أعلم أن كثيراً من القراء المهتمين بالشأن العام، قد عزف عن القراءة لأسباب عديدة، منها ذلك الزخم من الكتابات والرؤى المتباينة فى شتى الاتجاهات التى تزخر بها كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، مع اختلاط وضبابية الدوافع والمرجعيات لكل ما يطرح من قضايا وآراء، ومع ما يتسم به قطاع عريض من الشعب وهو جيل الشباب، من ميل للمعلومات التلغرافية دون استساغة للقراءة الفاحصة المتأنية، وكل ذلك فى ظل ما يستشعره الجميع من تردى الأوضاع السياسية والاقتصادية فى المجتمع بشكل بات ينذر بخطر قد نلحظه أو بخطر أكبر، من مجهول لا ندركه. من هذه المقدمة، وتأكيداً لها أستطيع القول بأن كثيراً من الموضوعات التى ألقيت على المسرح السياسى المصرى، منذ أحداث يناير سنة 2011 وحتى الآن، لم تكن لقيمة فى ذاتها أو أهمية لجدواها، ولكنها طرحت لتكون محلاً للنقاش المتصارع والجدل السفسطى بغية تحقيق أهداف أخرى، ولقد كان أغلبها ببث من القوى الخارجية المعادية، كأحد محاور منظومة الفوضى التى تحقق بها مخططاتها الاستراتيجية التى تستهدف المنطقة العربية بأسرها، والتى كادت الآن أن تصبح واضحة لشعوب تلك المنطقة. أما البعض الآخر من تلك الموضوعات، فقد طرحت وأثيرت للأسف الشديد من جانب قوى وتيارات وطنية، تحت مسميات مثيرة وعناوين جاذبة، ولكن الواقع العملى والنظر المتأمل، يؤكدان أن المقصود كان بعيداً عن المسميات ولا علاقة له بالعناوين، وإما كان لمعان أخرى فى بطن الشاعر لا تلبث أن تتضح مع مرور الأيام، ومن الأمثلة العابرة التى يمكن التوقف أمامها بشىء من التعجب وقليل من الاهتمام، تلك الزوبعة التى افتعلها مجلس الشعب تحت عنوان مناقشة كيفية سفر المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى للمنظمات الأهلية، فإذا كان المجلس بحكم شرعيته الدستورية وثقله السياسى يهيمن على شئون الحكم فى البلاد، وإذا كان من ناحية أخرى وهو يضم نخبة المجتمع ورموزه يعلم يقيناً بعدم جواز تدخله فى أعمال السلطة القضائية أو مناقشة أحكامها وقراراتها أو التعليل عليها، فإننا لا نجد تبريراً لطرح الموضوع بهذا الشكل الحاد المتوتر الذى شاهدناه، إلا رغبة جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق هدفين: (1) تأكيد إنكارها لمضمون التصريحات الأمريكية التى أشارت لدور الإخوان فى استصدار قرار إلغاء حظر السفر. (2) استمرار الضغط على الحكومة لتحقيق أهداف أخرى، خاصة فى وزارة الداخلية. من هذا السياق، أصل إلى قضية فى غاية الأهمية، تتعلق بعنوان أن هذا المقال الذى رأيت أن يكون موجهاً مباشرة لجماعة الإخوان المسلمين التى أوليناها ثقتنا فى الانتخابات البرلمانية ونضع على كاهلها آمالاً إن تحققت لتحققت الثورة بمفهومها الصحيح، تلك القضية هى المثارة تحت عنوان «إعادة هيكلة الشرطة»، والتى تتزايد نبراتها فى الآونة الأخيرة بمناسبة ودون مناسبة، ويتحدث فيها القاصى والدانى والعالم والجاهل، وكأنها قضية مصر القومية. وحتى لا أكرر فى هذا الموضوع ما سبق أن كتبته، فإننى أتوجه لجماعة الإخوان المسلمين، بنصائح قلبية أوجزها فى الآتى: 1 إن المفهوم الصحيح لتغيير الهيكلة هو وضع وترتيب البناء الإدارى لأى مؤسسة عامة أو خاصة، مع تحديد الحقوق والواجبات والاختصاصات الوظيفية للعناصر المكونة لذلك البناء، بما يكفل تحقيق الهدف المنشود من تلك المؤسسة، وبالتالى تكون إعادة الهيكلة بالتطوير والتحديث فى إطار هذا المفهوم. 2 إن إعادة الهيكلة كهدف ثورى لدولة ما، يكون لسائر مؤسسات الدولة، لتحقيق توجهاتها الأيديولوجية الجديدة التى يتم إقرارها بتوافق شعبى يمثل حقيقة الثورة. 3 إن إعادة هيكلة أى مؤسسة يستوجب تقييماً موضوعياً لأدائها خلال فترة مناسبة، لبيان مدى اتفاقه مع الهدف المنشود منها. 4 إن إعادة الهيكلة لا يعنى إطلاقاً إقصاء أشخاص بعينهم، وإلا عُد ذلك انتقاماً، كما لا يعنى توظيف أشخاص بعينهم وإلا عُد ذلك تآمراً، وفى كلا الحالين يبتعد القصد عن المعنى. 5 إن إعادة هيكلة أجهزة الأمن بصفة خاصة، وعند الإقرار بوجوبها، لا يسوغ إجراؤها فى ظل ظروف طارئة وخلال فترات التحول المرحلى فى تاريخ الشعوب، لأن تلك الظروف فى تلك المراحل الانتقالية تفرض دعماً واستقراراً لأجهزة الأمن، بما يؤهلها لتأمين وحماية المتغيرات الثورية والحفاظ على المكتسبات الوطنية. ولا يغيب عن فطنة المهتمين بالأمر، أن العقيدة الأمنية فى كل دول العالم واحدة، وهى تقوم على حماية الوطن والمواطنين وممتلكاتهم وإقرار الأمن والنظام وتنفيذ القوانين وحماية شرعية الحكم والقائمين به بغض النظر عن أشخاصهم. كما لا يغيب عن إدراك أصحاب الثورة، وهم فى مقاعد الشرعية، أن الوطن فى حاجة إلى جهاز أمن قوى ببنيانه محترف بعناصره لدحض ما قد يحاك بالثورة من مؤامرات، سواء من الداخل أو الخارج فى الحاضر والمستقبل وهى ضرورة أمان للوطن والقائمين عليه.. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا سواء السبيل. ---------- لواء بالمعاش/أحمد عبدالفتاح هميمى