يحيا العالم لحظات فارقة وصراعًا بين القوى العظمى فى الوقت الذى ما زالت فيه الأهداف الأممية للتنمية المستدامة بالنسبة لبلدان العالم النامى عند حدها الأدنى فيما الشعوب التى تذرهم تحت أعباء الفقر والمرض والبطالة من إفريقيا وآسيا والعديد من البلدان حول العالم ما زالت أسيرة مخاوفها التاريخية.. وفيما أصبح الاقتصاد عصب العالم ولاعبًا أساسيًا فى العلاقات الدويلة الراهنة ازدادت المحنة التى تحياها الدول الفقيرة.. لكل ذلك يمثل المؤتمر الحادى عشر للتضامن «السلام والتضامن ركيزتان للتنمية المستدامة»، الذى عقد مؤخرًا بالرباط، أداة مهمة لطرح العديد من القضايا حول الأخطار التى تهدد الأمن والسلم الدوليين ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، والخطوات التى من شأنها الحفاظ على كيان الدولة الوطنية من التفكك السقوط فى الفوضى من ثم التقسيم. فى كلمته أما المؤتمر أكد القطب الوفدى والمحامى بالنقض عصام شيحة أن الأهداف الأممية للتنمية المستدامة تتلخص فى 17 هدفاً على رأسها القضاء على الفقر بجميع أشكاله فى كل مكان، وتعزيز الزراعة المستدامة والصحة الجيدة والرفاهية وضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وضمان توفير المياه وخدمات الصرف الصحى للجميع. ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة، وتعزيز النمو الاقتصادى المُطرد والشامل للجميع والمستدام، ويمضى عصام شيحة فى رصد الأهداف «الأممية» ومنها إقامة بنى تحتية قادرة على الصمود وتحفيز التصنيع الشامل للجميع والمستدام وتشجيع الابتكار، وكذلك اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدى لتغيير المناخ وآثاره. وحفظ الموارد البحرية لتحقيق التنمية المستدامة، وحسن إدارة الغابات ومكافحة التصحر ووقف تدهور الأراضى ومكافحة فقدان التنوع البيولوجى، والسلام والعدل وتعزيز وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة. وبالنظر إلى التجربة المصرية فى هذا الشأن؛ فإن التنمية المستدامة بحسب شيحة تمثل استحقاقًا دستوريًا نص عليه دستور 2014؛ ومن ثم لا تملك الحكومة المصرية إلا بذل كل جهد فى سبيله. ومن هنا كانت استراتيجية مصر 2030 التى تتعلق عليها آمال الدولة المصرية فى تحقيق الرفاهية للشعب. وتعتمد الحكومة خطة متوسطة المدى لأربع سنوات تربط بين تحديات وأهداف الخطة مع أهداف التنمية المستدامة، كما تُجرى الحكومة المصرية عملية مراجعة وتحديث لرؤية مصر 2030 لجعلها أكثر اتساقًا مع أهداف التنمية المستدامة الأممية خصوصًا فى ظل وجود تطورات اقتصادية من خلال عملية خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادى. كما أن مصر تربط المشروعات الحكومية ممثلة للاستثمار العام بأهداف التنمية المستدامة بشكل مباشر، وذلك من خلال منظومة الكترونية لضمان اتساق تلك المشروعات مع الأهداف. وقد أكدت استراتيجية مصر 2030 تكاتف كل أطراف الدولة فى تنفيذها، وهو ما يتسق وكون التنمية المستدامة عملية يشترك فيها كل شركاء التنمية (القطاع العام، القطاع الخاص، المجتمع المدنى)، لتحقيق المقومات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع فى ارتباطها بالبيئة التى ينتج عنها تنمية تتسم بالاستدامة، ويرى القطب الوفدى أن التنمية المستدامة بوسعها أن تحقق أهداف ثورة يناير 2011، وموجتها التصحيحية فى 30 يونيه 2013، وشدد على أن ما أنجزه عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى من مشروعات قومية عملاقة فى شتى المجالات، يمثل بالفعل قفزة اقتصادية واجتماعية وأمنية هائلة؛ ذلك أن التنمية المستدامة تهدف إلى تحسين نوعية الحياة للمواطنين والحد من الفقر والتهميش الاقتصادى والاجتماعى والثقافى فى إطار رؤية لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمعناها الدستورى والتنموى، مع مراعاة جوهر الاستدامة الذى يتمثل فى التوجه نحو المستقبل والمحافظة على البيئة وأخذ مصير الأجيال المقبلة فى الاعتبار فى أى خطط برامج أو مشروعات للتنمية، أى بدون إضرار بالبيئة وإهمال متطلبات الأجيال القادمة. وبالتركيز على البعد الاقتصادى للتنمية المستدامة وكيفية مواجهة مصر للحرب التجارية الدولية، أُشير فى ملاحظات سريعة إلى النقاط التالية: ويرى المحامى عصام شيحة أن ثمار هذه الجهود آخذة فى التحقق فى ضوء المؤشرات الإيجابية التى شهدها الاقتصاد المصرى خلال الفترة الأخيرة والتى فاقت توقعات المؤسسات الدولية بتحقيق معدل نمو بلغ نحو 5.3% خلال النصف الأول من عام 17/2018 وانخفاض معدل البطالة إلى 11.2%، وذكر عصام بأن مصر كانت فى طليعة الدول التى تبنت خططًا وطنية لتحقيق أهداف التنمية من خلال إطلاق استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030 فى فبراير 2016، التى تهدف إلى أن تكون مصر بحلول عام 2030 ذات اقتصاد تنافسى ومتوازن ومتنوع يعتمد على الابتكار والمعرفة، قائم على العدالة والاندماج الاجتماعى والمشاركة، ذات نظام إيكولوجى متزن ومتنوع، تستثمر عبقرية المكان والإنسان لتحقيق التنمية المستدامة وترتقى بجودة حياة المصريين. وقد استهدفت الاستراتيجية أن تكون مصر ضمن أفضل 30 دولة على مستوى العالم من حيث مؤشرات التنمية الاقتصادية، ومكافحة الفساد، والتنمية البشرية، وتنافسية الأسواق، وجودة الحياة. وقد حرصت الحكومة المصرية على أن تشمل استراتيجية ورؤية مصر 2030 الأبعاد الثلاثة التى تندرج تحتها أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر (البعد الاقتصادى، البعد الاجتماعى، والبعد البيئى) دون إغفال لأى من هذه الأبعاد، ومن ثم فإن أهداف التنمية الأممية الجديدة مرتبطة برؤية مصر 2030. وفى مجال البنية الأساسية حققت مصر طفرة كبيرة تقدر بنحو 40% عن العام الماضى وهو أحد الأهداف التى تركز عليها الأممالمتحدة من ضمن 6 أهداف أخرى هذا العام، وتولى مصر اهتمامًا خاصًا بالمدن الجديدة المستدامة، حيث يتم اليوم إنشاء 13 مدينة جديدة يُراعى فيها كل المعايير البيئية الخاصة بالاستدامة والأخرى من المحتمل أن تكون عن دور الشباب فى بناء المجتمعات. ووفق تقارير وزارة التخطيط المصرية فإنه بنهاية العام الجارى سيتم الانتهاء من المؤشرات المتعلقة بهدف القضاء على الجوع والبالغ عددها 6 مؤشرات كما حددتها الأممالمتحدة فى اتفاقية التنمية المستدامة المتفق عليها من 193 دولة من بينها مصر، لافتا إلى أن عدد المؤشرات العالمية التى تم تحديدها فى خطة التنمية المستدامة لقياس كل أهداف الخطة «17 هدفًا» يبلغ عددها 232 مؤشرًا، تم الانتهاء من 106 مؤشرات منها حتى الآن. ولما كانت كل الرؤى طويلة المدى لا بد أن يكون لها تحديثًا مستمرًا كل عامين أو ثلاثة حسب المتغيرات المحيطة سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، لذا عمدت الحكومة إلى تحديث بعض الأمور بالاستراتيجية مثل القضية السكانية، قضية المياه، وبعض الأمور الخاصة بالبيئة، وقضية الشمول المالى، وغيرها من الموضوعات لذا تمت حوارات مجتمعية لتحديث الاستراتيجية. وانتقل عصام شيحة للحديث حول الحرب التجارية الدولية والتنمية المستدامة مؤكدًا أن الإجراءات الحمائية؛ ومن ثم الحرب التجارية، تقف حجر عثرة فى سبيل تحقيق التنمية المستدامة بكامل أهدافها الأممية؛ ذلك أن النهج التشاركى سمة مميزة لا يمكن أن تغيب عن سُبل تحقيق التنمية المستدامة. وقد بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية، تحت حكم الرئيس دونالد ترامب، حربًا تجارية طالت الصين، ذلك الاقتصاد المنافس للاقتصاد الأمريكى على صدارة الاقتصادات العالمية. فضلًا عن حروب تجارية طالت الاتحاد الأوروبى وروسيا إلى جانب إيران وغيرها من الدول التى تحتل مكانًا مستقرًا داخل قائمة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، مثل كوريا الشمالية. إلا أن الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين تظل هى الأكبر أثرًا على العالم بأسره. وحول أثر الحرب التجارية الدولية على التنمية المستدامة فى مصر أكد المحامى بالنقض أنها فرصة ذهبية لاستفادة مصر من عدم قدرة الصين على دخول الأسواق الأمريكية فى ظل التعريفات الجمركية على مئات السلع والبضائع الصينية. هذه الفرصة تتمثل فى جلب استثمارات صينية للتصنيع فى مصر؛ ومن ثم تدخل هذه المنتجات السوق الأمريكى كمنتجات مصرية التصنيع. ويستدل شيحة على إمكانية وقوع هذا السيناريو بمساعى الصين لإنشاء مدينة للغزل والنسيج فى مدينة المحلة المصرية من أجل الاستفادة من اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة أو «كويز» الخاصة بمصر، التى ستمكنها من تصنيع الملابس والمنسوجات وتصديرها للسوق الأمريكى دون رسوم بشكل كامل. ويستدرك عصام لكن على الجانب الآخر يجب الحذر، لأن هذه المدينة لو تم اتخاذها كالتفاف فقط على الإجراءات الأمريكية وقامت المدينةالصينية باستيراد المنسوجات من الصين نفسها ثم إعادة تصديرها من مصر ضمن اتفاقية الكويز إلى أمريكا فربما تحدث هنا المشكلة وتضر هذه الممارسات باتفاقية «الكويز» نفسها وبالعلاقات التجارية المصرية، وطالب شيحة فى كلمته أمام مؤتمر الرباط بضرورة الرقابة لمنع استغلال مصر كحجة لزيادة الصادرات واتخاذها كمعبر لتصدير منتجات دول أخرى سواء لأمريكا أو السوق الإفريقى الذى ترتبط به مصر بعشرات الاتفاقيات التجارية التى تجعله سوقاً كبيراً للمنتجات المصرية أو التى تصنع فى مصر من قبل شركات أجنبية.