د.محمد داود فى ساعات الشدائد والكوارث تصبح قضية الإيمان ذاتها محل تساؤل.. وقد يضعف البعض ويتساءل لقلة وعيه: لماذا لا ينصر الله المظلوم؟ وهل نحن على حق؟ ولو كنا على حق لنصرنا!! يُصوِّرُ الله مشهدَ القذائف المتساقطة على رؤوس المظلومين وحالَ أولئك المتسائلين قائلاً: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)) «الأحزاب». ما معنى وجود الإنسان فى الحياة؟ إن تلك التساؤلات ناتجة عن تصوُّرٍ خاطئٍ لمعنى وجود الإنسان فى الحياة، فالله تعالى لم يخلق الإنسان ليكون سعيدًا دائمًا فى الدنيا، بل ليبتليه، فإذا نجح فى امتحان الدنيا سيكون سعيدًا دائمًا فى الآخرة: (الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) «الملك: 2». لأن الحياة الدنيا دار عمل وابتلاء، والآخرة دار جزاء وحساب وردِّ اعتبار ونعيم مقيم للمظلومين. حرية الإنسان شرط فى ابتلائه: إن حرية الإنسان فى اختيار أفعاله شرط أساسى ليكون محاسبًا أمام الله تعالى، فلا ابتلاء دون حرية، لذلك فإن الله وضع قوانين وأمر الناس بتطبيقها، فإن التزم الناس بتلك القوانين عاشوا فى سعادة، أما إن أعرضوا عنها فقد اختاروا نشر الفساد فى الأرض، وعن هؤلاء يقول الله: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)) «الروم». لماذا لا يتدخل الإله لمعاقبة الظالم؟ لو تدخل الله لمعاقبة كل مَن يقوم بظُلمٍ لما كان للابتلاء من معنى، ولما تجرَّأ أحدٌ على أن يظلم الآخرين خوفًا من العقاب الفورى الذى سيُنزله الله به، وحين يغيب الابتلاء تفقد الحياة معناها: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ(61)) «النحل». ويستطيع الله أن يمنع كل ظالمٍ عن ظلمه، لكن هذا المنع يتعارض مع سُنَّة الابتلاء التى خُلِق البشرُ من أجلها. ( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)) «الشعراء». الحياة الدنيا فى ميزان الآخرة: إن الحياة الدنيا ليست سوى لحظة عابرة لا يُمكن أن تُقارَن بالحياة الأبدية التى وعد الله عباده الصالحين بسعادة أبدية فيها، فلا يجبُ أن نتعجَّبَ إذا كان صوت الظالمين أعلى من صوت المظلومين فى الدنيا: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)) «الشعراء». إن الله تعالى ليس غافلاً عمَّا تفعله الصواريخ والقذائف فى كل مظلوم، وليس غافلاً عن صرخات الأطفال والنساء والمظلومين هنا وهناك، لكن سنَّة الله اقتضت أن يكون الإنسان حُرًّا فى فعل ما يُريد ليكون محاسبًا على أفعاله أمام الله يوم القيامة: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)) «إبراهيم».