مثل كثيرين لاأعرف عن قرب وفهم من هو نادر بكار المتحدث الرسمي باسم حزب النور السلفي ولا الدور المنوط به تحديدا –التقيته مرة واحدة محاورا له في برنامج تلفزيوني وكل ماخرجت به من انطباعات أنه شاب يتحدث كثيرا على شاشات المحطات الفضائية ويدلي بكثير من الأحاديث للصحف والمجلات ويفسر كل شيء ابتداء من الفتوى الشحاتية بتحريم الروايات المحفوظية مرورا بحادثة الافك المناخيريه وصولا الى فتوى تحريم الوقوف دقيقة حداد على روح البابا شنوده بابا الاسكندرية وبطريك الكرازه المرقسية .. وقد استوقفني كلام "العلامة " نادر بكار خلال مداخلته الهاتفية مع برنامج " الحقيقة " والاعلامي وائل الابراشي خاصة عندما وجه حديثه للإبراشى متسائلا ("هاتلي من الشريعة مايقول ان الدقيقة الحداد على مسلم او غير مسلم أمر جائز أو حتى مقبول", مُشيراً الى انهم عندما وقفوا حدادا على شهداء الثورة فقط كانوا يدعون لهم وليس بهدف الوقوف حدادا عليهم).. وتمنيت على الاعلامي وائل الابراشي أن يسأله – وماذا لو وقفنا دقيقة حداد – هل سنكون قد خرجنا على الملة وفارقنا صحيح الدين .. ومالذي يؤذي الاسلام أكثر -الوقوف دقيقة حداد على روح رجل مشهود له بالخلق الطيب والسماحة والسلام والمحبة للناس جميعا – أم الوقوف صامتين أمام مظالم حاكم جائر بدعوي عدم جواز الخروج عليه .. هل سيضرب الاسلام في مقتل لو وقفنا دقيقة حداد على روح رجل اخلص لمصر الوطن والتراب والتاريخ – أم لو زيفنا وعي ملايين البسطاء بفكر ظلامي قادم من صحاري لم تعرف يوما نور العلم ولم تساهم لحظة في بناء حضارة ولم يعرف عن أهلها وامرائها في عصرنا الحديث إلا الإخلاص للمال والخضوع والأجنبي الجائر والاستبداد بالبشر والحجر والزرع والضرع .. الحقيقة هناك مشكلة أذلية منذ أكثر من الف عام وهي مشكلة التوحيد بين النص والفهم، من بعض مدعي المعرفة بيقين يصل بهم الى القصد الإلهي الكامن في النصوص دون عوائق ، وهذا حال العارف بالله – نادر بكار – الذي قال للإبراشي إن الشريعة الاسلامية لم تعرف الوقوف دقيقة حداد.. واتمنى أن يقرأ المتحدث باسم حزب النور كثيرا ويتأمل ذلك العوار الايماني الرهيب لدي من يخلطون بين فهمهم للنص والنص ذاته حيث يقع الفهم في الحاضر وينتمي النص للماضي مما يعني إهدار البعد التاريخي مما جعل الخطاب الديني اليوم كله مسلمات وكلام يقيني وكأن إسلام نادر بكار وحزبه وجيرانهم الاخوانيين له معنى واحد ثابت لاتؤثر فيه حركة التاريخ ولايتأثر باختلاف المجتمعات وتعدد الجماعات واختلاف المصالح حتى داخل المجتمع الواحد .. أعتقد أن أكبر جريمة ترتكب في حق الاسلام اليوم هي اختزاله واختصاره في فهم مشوه لجماعات اسلامية طامعة في الحكم والامارة أكثر من طلبها للجنة - وخطورة الامر أن مايصدر من خطاب ديني من تلك الجماعات والمتحدثين باسمها يحدث في وقت غريب .. أولا يحدث في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وثاني الغرائب أن هذا العوار في الخطاب الديني السلفي الاخواني يحدث عقب ثورة فجرها شباب رائع لم يكن يتصور أن نقاء حلمه سيذهب بهذه السهوله والسرعة ليملأ المكان والمشهد العام أناس قطفوا ثمار مالم يزرعوا واحتكروا لأنفسهم حق رسم خريطة طريق حاضر ومستقبل بلد كبير مثل مصر أمام عجز التيارات المقابلة وصمت السلطة التي بيدها مقاليد الحكم - أما عموم المصريين الذين يركن العارف بالله نادر بكار وإخوانه إلى أن جموعهم قد اختارتهم بحرية كاملة وهاهي ارادة الناخبين قد أصدرت حكمها – فهؤلاء منهم البسطاء الضعفاء الذين تم غوايتهم بعلبة فول وزجاجة زيت أو خطبة دينية ، ومنهم من استغنوا عن عقولهم من سنوات طويلة مقابل عقد عمل للسعودية أو الكويت ليعودا من إمارات النفط بطون منفوخه وعقول فارغة إلا من ضلالات ابن عبد الوهاب –واليوم يستمر نفس الخطاب الديني الزائف الذي يعطل أي أمل في التغير الاجتماعي من خلال اضفاء الشرعية المقدسة على الوضع العام القائم وتسويغه للتمايز الطبقي وتشكيله للوعي الزائف لدي أفراد المجتمع . ومما لاشك فيه أن الوجه المحافظ للدين والذي يحاول أن يتمثله حزب النور وجماعة الاخوان والجماعة الاسلامية سيظل يشكل خطرا كبيرا على حاضر ومستقبل الدولة المصرية لأنه شئنا أم أبينا يقاوم التغير ويكرس الطاعة للتقاليد الجامده – كما يقول عالم الاجتماع سعد الدين ابراهيم – ويصبح قوة في ايدي أنظمة الحكم التسلطية – وأعتقد أن الدكتور سعد الدين ابراهيم لم يكن يتصور أن القوى الاسلامية ستنتقل من سجون حاكم سابق لتحكم هي بنفس آليات اقصائه لكل القوى المناوئة له .. وزادت على تصورات كل علماء الاجتماع انها تصر على الحكم باسم الله وبتوكيل منه من خلال تشكيل وعي زائف مغيب تريد له أن يراها ملائكة بين السماء والارض تنقل رسائل من القوة العليا المفارقة على لسان متحدثها الرسمي نادر بكار ..