يخطئ من يتصور أن مصر «المدنية – الحضارية – المبدعة» يمكن أن تسقط فى أيدى من يعودون بها إلى الوراء، أو من يعتقدون أن تغيير هويتها، أو التلاعب بتوجهها الفكرى الوسطى، شىء سهل!!هذه هى مصر، الدولة القديمة المتماسكة، التى أنجبت مبدعين ومثقفين وعلماء وملهمين للإنسانية والحرية والوطن والعالم، ولا يمكنها أن تقبل تلاعباً ب «هويتها» الثابتة فى عمقها..والمتغيرة فى قشورها!! نحن نحترم الجميع، ونُقدر من فازوا، فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، فقد اختارهم الشعب عبر انتخابات – نعتقد - أنها ديمقراطية ونزيهة وشفافة، ولذلك سوف نمنحهم الحق فى أن يمارسوا حقوقهم فى الرقابة والتشريع، وسحب الثقة من الحكومة، هذه هى حقوقهم الدستورية التى نعرفها،هذه هى حقوقهم التى منحتهم إياها جموع الناخبين، وليس لهم حق سواها، أما أن يقوموا بالاتفاق على تقسيم الوزارات التى تمنحهم الحق فى السيطرة على عقول الأطفال، ومصادرة حقوق هذه القلوب الخضراء فى مستقبل «أبيض» بلا توجيه، نحو هذا الفكر أو ذاك.. هذا هو «الممنوع» الذى سنقف امامه طويلاً، لأن تحقيق طلب تيار «دينى – سياسى» بعينه، للحصول على وزارة التربية والتعليم يثير الشكوك فى النوايا ويجعلنا نطرح سؤالاً حول أسباب هذا الطلب الذى قد يبدو مريباً!! المعركة واضحة.. لأن الإخوان والسلفيين يخوضون معركة «ضروس» للهيمنة على الوزارة التى لم نعرف من قبل انها تمثل مطمعاً لأحد.. فهى مؤسسة تعانى من المشكلات التى لا حد لها.. مدارس متراجعة فى المستوى.. نظام تعليمى عقيم.. مناهج مترهلة.. طرق تدريس عفا عليها الزمن.. مدرسون مرهقون..ووطن حزين على حال تعليمه.. فماهى أوجه الطمع للحصول على مثل هذه الوزارة المسكينة؟ قطعاً لا يوجد سوى سبب واحد.. هو التنظيم السياسى الذى يحتاج إلى نموذج ومجتمع «المدرسة» لنشر أفكاره.. ولامانع من فرضها بطرق قانونية تسمح للوزير بمعاقبة المدرس الذى لا يُنفذ هدفه.. ومعاقبة التلميذ الذى لايلتزم بالمنهج «الفكرى» الجديد، لينشأ جيل يؤمن بضرورة الالتزام ب «المنقول» أيا ماكان مصدره، دون محاولة مناقشة معقوليته، ونحن هنا لانتكلم عن العبادات المنصوص عليها فى كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ،ولكننا نتحدث عما يحتمل الاجتهاد من فروض يتم إجبارنا عليها بلانص، ولاتواتر، ولا اجتهاد، وبلاعلماء أجلاء يعرفون مالانعرفه، وقضوا أعمارهم فى البحث والتنقيب عن أصول الفرضيات، خاصة ما هو مختلف حوله، من معاملات – بعضها لا أساس له من الصحة، ولا غبار على تعديل أدائنا فى بعضها بحكم الزمن الذى تغير، فهم يريدون منا الالتزام بتصرفات يؤمنون هم بها وهذا شأنهم، وليس شأننا، طالما أننا لم نخالف تعاليم الدين الحنيف، ولا أصوله، ولكننا نتحرك فى سياق بذل الجهد العقلى المتفق عليه من جمهور العلماء حتى نستطيع مواكبة عصر سبقنا وتقدم نحو القمر، ونحن مازلنا فاشلين حتى فى صناعة سيارة ضعيفة البنيان.. بلاقوة دفع نحو طريق العمل!! المعركة مريبة فعلاً .. لأننا نسمع نائباً سلفياً يتحدث عن عدم تفريط حزبه «النور» فى وزارة التعليم الأبية.. وآخر إخوانى ينتمى ل «الحرية والعدالة» يطالب بتوحيد «الملابس المحتشمة» فى المدارس التى ستسيطر عليها الجماعة يوماً ما.. وكأن وزارة التعليم لاتعانى أزمة فى المدرسين، ولا الوطن يعانى من تخرج طلاب لايجيدون القراءة والكتابة، ويخطئون فى قواعد الإملاء، والبلاد تتراجع فى سباق التكنولوجيا الذى يسيطر عليه العالم الأول، وكأن مشكلتنا الاساسية أصبحت هى ملابس الطلاب، الذين لايحق لأحد التدخل فى طريقة ارتدائهم لملابسهم، طالما أنها لاتتجاوز العرف الذى يمنع بطبيعته الابتذال، بل ويرفضه بحدة داخل المدارس، مهما كان مستوى روادها الاجتماعى، فنحن يا سيادة النائب، بلد بلا مدارس مبتذلة الزى، ولامتدنية الأخلاق، على العكس هذا البلد يحترم دور العلم ويسعى القائمون عليها للحفاظ على أخلاقيات المتعلمين، لأن العلم لايقابله سوى الأخلاق!! المعركة مريبة.. وتدعونا لتجديد طلب طرحناه هنا فى مقال سابق، بضرورة «تحييد» وزارة التعليم لأنها تمثل خطاً أحمر لايجوز الاقتراب منه، فهى وزارة لايجوز «تسييسها» ولا السيطرة عليها من تيار سياسى معين، فيوجهها كيفما شاء، ويتساوى معها هنا وزارات «الدفاع والداخلية الإعلام» فهى وزارات يجب ان تظل محايدة لفترة انتقالية، لاتقل عن ثمانى سنوات، تسمح لنا بالحفاظ على هويتنا ،وترسيخ قوانين تمنع العبث بهذه الجهات المهمة ولاتمنح تياراً سياسياً الحق فى السيطرة أوفرض الرأى أو القوة،لأننا كلنا شركاء فى هذا الوطن ويجب ألا يقوم أحد أو تيار بتحويلنا إلى جزء من تياره الفكرى أو التنظيمى!! اللهم بلغت اللهم فاشهد!!