:كتبت - رغدة خالد - تصوير: دينا الباسوسي تلقي برأسها الذي تحلقه أفكار الزهور إلى الوراء، مطلقة العنان لنسيم العصاري يداعب بشرتها الموردة بلفحة من شمس النهار تطوي جفنيها على عينين بلون سمار الطمي حتى تزورها خواطر الجمال، فتودعها بين جذوع الأشجار وبتلات البنفسج ودوار الشمس وأعواد الزعفران بقبس من نور يجري بين يديها يتسرب بين الأشواك ودفاعات الورود إلى حيث يزهر قلب الطبيعة النابض، تدون قصة عشقها الخالص للخضار والزهور وانتصارها على فراق زهوة ألوانها بتصميم قلائد تحمل آيات الورود محفوظة داخلها بعناية. تصطحبك "مريم مغربي" خريجة شعبة التاريخ بكلية الآداب جامعة الزقازيق بجولة إلي عالم السحر والخيال على بساط الطبيعة الخلابة بين زهور "الزنبق" والنرجس" تروي روحك التواقة للجمال بنسائم الصباح العليلة التي تراقص الورود المكنونة داخل تصميماتها، تغوص ورود مريم داخل زلال "الرزن" الساحر الذي يجمع بين نقاء الماء ومرونة "الاكريليك"، تروي إبداعاتها تاريخ تعاقب الفصول على الشجر المسطورة في حلقات تلف الجذوع، وتحلق كل زهرة في كونها الصغير، تحوم حولها فقاعات الهواء حاملة أسرار ملكوت تمد أحبال الوصل مع الطبيعة بالدراسة والإطلاع تدعمهما فطرتها النقية التي تباري خبرة بستاني محنك أو عالم بيئي له باع طويل، فتنفث نفحات الحياة في الزهور الذابلة وتحولها لأجمل القلائد وأغلفة الهواتف المحمولة وعلب المجوهرات. أينعت موهبة "مريم" بين كفي والدتها الحانيين، كتفتح زهور حديقتهما الغناء المحفوفة بأشجار الليمون والمانجا، بفيض من رعاية وفطرة الأم الفياضة تحظى الزهور برعاية خالصة من والدة "مريم"، تلبي نداءات ظمأها دون كلل، تتنقل كالفراشة الخجول بين أحواض الورود تزفها العصافير والبلابل، تنثر خضارًا إينما ولت، وتغرس بذور الجمال في كل زوايا المنزل، هناك نمت هبة عشق الجمال داخل "مريم" وأجادت الحديث بلغة الورود، بعد أن أهدتها والدتها سرها في طبع قبلة الخلود على وجنات النباتات بتجفيفها لحين يحل آوان السعادة فتغدو البراعم الذابلة والبتلات معالم من السحر تطل من خلف قلائد وأسوار خشبية مصممة بأنامل أزهرت مع حلول بشائر ربيعها العشريني. كجراح ماهر يحمل مبضعه بدقة فائقة تقف كتفًا بكتف مع شقيقتها الصغرى وأخوالها ممن يقرابنها العمر لتصميم باقة من علب المجوهرات المميزة، أوركسترا من الإبداع تقودها مريم حاملة "مثقاب كهربي" تنخر وتدته في مركز جذع شجرة انتقته تبعًا لحسابات الجمال، إلى أن تصل لقلبه الذي سيستضيف بعد ساعات من العمل الشاق خاتم زفاف اختار شاب أن يتوج به قصة حب محبوبته بعيون "مريم"، وبأنامل تغزل سحرًا تمضي النهار في صقل قلب الجذع وأحرفه ونثر الأعشاب وأوراق الأشجار على سطحه تتويجًا لبهاء قطعتها الفنية الرائعة غير عابئة بتلك الجروح والآلم التي رسمت خريطة خطى التجربة وبدايات النجاح على كفيها. في بقعة منزوية في ركن صغير، تقبع حجرة مريم وخلوتها الرحبة ببيت أسرتها الفسيح الكائن بمركز شبين القناطر في محافظة القليوبية، مَنزل وحي أفكارها الوردية ومختبر رؤياها الملبدة بالشكوك، هناك تعاد صياغة الأفكار وتتكشف إجابات أحاجي السحر فتتشكل الأحلام، داخل جدران بلون الفسدق تنطلق مريم بالساعات في جولاتها بعالم الخيال بحثًا عن ضالتها جالسة إلى طاولة تزينها لمسات خيالية الحسن أضفتها إليها بعد تسوية سطحها الخشبي وصقله بأصابع تباهي أمهر حرفي النجارة، تغطيها صناديق خشبية وردية النقوش تضم بقايا من ورود جافة مهملة عز عليها فراقها فأبت إلا أن تتركها محفوظة بجوارها لتلون خيالها، تظللها خزانة ضخمة من الخشب العتيق حيث تتراص المثاقب بشتى أنواعها صفًا بصف مع المسامير والملاقط وعشرات العِدد الدقيقة. طائر هي لاتبارح موطنها بين الأغصان، تتقلب مريم بين الحدائق متنقلة من منزل والدتها إلى حديقة ورشة "فاب لاب" ركنها الأثير بحي "المعادي" الذي تجد بين زواياه سلواها مع عشاق الجمال من أرباب الحرف اليدوية، بقعة من الجمال الإلهي باثقة الخضرة تسورها أشجار "الفيكس" ويزينها شجر البرتقال تجمع شمل هواة ومحترفي الفنون من أصحاب الأنامل الذهبية هؤلاء الذين يدفعونها لشحذ موهبتها وصقل خبراتها في مهادنة الخشب وتطويع جذوع الشجر يتشاركون الألفة ويلفهم التكاتف، فتتأجج موهبتها أسفل حموة المنافسة ولايزيدها سجال التباري سوا بهاءً، يتماوج إبداعها متناغمًا مع تعاقب الفصول تتساقط في إدبار العام كأوراق الخريف وتزهو من جديد مع حلول الربيع. تراودها أحلام الطيور يغفو قلبها الغض على دنيا مفعمة ببهجة الألوان في "جاليري" تصطف به أحواض الزهور مجاورة لأطواق جذوع الشجر وأغصان البرتقال والمارينج العابقة بشذاها الفريد تحتضن قلائد "مريم" بمزيج خلاب من معالم الحسن والبهاء، وعلى إحدى مرتفعات قرية "أزود" بملامحها الفيروزية يقبع معرض أمنيات مريم يعيدها لأصولها المغربية التي انتزعها عنها شتات دروب أجدادها، تطل منه على عرض البحر المتوسط بتدرجاته اللونية الآسرة. حلم يستوطن مخيلتها تمهد إرادتها طريقًا مفروشًا بالجمال إليه، أملًا في تشيد قواعد مجتمعٍ تتكاتف فيه النساء يدًا بيد سعيًا نحو حياة رغدة تزهر برائحة الفل وعبير الياسمين، متحدية في ذلك عقبات ضيق اليد وفقر الحيلة التي جعلتها فريسة للمحتالين وضليعي الخداع من باعة الأخشاب والسماسرة عدد "الدهانات" التي ظلت أسيرة حبكاتهم الوهمية لاستنزاف مدخراتها الزهيدة طيلة السنوات الثلاث الماضية. شاهد الفيديو..