المستشار محمود فوزي عن قانون الإيجار القديم: المعايير واضحة لتحديد مستحقي السكن البديل    ورشة إعلام أمني عربية: مصر تقدم تجربتها المتطورة في التصدي للشائعات وبناء الوعي .. شاهد    زيلينسكي: روسيا أصبحت أكثر ميلًا لوقف إطلاق النار    الأهلي يتحمل 150 ألف دولار من راتب رضا سليم في الجيش الملكي    أحمد عبد القادر ينتظر قرار مدرب الأهلي    جمال شعبان يكشف عن تفاصيل الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    بيان هام من نقابة الأطباء بشأن أزمة نواب قسم النساء والتوليد بطب طنطا    بتنسيق مصري.. مساعدات عربية وإماراتية مكثّفة تدخل غزة برًا وجوًا رغم أهوال الحرب    عقب الصيف.. تطوير عدد من الطرق والشوارع بمرسى مطروح    "الحكومة": التجهيزات الداخلية للمتحف الكبير اكتملت.. وحريصون على إخراج حفل يليق بمصر    بالبينك.. بوسي تتألق بأحدث ظهور لها    تفاصيل لقاء نائب رئيس جامعة أسيوط مع القنصل العام للسفارة الهندية بمصر اليوم    فلسطين تدين استهداف مستوطنين لبعثتي روسيا وهولندا وتدعو لعقوبات رادعة    محمد صلاح يعلن التحدى بصورة مع كأس الدورى الإنجليزى قبل انطلاق الموسم    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. توقعات كليات التجارة علمي وأدبي (الحد الأدنى 2024)    هكذا ينظر الأمريكيون للمقاومة    الرطوبة ستصل ل 90%.. الأرصاد تكشف مفاجأة عن طقس أغسطس    "مسرحنا حياة" يفتتح حفل ختام الدورة 18 للمهرجان القومي للمسرح المصري    أسامة كمال: أصبح هناك مط وتطويل في التعامل مع مشكلة غزة مثل المسلسلات    مصرع سائق لودر أثناء هدم منزل في الفيوم    فحص 1087 متردد في قافلة طبية بقرية الإسماعيلية في المنيا    «بعد إطلاقه النار على قاعدة فورت ستيورات».. السلطات الأمريكية تعتقل منفذ العملية (فيديو)    الضرائب: 12 أغسطس آخر موعد لتقديم التسويات المعدلة لضريبة المرتبات عن 5 سنوات    وزير الخارجية يلتقى رئيس مجلس إدارة الشركات المعنية بتنفيذ مشروع الربط الكهربائى بين مصر واليونان    بمشاركة الحضري.. ورشة عمل مصرية إماراتية لتطوير مدربي المنتخبات    كرة يد - الأهلي يعلن تعاقده مع مودي    استشهاد سليمان العبيد لاعب منتخب فلسطين السابق    لماذا حسم القرآن مدة مكوث أصحاب الكهف ولم يحسم عددهم؟.. خالد الجندي يوضح    فيديو- أمين الفتوى يوضح حكم تجفيف الأعضاء بين غسلات الوضوء.. جائز أم مكروه شرعًا؟    رفعت فياض يكشف الحقيقة الغائبة عن وزير التعليم العالي.. ترشيحات عمداء المعاهد معظمها تحايل وتزوير وبيانات غير حقيقية    متحدث الحكومة: توفير سكن بديل للمتضررين من قانون الإيجارات القديمة    طريقة عمل مكرونة وايت صوص، أحلى وأوفر من الجاهزة    نقابة الأطباء تكشف سبب الاستقالات الجماعية بقسم أمراض النساء بطب طنطا    3 أبراج تواجه أزمة عاطفية خلال أيام.. احذروا سوء الفهم    محمد هنيدي يُعلق على قرار تركي آل الشيخ باعتماد موسم الرياض على فنانين سعوديين وخليجيين    لاعب برشلونة يهاجم لامين يامال بسبب تصرفاته    من محطة القطار إلى ثلاجة الموتى.. قصة شقيقين يعودان في نعش واحد بالبحيرة    جيوكيرس يقود تشكيل أرسنال في مواجهة فياريال الإسباني اليوم    منى عبدالوهاب: حظر «تيك توك» ليس الحل وعلينا وضع ضوابط صارمة    وزير الزراعة يتلقى تقريرًا عن مشاركة مصر في البرنامج الدولي لسلامة وأمن الغذاء بسنغافورة    البرهان: معركة الكرامة لن تتوقف إلا بالقضاء الكامل على التمرد    الحكومة ترد على أنباء انحيازها للملاك في قانون الإيجار القديم    «خد بتار أبوه بعد 13 سنة».. ضبط شاب بتهمة قتل عمه في قنا    ما حكم أداء ركعتين قبل صلاة المغرب؟.. الإفتاء توضح    القومي للمرأة يهنئ الدكتورة عزة كامل لفوزها بجائزة التميز للمرأة العربية    أقل حجز ب4500 جنيه فى الشهر…عصابة العسكر تقرر تأميم مستشفى العباسية وحرمان المرضى الغلابة من العلاج    أمين الفتوى يعلق على حادث "الأولى على الثانوية".. هل الحسد والعين السبب؟    موعد بداية العام الدراسي الجديد 2026    اجتماع مصري- روسي.. وتوجيهات رئاسية بتسريع نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سرقة مسن بالإكراه بالقاهرة    أخبار الطقس في الكويت اليوم الأربعاء 6 أغسطس 2025    ضبط مدير كيان تعليمي وهمي بالقاهرة للنصب على المواطنين بشهادات مزيفة    السيسي: لا نخشى إلا الله.. واللي بيعمل حاجة غلط بيخاف    وكيله: الأزمة المالية للزمالك أثرت على سيف الجزيري    34 شركة خاصة تفتح باب التوظيف برواتب مجزية.. بيان رسمي لوزارة العمل    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    "المنبر الثابت".. 60 ندوة علمية بأوقاف سوهاج حول "عناية الإسلام بالمرأة"    اللجنة العامة ببني سويف تستقبل إجراءات الحصر العددي للجان الفرعية -فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية التشاركية.. الميدان والبرلمان والشاشة
نشر في الوفد يوم 09 - 04 - 2012

مع أن الديمقراطية هي فكرة قديمة تم اختراعها في زمن الإغريق، فإنها ما زالت تشكّل عنواناً من عناوين التقدم الحضاري، بقدر ما تشكل صيغة صالحة وفعالة للحكم وممارسة السلطة السياسية، أو لإدارة الشأن العام وتنظيم العلاقة بين قوى المجتمع المتعددة والمختلفة.
ومع ذلك، لم تبقَ الديمقراطية على ما هي عليه، بل كانت تتطور وتتجدّد، في ضوء الأزمات وعلى وقع التحولات، سواء من حيث مفهومها أو من حيث مجالات ممارستها وآليات ترجمتها. ولذا لم تعد تقتصر على شكلها التمثيلي، كما ترمز إليه صندوقة الأصوات وآليات الاقتراع العام.
حيث يمارس الفعل الديمقراطي، بصورة موسمية، كمية، إحصائية، كل بضع سنوات. هذا مستوى من مستويات الديمقراطية ضروري ولا عودة عنه، ولكنه لم يعد يكفي، بل بات الاقتصار عليه من قبيل الخداع والتضليل.
من هنا جرى ابتكار أشكال جديدة، يتسع معها الإمكان أمام المواطنين، إن لجهة اختيار الحكام، أو لجهة المشاركة الفاعلة في صوغ السياسات والقرارات.
من أهم هذه الأشكال "الديمقراطية التشاركية". وهي تعني جملة أمور: الأول هو كسر المنطق المركزي، الفوقي، البيروقراطي، لصالح العلاقات الأفقية المفتوحة على التداول والتبادل والتحوّل. الثاني هو المشاركة اليومية، في مختلف دوائر المجتمع وأصعدته، في المناقشات العلنية والعمومية المتعلقة بتحسين الأحوال، أو تشخيص المشكلات وتقديم الاقتراحات بشأن معالجتها. الثالث هو توسيع عملية الدمقرطة (التحول الديمقراطي)، لكي تطال مختلف المجالات والحقول، بما فيها مجالات البحث العلمي التي يظن أنها بعيدة كل البعد، عما هو عمومي أو علني أو شعبي.
ففي مجال علم الحياة، مثلاً، يمكن لعشرات الألوف من الأشخاص استخدام التسهيلات التي يؤمنها انفجار المعلومات، عبر الشبكات والهواتف المحمولة، لتجميع المعطيات وتبادلها حول بنية الخلية ونشاطها، وهو عمل يستغرق منهم عدة أسابيع، بينما يحتاج إلى عدة سنوات لكي ينجز من قبل الباحثين المحترفين.
وهكذا نشهد اليوم، وكما جاء في الملحق العلمي لجريدة "لوموند" الفرنسية، نشوء "علوم تشاركية أو مواطنية"، تعمل على محو الحدود بين المحترفين من الباحثين، وبين الهواة والجمهور العريض. وهذا ينسف ثنائية العامة والخاصة القديمة، كما يكسر ثنائية النخبة والجمهور الحديثة.
بالطبع هناك الديمقراطية المباشرة، كما تتمثل في الاستفتاءات التي تجري في أوقات الأزمات، حيث يتاح لكل مواطن إبداء رأيه في القضايا الهامة أو الخيارات المصيرية، التي هي موضع خلاف أو جدال على المستوى الوطني.
وإذا كانت الديمقراطية هي في أصلها حكم الشعب، فلا شك أن التجمعات الشعبية الحاشدة في الساحات والميادين، هي أجلى وأعلى أشكال العمل الديمقراطي، وكما يجري ذلك، بنوع خاص، في اللحظات الثورية المتعلقة بتغيير الأنظمة السياسية وبناء أنظمة أخرى مكانها، كما جرى على امتداد العام الفائت في غير بلد عربي.
ولهذا، عندما تساءل البعض، في مصر، عن السبب الذي يدعو للعودة إلى "الميدان"، بعد تشكل "البرلمان" الذي بات يمثل الشرعية الديمقراطية، خاصةً وأن الانتخاب اتسم هذه المرة بقدر كبير من الشفافية والنزاهة.
كان جواب بعض الناشطين أنه ما زالت هناك حاجة ماسة إلى "الميدان"، إما لأن الثورة لم تكتمل ولم تحقق أهدافها، أو من أجل التصدي لمحاولات الالتفاف عليها، سواء من جهة البرلمان أو الحكومة أو السلطات القائمة أو القوى المضادة. ولكن الاستفتاءات والتجمعات في الميادين، هي لحظات استثنائية، ولا يمكن أن تتحول إلى عمل يومي دائم. وهناك أطر ومجالات أخرى، تمارس فيها الديمقراطية بصورة مباشرة حيّة ويومية.
ولا جدال في أن الإعلام هو المجال الأبرز لممارسة الديمقراطية التشاركية. وهذا ما تفعله القنوات الفضائية، عموماً، ببرامجها الحوارية، الحية واليومية، حيث تثار القضايا الملحّة والمشكلات الطارئة، لكي تناقش، وعلى نحو يشارك فيه المعنيون بها أو من يعانون منها، كما يشارك الخبراء وأهل الاختصاص، فضلاً عن المسؤولين في الحكومات والإدارات، الذين تجري استضافتهم لكي يشاركوا في المناقشة العلنية، أو يخضعوا للمساءلة العمومية.
وهكذا لم تعد الناس تنتظر موعد الانتخاب، كل أربع سنوات أو أكثر، لكي تحاسب النواب الذين انتخبتهم، سواء بالتجديد لمن كان ناجحاً ومخلصاً، أو بانتخاب ممثلين جدد، وإنما تنخرط في المراقبة والمحاسبة، على سبيل الاعتراض والنقد، عبر وسائل الإعلام المرئي، الذي يفتح الإمكان لممارسة شكل من أشكال الديمقراطية المباشرة، هو "الديمقراطية الميديائية" التي تتيح للفاعلين الاجتماعيين، من مختلف الشرائح والقطاعات، التدخل لإثارة القضايا ومناقشتها، أو لاقتراح الحلول بشأنها.
أخلص من ذلك إلى تناول مسألة شغلت الرأي العام والأحزاب السياسية، في مصر، تتعلق بلجنة وضع الدستور الجديد، وكان النقاش يدور بين اتجاهين:
الأول يعطي مجلس الشعب الدور الأبرز في تشكيلها على مستويين؛ الأول أن يكون نصف أعضاء اللجنة المائة، أي 50 عضواً، من المجلس نفسه، والثاني أن يكون للمجلس الحق في انتخاب أعضاء اللجنة، والتصديق على قراراتها.
أما أصحاب الاتجاه الثاني، فإنهم يرون أن تتألف اللجنة من خارج المجلس، من مختلف الحقول والقطاعات والفاعليات، سيما وأن المجلس له الحق في انتخابها والموافقة عليها.
وما أراه في هذه المسألة، هو أننا إذا أعطينا للمجلس النيابي الدور الأول في عملية تأليف اللجنة ومراقبتها، نكون قد غلبنا الديمقراطية التمثيلية التي باتت أعجز من أن تعبر عما يدور أو يعتمل في المجتمع المصري، من القوى والاتجاهات أو الميول والخطوط.
ولكن في حال أردنا تغليب منطق العمل التشاركي، فإن اللجنة يمكن أن تتشكّل من خارج البرلمان، أو أن يُعطى هذا الأخير حصّة نسبتها إلى الأعضاء المائة، كنسبة الحقل السياسي إلى بقية الحقول. وعندها قد يسمي المجلس عدداً من أعضائه لا يتعدى الخمسة عشر عضواً، يتم اختيارهم من بين الكتل والاتجاهات السياسية المختلفة، فيما تتشكّل غالبية أعضاء اللجنة من خارجه.
إن وضع دستور جديد، في أي بلد كان، هو عمل تأسيسي يتعلق بهيكل الدولة وأطرها ومؤسساتها، وعلى النحو الذي ينظم العلاقة بين السلطات؛ البرلمان والحكومة والرئاسة والإعلام والقضاء، ثم بينها مجتمعة وبين المجتمع بمختلف قواه ومؤسساته وفاعلياته، فلا يجوز أن يترك هذا العمل للبرلمان بأكثريته السياسية، أو أن تكون للبرلمان الغلبة على نشاطاته وقراراته.
خلاصة القول، إن لجنة الدستور ليست مجرد لجنة سياسية، وإنما هي لجنة وطنية تتألف من "خبراء" يتداولون في أمرها، من جميع المجالات والاختصاصات، بحيث يتداخل فيها البعد السياسي مع الأبعاد الأخرى، الثقافي والعلمي، القانوني والحقوقي، الاقتصادي والمالي، المهني والنقابي، الأهلي والمدني، العسكري والأمني... هذا إذا أردنا أن نتعامل مع المشكلات والقضايا الخطيرة والمصيرية، بلغة البعد المتعدد والفكر المركّب والتداول المنتج. من غير ذلك نحسب المشكلة حلاً، وبالعكس.
يبقى الأهم، أياً كانت طبيعة اللجنة، هو أن يكون الأعضاء من أصحاب الخبرة والإنجاز كل في مجاله، بحيث يكون بمقدورهم صوغ دستور يستجيب لحاجات ومطالب الناس، كما عبّرت عنها الثورات القائمة، بقدر ما يتيح للمجتمع أن يصنع وحدته وتقدمه أو نموه وازدهاره.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.