كتب - نصر اللقانى: رغم حصول «أمنية» على أحد المراكز الأولى على مستوى المدرسة فى الشهادة الإعدادية، أراد الأب الاكتفاء بدراسة ابنته عند ذلك بعد أن اقتنع بعدم مقدرته على مصاريف الدراسة والدروس الخصوصية، خاصة بعد أن أصيب بالعديد من الأمراض، وأصبح غير قادر على العمل بالحقول باليومية، ونزل الخبر كالصاعقة على الابنة «أمنية» التى حزنت كثيراً وأعلنت إصرارها على مواصلة الدراسة، وأنها سوف تعمل بجنى المحاصيل فى الحقول فى الإجازة الصيفية من أجل توفير مصاريف الدراسة، وبعد تدخل الأقارب والجيران وافق الأب على مضض باستكمال ابنته لدراستها بشرط الاكتفاء بالدبلوم الفنى وإبعاد فكرة الثانوى العام. وافقت الابنة على ذلك ومع بداية المرحلة الثانوية الفنية وذهابها إلى المدينة انبهرت بأضوائها التى لم ترها من قبل ذلك سوى فى المسلسلات التليفزيونية، حيث شاهدت المحلات التجارية الكبرى ومعارض الملابس الجاهزة وأدوات المكياج والعطور الغالية التى كثيراً ما تغيب عن المدرسة وأهملت الانتظام فى الدروس لقضاء الساعات الطويلة فى شوارع المدينة الواسعة والأعداد الكبيرة من السيارات والزحام الشديد وكانت تقف طويلاً أمام محلات الملابس تتأمل فى انبهار شديد أحدث الموديلات وسيطرت عليها أحلام اليقظة بعد أن تخيلت أنها ترتدى تلك الأزياء وتضع على وجهها مساحيق التجميل وكانت تصحو على الواقع الأليم وفقر أسرتها التى لم تملك شيئاً من حطام الدنيا. لجأت التلميذة إلى حيلة شيطانية، حيث كانت تحمل ملابس خروج داخل حقيبتها وفور وصولها المدينة كانت تتجه إلى أحد المراحيض العامة لتبدل ملابس المدرسة بالملابس العادية وتخلع حجابها وتطلق لشعرها العنان قبل أن تذوب فى شوارع المدينة وكانت تتعمد أن تبرز أنوثتها أثناء سيرها، حيث كان يمطرها المارة بعبارات الغزل العفيف والصريح التى كانت تطرب أذنيها، خاصة أنها راقت لها تلك المعاكسات واعتادت أن تتمايل أمام المرآة تغير تسريحة شعرها الذهبى وتتخيل أنها إحدى نجمات السينما لثقتها الكبيرة فى جمالها وأنها لا تقل عنهم إن لم تفقهم جمالاً وسحراً، حيث العيون الزرقاء والجسد الممشوق الذى يسحر الناظرين. ارتبطت عاطفياً بأحد الشباب الذى ألهب أذنيها بالكلمات الرومانسية المعسولة التى كانت تدغدغ أنوثتها وسيطر على قلبها بوعوده أنها ستكون زوجته وأم أولاده فى المستقبل وتحقيق أحلامها بعد أن يشترى لها شقة فى المدينة، لكن الحبيب كان فقيراً مثلها، ولم تكتف به، بل جعلت قلبها قبلة للشباب حيث كانت تقضى معهم الساعات الطويلة فى الحدائق لخطف بعض لحظات الحب المحرمة بمقابل، ومرت سريعاً سنوات التعليم الفنى وتمكنت من الحصول على الدبلوم الفنى وتملكها الحزن الشديد لبعدها عن عشاقها من أبناء المدينة، حيث تواصلت معهم من خلال موقع التواصل الاجتماعى وتليفوناتهم المحمولة وجاءت الطامة الكبرى بعد أن أبلغها والدها بأن «سامى»، نجل أحد أعيان القرية قد تقدم لخطبتها وأنه وافق فوراً لقدرته على إسعادها وانتشالها من حياة الفقر التى عاشت فيها منذ نعومة أظافرها. وأعلنت «أمنية» رفضها للعريس رغم امتلاك والده لمساحة كبيرة من الأراضى الزراعية لكنه سيجعلها تعيش باقى حياتها فى القرية وهو ما ترفضه تماماً لرغبتها الشديدة فى تحقيق حلمها الكبير فى الحياة بالمدينة. لكن والدها أصر على الزيجة ورغم إصرارها الشديد على أن والدها وافق على خطوبتها من الشاب الحاصل على مؤهل عال ويشرف على العمال بأرضهم الزراعية وتمت قراءة الفاتحة وأصبحت دبلة الخطوبة فى يدها اليمنى والتى كانت تشعر بأنها حبل المشنقة. واعتاد «سامى» زيارة خطيبته مرة أسبوعياً ورغم ما يحمله من هدايا ثمينة فإنها كانت تتجاهله تماماً، وأعتقد أن ذلك دلال وحياء وأنه بعد الزواج سيتغير التعامل وفى تلك الفترة لاحظت «أمنية» أن عشاقها من أبناء المدينة يتباعدون عنها ولم يعودوا يردون على مكالماتها التليفونية أو على «الفيس بوك» ورويداً تعلق قلبها بشاب آخر بائع فى أحد محلات الأدوات المنزلية فى المدينة والتى كانت تختلق الموضوعات للسفر إلى المدينة بحجة شراء بعض مستلزمات جهازها وأقنعها الحبيب الجديد بأنه سيكون فارس أحلامها وطالبها بفسخ خطبتها من أجل أن يتقدم لطلب يدها من والدها الذى رفض تماماً مناقشة ذلك وأصر على استكمال خطوبتها لابن الأعيان الذى سيسعدها وينتشلها من الفقر. ومرت الشهور وجاء موعد الزفاف واستسلمت «أمنية» لقدرها وتم الزفاف فى حفل كبير حضره أبناء القرية والقرى المجاورة ووسط فرحة الجميع إلا أن العروس كانت تشعر بخيبة وضياع أحلامها ووسوس لها الشيطان أن تتظاهر بالسعادة وأنه سوف يضع لها الخطة التى تضمن بها التخلص من تلك الزيجة دون خسائر والخروج من منزل العريس وهى لا تزال عذراء. انتهى حل الزفاف واصطحب «سامى» عروسه إلى شقة الزوجية وفور دخول حجرة النوم طلبت العروس النوم بحجة أنها مرهقة بسبب الجهود الكبيرة التى بذلتها على مدار الأيام الماضية وعلى مضض وافق الزوج. وفى مساء اليوم التالى اقترب العريس من عروسته التى بعدت عنه ولم تمكنه من حقوقه بحجة أن لديها عذراً شرعياً وحان اليوم الخامس للزفاف حيث كانت العروس قد انتهت من خطتها الشيطانية للتخلص من العريس دون أن يشعر بها أحد. وطالبته الشيطانة الصغيرة بالاستعداد لقضاء ليلة سعيدة بعد انتهاء العذر الشرعى وأنها أعدت له كوب عصير فاكهة استعداداً لبدء حياتهما السعيدة، لم تمر دقائق حتى سقط العريس أرضاً بفعل سم الفئران الذى وضعته العروس فى العصير، وأسرعت العروس إلى الكوب الفارغ وحملته إلى المطبخ وغسلته للتخلص من آثار سم الفئران، ثم أطلقت صرخة عالية وفى لحظات حضرت أسرة العريس من الطابق الأسفل وأبلغتهم العروس بأن عريسها سقط فجأة مغشياً عليه، وتم نقل العريس إلى المستشفى، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة وأكد تقرير الطب الشرعى أن الوفاة بسبب تناول سم فئران، وأكدت التحريات أن العروس وراء جريمة قتل زوجها. ألقى القبض عليها وفى لحظات منذ أن وطئت قدميها المدينة وانبهارها بأضوائها وعلاقاتها المحرمة وخطتها لقتل عريسها والفرار إلى حياة جيدة تنعم فيها بحياة المدن النظيفة التى تتسم بالرفاهية ولكن انهارت كل أحلامها بعد كشف جريمتها ولأنها قاصر، ما زالت ابنة 16 عاماً، استغرب الجميع من خططها وأفعالها وطموحها الذى تفوقت فيه على أفعال الشياطين وأعتى المجرمين وتنتظر حكم القاضى والذى بأى حال من الأحوال لن يتعدى السجن 10 سنوات لصغر سنها.. ولا أحد يعلم ماذا يحمل لها المستقبل من أسرار.