حوار - أنس الوجود رضوان: أثبتت وجودها فى حقبة زمنية صعبة كان الرجل فيها هو سيد الموقف، ورسمت ملامح الإعلام العربى، وتقلدت مناصب هامة ظن البعض أنها لا تصلح إلا للرجال فقط، ضاربة بكل الأعراف الاجتماعية التى تعيق نجاح المرأة عرض الحائط، راهن عليها الجميع كأول امرأة تشغل منصب رئيس صوت العرب، ورفع لها القبعة لحسن إدارتها وثقافتها. هى الإعلامية الكبيرة أمينة صبرى التى هزت عرش اتحاد الإذاعات العربية بوطنيتها لتكون قديرة بمنصب رئيس الإذاعات العربية التى فازت به عن جدارة، جعلت من البرامج الثقافية وجبة فكرية دسمة للمستمعين. لها مواقف وطنية، حيثُ تعاطفت مع القضية الفلسطينية، وأعطت لإذاعة وادى النيل اهتماماً خاصاً للتواصل والتقارب وتبادل الثقافات بين أبناء الوادى. حصلت مؤخرًا على تكريم خاص من وزير الثقافة الجزائرى عز الدين ميهوب لرحلة عطائها.. أمينة صبرى رحلة عطاء امتدت لسنوات.. وكان هذا الحوار لإلقاء الضوء على مسيرتها. كيف كانت البداية؟ - بعد تخرجى فى كلية الآداب جامعة القاهرة، قسم اللغة الإنجليزية، تقدمت للاختبار فى الإذاعة، ونجحت فى عهد رئيس الاذاعة عبدالحميد الحديدى وتم اختيارى مذيعة بصوت العرب. المذيعة المثقفة.. لقب مُنح لكِ.. هل المستمع هو من أطلق عليكِ هذا اللقب؟ - المستمع العربى منحنى اللقب لاهتمامى بالثقافة العربية، فأسرتى علمتنى كيف أحترم الكتاب، وأن أوسع مداركى بالثقافة، وكل هذا أعطانى دفعة قوية بإطلاق برامج لها بعد ثقافى، حتى لو كان لقاء مع فنان، فيخرج المستمع من اللقاء بمعلومة أو موقف يفيده فى حياته. كيف انتصرت وحطمت مقولة «صوت العرب لا يقودها إلا رجل»؟ - صوت العرب هى إذاعة لها أهميتها العربية سياسيًا وإعلاميًا كان المتعارف عليه فى ذلك أن من يقود منظومتها لا بد أن يكون رجلاً، وفى تسعينات القرن الماضى أعلنت الإذاعة المصرية عن شغل منصب رئيس صوت العرب، وقررت أن أتقدم للمنصب، وقوبل ذلك باعتراض كبير ولحب زملائى وأصحابى لى نصحونى بعدم الترشح حتى لا أصدم من النتيجة، ولكن تحديت الجميع، وتقدمت للمنصب وفجأة رن تليفون منزلى وبلغنى حمدى الكنيسى باختيارى رئيس إذاعة صوت العرب، وبهذا كسرت مقولة صوت العرب للرجال فقط، واحتفى بى الجميع كأول امرأة ترأس صوت العرب، ومن هنا بدأ مشوار جديد فى حياتى. كيف سجلت أمينة صبرى هدفاً لمصر فى مرمى اتحاد الإذاعات العربية؟ - أثناء مشاركتى فى اجتماعات اتحاد الإذاعات العربية، أعلن عن فتح الانتخابات لرئيس الإذاعات العربية، وعلى الفور أقدمت على الترشح، وسط اندهاش الأعضاء الذين تساءل بعضهم عن كيف لامرأة أن ترشح نفسها لهذا المنصب؟، وترشح أمامى سودانى وجزائرى، وجلست أنتظر النتيجة، وأنا أحلم أن تحصل مصر على المنصب فى شخصى، وأعلنت النتيجة لأفوز بها باكتساح، لأكون أول امرأة تتقلد المنصب، وأحسست بأننى أحرزت هدفاً لمصر فى مرمى الإذاعات العربية الذى يجمع إذاعات وتليفزيونات الدول العربية. لماذا تغير مفهوم برامج المنوعات وتحولت إلى أغان وكلام هلس على الهوا؟ - برامج المنوعات لها قيمتها فى زمنى، فمثلاً برنامج «أغانى من دهب» قدمت خلاله أغانى بدأت فى الاندثار، والمستمعون أطلقوا جمعية محبى برنامج أغانى من دهب وده أول مرة تطلق جمعية باسم برنامج. وبرنامج «حديث الذكريات» برنامج منوعات ولكن فيها فكر ورؤية وحوار هادف، وكنت استضيف، نجوم الفن والطرب والشعر والفكر والسياسة ومنهم العندليب عبد الحليم حافظ، الفنانة صباح وشادية وعماد حمدى وفريد الأطرش ومحمد عبدالمطلب ورموز الثقافة العربية، ونتناقش فى قضايا فنية وثقافية واجتماعية، أما الآن للأسف تحولت برامج المنوعات فى بعض الإذاعات إلى مساحات رغى وهيافات بلا معنى، ونسمع أغانى المهرجانات التى تلوث أذن المستمع. هل غابت القضايا العربية من شبكة صوت العرب؟ - ما زالت صوت العرب لكل العرب، وبها برامج جيدة ومجموعة متميزة من المذيعين، لكنها تحتاج إلى ميزانية خاصة للصرف على برامجها، لأن الإمكانيات المالية حاليًا ضعيفة جدًا. ماذا نحتاجه الآن من الاذاعة لكى تكون صوت الوطن؟ - لا أتحدث عن الإذاعة المصرية فقط بل عن الإذاعات الأخرى على الإف إم، الإذاعة المصرية تحتفظ بقيمتها بنسبة 80٪ وقادرة على تقديم برامج تساند الدولة، هى والتليفزيون، والمشكلة تكمن فى اتهام ماسبيرو على الدوام بأنه عبء ثقيل، فى حين أنه خدمى يقدم خدمة إعلامية وليس ربحياً، وعلينا أن نعيد له هويته بعيدًا عن أسلوب الفضائيات، ونهتم ببرامجه التى تحقق نجاحاً ونسعى لتسويقها، وتوظيف شركاته بشكل علمى، والاستفادة من تراث ماسبيرو والحفاظ عليه، أما الإذاعات الخاصة فهى تحتاج إلى إعادة النظر فيما تقدمه، فبرامجها لا تليق بمصر الحديثة، وأعتبر برامجها إهداراً للمال العام باستثناء 10٪ من البرامج. وأتذكر إذاعة صوت العرب كيف كانت تقف بجانب الوطن والدول العربية مواقف بطولية، فأثناء رجوع قانا للبنان تعاونا مع الإذاعة اللبنانية بخروج الإسرائيليين ودخول اللبنانيين، وشارك معنا أدباء وفنانون على الهواء للحديث عن لبنان والانتصار، وكانت مشاعر جميلة. وماذا عن ذكرياتك مع الفنانين والمثقفين؟ - ذكرياتى كثيرة وتحمل قيمة إنسانية من نوع خاص.. فمثلاً الدلوعة شادية كانت صديقة وتثق فى برامجى ومصداقيتى. وكانت الصحافة كتبت خبراً عن وفاتها، فأصرت شادية أن تكون ضيفتى لتنفى إشاعة وفاتها أثناء وجودها خارج البلاد. ومن الذكريات أيضًا عند استضافتى للكاتبة الكبيرة سهير القلماوى، وحديثها عن دخولها عالم الصحافة بالإجبار، خاصة أنها كانت لا تتقن كتابة اللغة العربية، فكان حلمها أن تدرس الطب، ورئيس الجامعة رفض، وكان الدكتور طه حسين صديق خالها فاقترح أن تلتحق بكلية الآداب، واستعانت بالقاموس لكى تفك طلاسم اللغة العربية إلى أن تعلمتها. أما الشاعر نزار قبانى عازف الموسيقى فى شعرنا الحديث والمدافع عن قضية الجمال والحب، فقال جملة جميلة، إنه السيف عندما يتحدث عن النضال والوطن، والوردة عندما يتحدث عن الحب. هل اختلفت رؤية العالم العربى للمرأة المصرية فى الإعلام؟ - المرأة المصرية لها بصمة كبيرة فى تأسيس الاذاعة والتليفزيون، وحققت نجاحاً كبيراً، والإعلام العربى ينظر للمرأة المصرية باحترام واستعان بها فى التدريب وإنشاء إذاعات وتليفزيونات عربية. ما رأيك فيما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى أثناء حواره مع ساندرا نشأت على وجود المذيع خمس ساعات على الشاشة دون فائدة؟ - أولاً أؤيد الرئيس فى حديثه بصفة خاصة، وأشيد بما قاله على الإعلام، وأن الناس ملت من برامج التوك شو والمذيع الذى يجلس خمس ساعات يحكى عن أمور لا قيمة لها، بل يصنع بلبلة فى الشارع المصرى، والإعلام اختلف باختلاف الظروف المحيطة، زمان كنا نعمل من أجل نشر الثقافة ونضع أمامنا مصر، وكل تكريم أو نجاح نعتبره نجاح مصر، حاليًا الإذاعات والفضائيات أصبحت على الملأ كل واحد معاه قرشين يفتح قناة، ونسبة 10٪فقط من يصلح من الاعلاميين، فالإعلامى له مواصفات وأسس يعمل على تطبيقها فى عمله، والآن لا نرى إعلامًا، نشاهد برامج أشخاص دليل تسمية البرامج بأسماء مقدمى البرنامج، والبرامج طبق الأصل من بعضها فضاعت هوية البرامج. وأطالب بوجود برامج ثقافية وعلمية لمحاربة الفكر المتطرف والإرهاب. ماذا عن تكريمك من وزير الثقافة الجزائرى د. عز الدين ميهوبى على مجمل مسيرتك الإعلامية؟ - سعد بالتكريم، لأنه جاء بعد سنوات من غيابى عن العمل الإعلامى وهو تتويج لرحلة قضتها فى أروقة صوت العرب واستوديوهاتها، وأن يكون التكريم عربياً كدليل على أن رموز الإعلام المصرى على قمة هرم الإعلام ومسيرتهم لم تنس، بل يتذكرها المسئولون ويعززها بالتكريم. هل نحتاج إلى تنظيم للإعلام الرياضى؟ - الإعلام الرياضى يحتاج لوقفة من المجلس الأعلى للإعلام، فمقدم البرامج الرياضية بيكوش على كل شىء المفروض أن المذيع يكون عزيزاً على المشاهد، والمفروض أن يعاقب كل من يخرج عن آداب المهنة، واتهم الاعلام الرياضى أنه سبب نشر العنف، وعدم احترام الضيف وتدنى الحوار، وعدم مراعاة شعور ملايين المشاهدين والمستمعين.