مشهدان مؤلمان حفرا جرحا لن يندمل ، هذا الشاب عديم المروءة والكرامة الذى ظهر فى كل القنوات ، وراح يرقص فرحا وانتشاء ، والنار تشتعل فى المجمع العلمى تلتهم كنوزه ومخطوطاته وخرائطه النادرة ، طالعناه يهلل ويقفز كلما امتدت سحابات الدخان ، والصرح العريق يصرخ ويستجير من ألسنة اللهب هل من منقذ ؟ والمشهد الآخر عندما اعتلى أحدهم المنصة ممن يطلقون عليهم النخبة فى إحدى الندوات الشعرية ، وألقى بقصيدته ليلهب حماسة الحضور بصوته الجهورى ، وقال فى مقطع أعاده على مسامعنا ثلاث مرات ، ( ياقاهرة ياعاهرة ) من هول الصدمة تلفت حولى ، فى محاولة لمعرفة رد فعل الحضور على من تجرأ وتطاول بالسباب على أمنا ، وسألت نفسى هل هناك شريفا كريما يصف أمه بالوصف الدنئ ، فوجدت أن هناك من امتعض ، وهناك من لم يحرك ساكنا ، وكأن أمه لاتعنيه لاتعنيه ، فلاضير من إهانة الوطن ، حركتنى الغيرة والخوف على مصر من صراع الجهلاء ، وطلبت الكلمة لألقى مقطعا أقول يامصر الطهر ، من ضلل الشعب فصار الصبح بطعم الردى ؟ ، يامصر يتبارون فى الهدم ، ويأخذوننا الى الهلاك ، فتضحك منّا الأمم أى نخبة تلك التى لم نر لها دورا ايجابيا قبل الثورة أو بعدها ، النخبة التى تقوقعت على ذاتها مكتفية بقصيدة ذم هنا أو هناك ، نخبة جل همها تحقيق منفعة شخصية ومجد باطل ، نافقوا الحكومات المتعاقبة ، والحكومات المجاورة ، من أجل حفنة دولارات ، باعوا الضمير ، وبعد الثورة قفزوا على كل الحبال ،بل نسبوا الى أنفسهم ثورة الشرفاء والتحرير منهم براء ، فلم نر أيا منهم فى الميدان ، لم يحاولوا مد جسور التواصل مع جموع الشعب الذى يعانى 40 % منه الجهل ، وسألت صاحب القصيدة البليدة ، لماذا تنعت مصر بالعهر ، أليست مصر أمك ؟ أجاب : الآن قامت الثورة ، هذه قناعاتى حريتى ، تلك القصيدة كتبت فى الثمانيات ، و كان من الصعب البوح بها خشية المساءلة ، أما الآن فلا حرج ، أقول ماشئت ، عدت أسأله أتنتقم من مصر بأثر رجعى ؟ تهين الوطن الجريح ، والكل فى سباق محموم من أجل تدميره ؟؟ الى أى ثقافة تنتمى ؟ لو أنك تملك ذرة من دين ، ذرة من ضمير لاشتعلت نار المجمع العلمى فى قلبك ، وأخذتك النخوة كما فعل البعض لتنقذ ماتبقى من الكنوز ، الحضارة والتاريخ حق للأجيال القادمة ، وأضعف الإيمان لتلقى قصيدة دفاقة رقراقة تؤثر فى الأفئدة ، فيتراجع المجرمون والمحرضون عن غيهم ، لكنه ظل عند رأيه ، يدافع عن فكرته المريضة ، الثورة العظيمة التى أطلقت الألسنة المسجونة ، ومنحتنا الحرية التى قيدها النظام الفاشل فسرها البعض ، أنها ثورة من أجل حرية بلا قيود أو حدود حتى وصلنا الى مانحن عليه ، فلم تسلم حتى صروح العلم من البلطجة ، طلاب الجامعات يتشابكون ويعتدون على بعضهم بالمطاوى من أجل فتاة ، اعتداء عشرون طالبا على مدرس فحاصروه بالأسلحة البيضاء ،وتباروا فى الضرب والركل أمام المدرسين ، لمجرد أنه حاول اقناعهم بحضور الحصص الدراسية والا يسجلوا غياب ، غابت القدوة فغاب الإنتماء ، وانقسم المجتمع بأسره الآن الى فريقين ، فريق يتشدد فى الدين ويحاول فرض أفكار تقيد الحريات ، وتعيدنا الى عصر الظلمات ، وفريق يطلق لحريته العنان دون وعى ، فيعيث فى الوطن فسادا ، وتقف مصر حائرة !! بين أبنائها الذين تناسوا أنهم بناة المجد فى الأمم ، بين المشهدين أشياء مشتركة ، القبح والحقد ، فكلا الرجلين ينشران عناقيد الظلام ، يمزقان طيور الحلم ، صورة بشعة لكل وطنى أحب مصر بإخلاص أيام ونحتفل بعيد الأم ، الأم التى تفتدى فلذة الأكباد بالروح كى تحمى الأجيال ، تسامح إذا أساءوا ، إذا عقوا العطاء ، إذا هرولوا كالقطيع الى الوراء ، ودون خجل يدقون الطبول ، ويستبدلون العلم بآخر شوه الميدان ، فى عيدك ياأمى نقول : آسفين ------- بقلم:مريم توفيق