بحلول شهر فبراير 1942 صارت القاهرة مأوى لقوات الحلفاء وهو التعبير الذي يجمع الدول الغربية الديمقراطية وتوابعها من دول العالم الآخذ في النمو لتحالفهم ضد معسكر الفاشية العالمية والذي تمثله الدول النازية والفاشية وعلى رأسها ألمانيا وإيطاليا وتركيا والأرجنتين في القوت الذي حازت وزارة الوفد بقيادة زعيم الأمة مصطفى النحاس وهى الأغلبية للمرة الرابعة فتولى مصطفى النحاس رئاسة الوزارة في الفترة من فبراير 1942 حتى 7 أكتوبر 1944. وبعد أن استسلمت فرنسا للنازية واعتبرت باريس مدينة مفتوحة، قام المارشال ديجول بتأليف حكومة فرنسا الحرة في المنفى واحتل سوريا ولبنان في نوفمبر 1943 في نفس الوقت الذي كان الوفد المصري يحتفل بذكرى اليوبيل الفضي أي مرور خمسة وعشرين عاماً على تأسيس الوفد عام 1918 ذكرى قيام الثورة المصرية، وكانت حشود الشعب المصري تجول بمظاهراتها في القاهرة والمدن الأخرى تنادي بسقوط «فرنسا الفاجرة وبريطانيا المستهترة»، مستلهمة زعيم الأمة مصطفى النحاس بانقاذ مصر والأقطار العربية وكانت الجموع تتجه إلى أرض شريف، الأرض الفضاء في ذلك الوقت والمجاورة لباب الخلق حيث المؤتمر الحاشد برئاسة زعيم الأمة مصطفى النحاس واستجابة لحشود الجماهير يتقدمهم لجنة الطلبة التنفيذية العليا فأوقف النحاس خطابه ووجه انذاره التاريخي إلى المارشال ديجول يهدده فيه أنه في حالة عدم اجلائه للقوات الفرنسية عن سوريا ولبنان خلال 48 ساعة فإن حكومة مصر ستقوم باعتقال جميع الفرنسيين المتواجدين على أرضها وتصادر أموالهم في البنوك المصرية. واستجاب المارشال ديجول في الحال باجلاء القوات الفرنسية عن سوريا ولبنان وهكذا مهد الطريق لاستقلال البلدين العربيين. وفي ذات الوقت وبالرغم من مقتل السردار البريطاني في السودان وكان البلدان مصر والسودان وشعباهما يعتبران بلداً واحداً لشعب واحد حتى على المستوى الرسمي، الأمر الذي كان يعبر عنه أيضاً مصطفى النحاس بمأثورته التي يقول فيها «تقطع يدي ولا يفصل السودان عن مصر» أو «مصر والسودان بلد واحد» وكانت الأحزاب في البلدين مجتمعة تماماً على الترابط العضوي الذي يضم مصر والسودان وكونهما تحت حكم واحد تتربص به بريطانيا. غير أن هذا الوضع الوحدوي لم يطرأ عليه أي تغيير إلا بحلول النظام العسكري في مصر في يوليو 1952 وكأنما تخصص الرائد صلاح سالم وهو عضو مجلس قيادة الانقلاب العسكري الذي أطلق عليه «الحركة المباركة» التي مهدت لفصل السودان عن مصر بعد أن كانت في اتجاه الوطن الواحد الأمر الذي أدى بنهاية هذه الوحدة بما تجرأت عليه الأحزاب في السودان سواء الأحزاب الانفصالية أو أحزاب الوحدة على لسان الزعيم الاتحادي اسماعيل الأزهري أو الدكتور محمد خير أو الزعيم الانفصالي الصادق المهدي الذي طالما عبر بعد تقرير الانفصال بقوله إن برغبة السودانيين في الانفصال لا ترجع الى أي تناحر بين المصريين والسودانيين، ولكن ترجع إلي خشية السودانيين بأن ارتباطهم مع مصر في ظل الوحدة قد ينقل الحكم العسكري المصري إلى السودان وهكذا تطورت الثقافة السياسية الأجنبية وأدت الى الانفصام بين الشعبين الأمر الذي تطور لاحقاً الى انقسام السودان ذاته الى شمال وجنوب، كما تطور الى خلاف وصل لتعريف عما اذا كانت حلايب أو شلاتين هي العروة الوثقى على حدود البلدين وضاع الحلم الذي عمل زعيم الأمة مصطفى النحاس على تحقيقه بمقولة «تقطع يدي ولا يفصل السودان عن مصر». ------ بقلم: د. عبدالمحسن حمودة رئيس الطليعة الوفدية