرة الرجل الشرقى للمرأة حتى وقتنا هذا، حيث تعد العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية من أهم الأطر الثقافية التى تقدم سنداً أو تبريراً للعنف ضد المرأة، فضلا عن القيم العشائرية والثقافة الذكورية، التى تُعلى من شأن الرجل ، وتعامل المرأة بدونية ، وتصنفها فى الدرجة الثانية من السلم الإنسانى، فى ممارسة العنف. ويعد المثل الشعبى ، أحد الروافد الهامة ، فى تحديد بنية الثقافة السائدة ، والذى يحمل الكثير من المضامين التى تكرس قيماً ومعاييرا تدعو إلى قهر المرأة وتحجيم دورها وتحقير شأنها فى الأسرة ، بل وفي المجتمع عموما، ويمتلئ الثراث الشعبى بالأقاويل والأمثال ، التى تدعم صور العنف ضد الأنثى منذ ميلادها حتى وفاتها، فمنها ما يحقر ولادتها كأنثى، ومنها من يعدها عورة ويجب وأدها أو تزويجها، ومنها من يستخف برأيها، وتأخرها فى الزواج. ومن هذه الأمثلة التى نشير إليها على سبيل المثال لا الحصر المثل الذى يقول ( لما قالوا لى ده ولد أتشد حيلى واتسند، ولما قالوا دى بنيه إنهدت الحيطة عليه- يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات- جواز البنت سترة- ضل رجل ولا ضل حيطة- أكسر للبنت ضلع يطلع لها إتنين- أضرب البنت وربيها قبل العريس ما يجييها). ولهذا يتضح أن ثقافة أى مجتمع تسيطر عليها العادات والتقاليد والقيم والأمثال الشعبية البالية، وتعتبر ثقافة تحض على النظرة الدونية للمرأة باعتبارها من الدرجة الثانية فى السلم الاجتماعى، ولذا فهى تعانى من القهر والحرمان وفقدان الفرص التى تعبر عن إمكانياتها الحقيقية، و التى تكفل لها مشاركة الرجل جنبا إلى جنب لتحقيق التنمية. كما اشارت الدراسة الميدانية ، إلي أن وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية، تلعب دورا مهما فى مجال نقل المعلومات والتقريب بين المجتمعات والثقافات المختلفة، و لقد إزداد هذا الدور أهميةً فى العصر الراهن مع التطور التكنولوجى الهائل فى عصر الفضائيات، فقد تجاوز الإعلام المرئى بصفة خاصة مرحلة المحلية إلى العالمية، ولم يعد ينظر إليه فى مجال الترفيه والتسلية فقط، ولكن باعتباره مصدرا مهما من مصادر المعلومات. وتعتبر وسائل الإعلام الأكثر فاعلية وتأثيرا فى توصيل الأفكار والمعلومات، والقيم والاتجاهات داخل عقل وفكر وسلوك المشاهد، فهى كمؤسسة تربوية مشاركة للأسرة فى عملية التنشئة الاجتماعية، من المفترض أن تكون أكثر إيجابية فى توجيه الأطفال والمراهقين إلى سلوكيات صالحة ، تبعد كل البعد عن العنف والمشاهد الإباحية، التى تثير الغرائز، لما لها من تأثير هائل على من يتلقاها، حيث تعد أكثر تعبيرا عن الكلمة. ولا تقتصر وسائل الإعلام على التليفزيون وفضائياته، ولكنها تشمل الإذاعة والصحافة، وأضيف إليها مؤخرا الإنترنت والإعلانات بصورها المختلفة، ولا يخفى ما لتأثير الصوت والصورة على المتلقى سواء، أكان هذا التأثير بالسلب أم الإيجاب، ففى الماضى كانت إيجابيات هذه الوسائل أعمق وأكبر فى نشر الثقافة، وخاصةً قبل ظهور بث الفضائيات، حيث كانت هذه الوسائل تساعد المتابع لها على معرفة الأخبار المحلية والعالمية، فى حدود المسموح به من القيم والأخلاق، التى يفرضها علينا مجتمعنا، الذى غالبا ما ينطلق من مشاعر دينية وثقافية فى كل تصرفاته. لكن الآن الصورة تغيرت وانقلبت رأسا على عقب، بعد انتشار الفضائيات حيث قل عدد المتابعين للإذاعة والصحافة، وأصبحت الفضائيات وما تبثه هى الركيزة الأساسية للمتابع لوسائل الإعلام، وهنا كانت الطامة الكبرى فما يُبَثُ على هذه الشاشات يَبعُدُ كل البُعد عن القيم والأخلاق و مبادئ الدين السمحة، وفقد الإعلام دوره ورسالته فى نشر الثقافة وترسيخ القيم وتوجيه السلوك، للمساعدة فى الضبط الاجتماعى والأخلاقى للجميع، وبدلا من أن يؤدى الإعلام دوره المنوط به ، والذى وجد من أجله من نشر للثقافة وترسيخ للقيم والمُثل الحميدة ، أصبح إعلاما ضالا مُضلا فاقدا للهوية ليس ذلك فحسب ، بل كان من أهم الأسباب قاطبةً لانتشار العنف بكل صوره ، والأصح تعبيرا أن هذا الإعلام ، كان سببا فى هبوط الذوق الأخلاقى بدرجة كبيرة. وعليه فإن علماء الاجتماع ينظرون إلى وسائل الإعلام باعتبارها أبرز العوامل الخارجية المؤثرة فى انتشار ظاهرة العنف بصفة عامة والعنف ضد المرأة بصفة خاصة فى الكثير من المجتمعات، وذلك نظراً لانتشارها الهائل وقوة تأثيرها، وعن دور الإعلام فى تكريس العنف ضد المرأة والتقليل من شأنها، فقد كشفت لنا العديد من نتائج الدراسات أن مضمون ومحتوى الصورة التى تكرسها وسائل الإعلام المقرؤة والمسموعة للمرأة. حيث حرص وسائل الإعلام على التركيز على الأدوار التقليدية للمرأة، مع إغفال شبه كامل لدورها كعاملة ومنتجة ومساهمة فى التنمية والعمل السياسى وصنع القرار، والتأكيد المستمر على الربط بين عمل المرأة والإنحراف والتفكك الأسرى، وتبرز صورة المرأة فى المحتوى الإعلامى كتابعة للرجل، تقوم على خدمته وتعتمد عليه اعتماداً كاملاً، كما تظهر فى صورة الخاضعة المستسلمة لأوامره. وتحمل صورة الرجل خاصة فى الدراما، ملامح البطولة والعنف والقوة الجسمانية والذكاء، بينما تعكس صورة المرأة ملامح الضعف والغباء والسذاجة والبعد عن العقلانية فى التفكير والسلوك، وتصور الدراما المرأة كموضوع للإثارة والجنس، وكأنثى عليها أن تتزين وتتجمل للرجل بهدف اصطياده أو غوايته، وتتجه فى ذلك إلى التركيز على جوانب معينة من اهتمامات المرأة كالأزياء، الماكياج، العطور، الصابون ومعاجين الأسنان. ويكشف المحتوى الإعلامى عن تحيز أخلاقى للرجل، مقابل الإدانة الكاملة للمرأة، فالرجل إن أخطأ فهو لا يتعرض للعقاب ، لأنه فى معظم الحالات يكون قد وقع فريسة لغواية إمرأة، لذا فإن العقاب يكون من نصيب المرأة وحدها عن الفعل الذى إقترفه الرجل أو الإثنان معاً، ويبدو هذا واضحاً فى الدراما السينمائية التى تركز على صورة المرأة المنحرفة ( عاهرة- عضو فى عصابة). وكذلك إبراز المرأة فى صورة المستهلكة ، سواء أكان ذلك للسلع المنزلية أم للملابس ومستحضرات التجميل، وبرغم أن المرأة فى الطبقات الشعبية فى الريف والحضر، تشكل غالبية النساء فى المجتمع، ومع هذا فهى لا تحظى إلا باهتمام قليل فى مختلف وسائل الإعلام ، سواء من حيث المساحة الممنوحة لها ، أو من حيث الموضوعات، وتتخذ الرسالة الإعلامية الموجهة إلى نساء هذه الطبقات والمناطق الريفية والحضرية ، أسلوب الوعظ والإرشاد بإعتبارهن مسئولات عن كثير من المشكلات ، وعلى رأسها مشكلة الانفجار السكانى وتلوث البيئة، بينما يهمل الإعلام ومضمونه إبراز دور المرأة ، خاصة الريفية فى العمل والإنتاج العائلى أو الزراعى ، والمعاناة التى تتكبدها والمشكلات التى تواجهها ، فى سبيل تحقيق هذا الدور. مؤكدة التلاوي في دراستها ، أن الإعلام بصوره المختلفة لم يعطى للمرأة حقها، ففى الوقت الذى يحرص فيه على تقديم الرجل فى صورة المبدع والمفكر والقوى والسيد المطاع ، فأنه يقدم المرأة فى صورة نمطية فهى إما المطيعة ، أو المضحية، أو صورة المرأة التى تستخدم مفاتنها لإغواء الرجال ، دون الاهتمام بإبراز الجانب المضئ والخير فى المرأة، فهى الأم ( المعلمة والطبيبة والمهندسة... إلخ ) ، التى تبتكر وتشارك فى قضايا مجتمعها بمنتهى الوعى والإيجابية، ومضيفة التلاوي ، أن وسائل الإعلام اهملت ايضا تناول مشاكل المرأة المعاصرة ، وما تتعرض له من مظاهر مختلفة من العنف فى الشارع كالتحرش الجنسى، وقهر وسلب لحقوقها القانونية داخل العمل ، وعلى الساحة السياسية... إلخ ، كما أن الإعلام المعولم أى الذى إرتبط بثقافة العولمة ، إذا كان قد نادى بحقوق المرأة وتحريرها وفكها من قيودها وتمكينها من كافة المجالات ، السياسية ، والاقتصادية ، والثقافية ، والاجتماعية، إلا أن الواقع يكشف أنه قد شوه صورتها وهمش أدوارها وحولها من فاعل إلى مفعول به. واقترحت التلاوي ، في نهاية دراستها ، ان يتجه الإعلام ، إلي تسليط الضوء من خلال الدراما التليفزيونية ، على المشاكل التي تعانى منها المرأة في المجالات المختلفة ، إلى جانب توعية المرأة بحقوقها القانونية والاجتماعية ، وحثها على المطالبة بها ، وكذلك الإعلان من خلال البرامج الحوارية والثقافية ، عن الجهات التي يمكن أن تساند المرأة في الحصول على حقها ، مع عرض نماذج من جهود هذه الجهات في حل مشكلات المرأة المختلفة. وتكثيف البرامج الدينية لإبراز الفكر الديني المستنير وموقفه من قضايا حقوق المرأة ، مع مراعاة عرض هذه البرامج في أوقات ترتفع فيها نسبة المشاهدة ، وكذلك العمل على نشر ثقافة عامة داعمة لحقوق المرأة في المجتمع ، من خلال وسائل الاتصال المختلفة.