أترك العنان للخيال في ساحة الحرية.. أترك للجروح فرصة للشفاء.. أترك رايات النصر ترفرف دون قيد.. اترك العشاق يشيدون بيوتاً ويتأملون جمال النيل. نحن في زمن الممكن.. الحب ممكن.. العطاء ممكن.. الوفاء ممكن.. ولكن التراجع مستحيل. لمست كل هذه الأشياء عندما التقيت بالمخرج الكبير محمد خان في ميدان التحرير.. لمست أيضاً أنه فخور بالمصريين الذين يملأون الميدان ويهتفون بملء الصوت "بلادي بلادي.. لك حبي وصلاتي". والحقيقة أن مشاعر وأحاسيس الرجل تفيض بالصدق رغم أنه لا يحمل الجنسية المصرية.. فقد قدم أعمالاً فنية تؤكد حبه الشديد لمصر.. وتؤكد خوفه عليها ولعل أهم هذه الأعمال "زوجة رجل مهم" بطولة أحمد زكي وميرفت أمين و"أحلام هند وكاميليا". باختصار نحن أمام فنان يحب مصر إلي حد الهيام ولكن باكستاني الجنسية؟ "مصر رايحة فين".. سؤال يشغل كل الناس بعد ثورة 25 يناير فهل نجد إجابة شافية في عقل محمد خان؟ - لا أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل.. ولكن ما حدث شيء عظيم وأنا إنسان متفائل جداً.. وأثق في قدرة المصريين في العبور للأمام.. بلدنا عظيمة وتستحق أن تكون في المقدمة.. أنا فخور بكل مصري ساهم في تحرير بلاده من قبضة نظام فاسد.. نظام أفقد الناس القدرة علي الاستمتاع بالحرية واستنشاق عبير الحياة. انت تنتمي إلي جيل يضم عاطف الطيب وخيري بشارة.. إلي أي مدي تأثر الشعب المصري بالأعمال الفنية التي قدمها أبناء جيلك؟ - أتصور أنني وزملائي نجحنا في الوصول للناس بأعمال فنية تقترب من أحلامهم، والعزف علي آلام وجروح صنعها النظام السابق.. أنا فخور علي سبيل المثال بفيلم »زوجة رجل مهم« تأليف وسيناريو وحوار رءوف توفيق.. فقد قدمت في الفيلم شخصية ضابط أمن الدولة المتسلط الذي يري الناس عبيداً لنفوذه ورهن إشارته دائماً. ما تقييمك كمخرج للراحل أحمد زكي الذي جسد شخصية الضابط في الفيلم؟ - أنا في حقيقة الأمر مغرم بالفنان الراحل أحمد زكي، وعلي فكرة كنت علي خلاف دائم مع الفتي الأسمر ولكنه خلاف في صالح العمل، وأتصور أنه عندما لعب دور الضابط في فيلم "زوجة رجل مهم"، كان أكثر من رائع ومبهر إلي حد كبير.. ولا أبالغ إذا قلت إنني لا أشاهد أفلامي بعد الانتهاء منها ولكن كنت حريصاً علي مشاهدة هذا الفيلم.. وفور الانتهاء من المشاهدة رفعت سماعة التليفون واتصلت بالراحل أحمد زكي وقلت له »انت رائع«، كما أجريت اتصالاً بالمؤلف رءوف توفيق الذي أبدع في كتابة سيناريو شديد الدقة والحساسية. هل أجريت تعديلات في سيناريو هذا الفيلم؟ - لم أتدخل في السيناريو.. ولكن كنت حريصاً علي تراجع دور الزوجة في النصف الثاني من الفيلم.. حتي أبرز مأساة ضابط الشرطة الذي يجد نفسه بعد أحداث يناير التي وصفها السادات بانتفاضة الحرامية بدون سلطة ومجرد من أي شيء، وينتهي به المطاف بقتل نفسه. معني كلامك أن هذا الفيلم تنبأ بالواقع المر الذي يعيشه رجال الشرطة الآن؟ - بكل تأكيد.. أن فيلم "زوجة رجل مهم" نجح في تسليط الضوء علي ممارسات بعض رجال الشرطة ضد الناس.. وتنبأ أيضاً بنهاية كل ضابط يمارس البطش والتعذيب. من حق كل مواطن أن يتنفس حرية وأن يضحك من قلبه، فكل شيء في الحياة يغري بالامتلاك. ألا تري معي أن ثورة 25 يناير كفيلة بإصلاح العلاقة بين الشرطي والمواطن؟ - أنا علي ثقة كاملة في أن ثورة 25 يناير سوف تغير وجه مصر، ويكفي أن تري وجوه الناس لتكتشف أن الابتسامة التي غابت طويلاً عادت من جديد.. نعم عادت الابتسامة إلي الوجوه بعدما كان الحزن والاكتئاب جزءاً أصيلاً من ملامح الناس. وما التغيير الذي طال محمد خان بعد الثورة؟ - أصبحت أكثر تفاؤلاً، كنت فخوراً بأولادي وهم يقفون ويهتفون ضد النظام الذي مارس القهر والفساد، وبالمناسبة أنا باكستاني ولا أحمل الجنسية المصرية ونفسي قبل الموت أن أحصل علي شرف الجنسية المصرية.. أقول بكامل قوتي وبملء صوتي يشرفني الحصول علي الجنسية المصرية.. »ارفع راسك فوق.. انت مصري«. بماذا تبرر اختفاء أبناء جيلك طوال السنوات الماضية؟ - الإجابة معروفة.. وهي أن القيود الرقابية أجهضت أحلام وطموح المخرجين الذين يحبون هذا الوطن.. ولا تنسي أن هناك من حاول قدر استطاعته التحايل علي الواقع المرير الذي صاغ ملامحه رجال أمن الدولة وحاولوا صناعة أفلام تعبر عن آلام الناس وتنحاز لأوجاعهم. وهل تعرضت لمضايقات من جهاز أمن الدولة؟ - كثيراً ما تعرضت لمضايقات من هذا الجهاز.. وكان آخر هذا المضايقات ما حدث معي في فيلم "المسطول والقنبلة" عن قصة قصيرة للأديب العالمي نجيب محفوظ.. فبالرغم من موافقة الرقابة علي الفيلم اعترض جهاز أمن الدولة بحجة أنه لا توجد معتقلات في عهد الرئيس مبارك. نريد معرفة جوهر القصة التي رفضها أمن الدولة؟ - القصة تدور حول رجل كبير في السن.. يمشي وهو مسطول وتقع أحداث عنف ويتم القبض عليه بتهمة المؤامرة علي الوطن.. ثم يدخل المعتقل ويتعرض للتعذيب ويخرج بعد ذلك شخصاً آخر "مسيس" والناس تصنع منه بطل. وقد غيرت البطل من رجل كبير في السن إلي شاب يفيض بالحيوية حتي لا تكون هناك قيود في الأحداث.. ولكن فوجئت برفض حبيب العادلي، وزير الداخلية السابق، لمشروع الفيلم وبرر الرفض بأن عصر مبارك شديد النزاهة ولا توجد معتقلات ولا توجد سجون تحت الأرض. وهل تغيرت نظراتك لهذا الفيلم بعد الثورة؟ - نعم.. تغيرت نظرتي وأصبحت شديد الحماس لتنفيذه.. فالفيلم يقدم فكرة رائعة ويحمل رسالة ذات محتوي شديد الخصوصية. ألا تري معي أن اختيار رئيس للجمهورية مأزق كبير خاصة أن الوجوه التي تحتل المشهد السياسي محدودة؟ - يجب أن نصبر.. مصر تضم عدداً كبيراً من الكفاءات والخبرات ويجب ألا نتعجل.. وبصراحة شديدة أنا أري عمرو موسي هو الوحيد القادر علي العبور بمصر إلي بر الأمان.. أقصد أن يكون عمرو موسي مرحلة انتقالية فهو رجل سياسي ومارس العمل السياسي في مواقع عديدة وله مواقف مشرفة. وكيف تري زويل والدكتور محمد البرادعي؟ - أحترم الدكتور أحمد زويل وأحترم الدكتور محمد البرادعي، لكن يجب أن نعلم جميعاً أن نوبل وحدها لا تكفي لحكم الأوطان.. ويجب معرفة أنه ليس كل عالم ناجح قادراً علي إدارة شئون بلاد.. فليس من السهل حكم مصر. البعض يصف ثورة 25 يناير بالشبابية والآخر يراها شعبية كيف يراها محمد خان؟ - هي ثورة قادها الشباب وانضم إليها كل فئات الشعب.. إذن هي ثورة شعبية شارك فيها كل فئات الشعب.. الكل يريد الحرية الكل يريد الحياة علي أرض لها حضارة عظيمة وتحتضن نهر النيل البديع. كيف تري الرؤساء الثلاثة جمال عبدالناصر، والسادات ومبارك؟ - جمال عبدالناصر كان إنساناً وطنياً جداً والسادات كان يحب مصر، وكان دبلوماسياً وابن بلد.. ومبارك كانت نيته كويسة لكن الأعمال ليست بالنيات. هل سنري عملاً سينمائياً يحمل توقيعك عن ثورة 25 يناير؟ - اتمني ذلك.. ولكن ليس الآن فيجب الصبر والانتظار حتي نهضم ونستوعب ما حدث.. هناك أشياء كثيرة سوف تظهر وعلينا الانتظار حتي نقدم أعمالاً جادة وتعبر عن روح ثورة 25 يناير. من أفضل ممثل من وجهة نظر في تاريخ السينما؟ - أحمد زكي بكل تأكيد فهو فنان لا يعوض. اختلفت معه كثيراً لكنه خلاف المحبين، وكان الخلاف سببه الحب الشديد.. ورفضت زيارته عندما أصابه المرض لأنني لا أتحمل رؤيته بهذا الشكل.. واكتفيت بكتابة مقال عنه وعندما قرأ المقال عرف وأحس أنني أحبه إلي حد كبير. ما رأيك في الفنان عادل إمام؟ - عادل إمام فنان له شعبية كبيرة، ولكن أختلف معه سياسياً.. هو يحب وطنه ولكن بطريقته وأعرف عنه أنه إنسان وطني جداً. من الشخص الذي كنت تتمني أن يعيش معك لحظة الانتصار علي الفاسدين ورؤية ثورة 25 يناير. - سعاد حسني طبعاً.. كنت أتمني أن تكون بيننا وأن تري الابتسامة الغائبة تعود من جديد إلي وجوه المصريين. سؤال أخير هل يحمل أولادك الجنسية المصرية؟ - نعم يحملون الجنسية المصرية.. ونفسي في العهد الجديد الحصول علي هذا الشرف.
