حديث كل المصريين الآن، رسميين وشعبين، ويدور حول الدستور.. وكيف يتم تشكيل اللجنة التأسيسية التى ستضع الدستور الجديد رغم أننا كنا نفضل أن يأتى هذا التشكيل من خلال لجنة تأسيسية منتخبة.. ولكن عندنا تجربتان وكلاهما جاءتا من خلال ثورتين كبيرتين، الأولى ثورة شعبية شاملة هى ثورة 1919.. والثانية ثورة عسكرية حظيت بتأييد شامل من اليوم الأول هى ثورة 23 يوليو 1952. ورغم أن حزب الوفد الذى ولد من رحم الثورة الأولى رفض لجنة الدستور التى شكلها الملك فؤاد واعتبرها الوفد لا تمثل الأمة، لا تحقق مطالبها بل وأطلق عليها سعد زغلول صفة «لجنة الاشقياء» إلا أنه سرعان ما اعترف بمشروع الدستور الذى أعدته، رغم أنها فى نظره كانت لجنة حكومية. كما أن اللجنة التى وضعت دستور ثورة يوليو كانت معنية من مجلس قيادة الثورة وكان يملك أن يفعل ما يريد تحت بند الثورية الشرعية التى مهد لهم الطريق فيها الدكتور عبدالرزاق السنهورى رئيس مجلس الدولة وقتها. ** نقول إن كلتا اللجنتاين جاءتا متوافقتين مع طبيعة المجتمع المصرى وأيضا مع الأطياف التى يتكون منها هذا المجتمع.. فقد كان الهدف الذى طغى هو اعداد مشروع دستور يحقق للأمة أحلامها.. ويقلل من السلطات التى كان يتمتع بها الملك.. ويعطى كل السلطة للشعب.. تمامًا كما جاء مشروع الدستور الثانى ليحقق أحلام الأمة فى حمايتها مع الفساد. ونؤكد أنه رغم أن تشكيل اللجنة الأولى تم ومصر تغلى بالثورة منذ مارس 1919.. وأن تشكيل اللجنة الثانية جاء وقد كان مجلس قيادة الثورة يملك كل شىء.. تحت سقف هذه الشرعية الثورية ورغم ذلك جاء تشكيل كل لجنة منهما محققًا للتوافق بين كل أطياف واتجاهات المجتمع المصري.. أيامها.. ولكن كيف؟ ** فاللجنة الأولى تم تشكيلها من خلال حكومة عبدالخالق ثروت بالاتفاق مع الملك فؤاد يوم 3 أبريل 1922 بعد شهر وعدة أيام من تصريح 28 فبراير بإعلان استقلال مصر وتحويلها من سلطنة إلى مملكة. وتكونت اللجنة من 30 عضوًا غير الرئيس الذى كان هو حسين رشدى باشا ونائب الرئيس الذى هو أحمد حشمت باشا. وكانت اللجنة تضم مجموعة من المفكرين وذوى الرأى ورجال القانون والعلماء ورجال الدين السياسيين المعتدلين والأعيان والتجار ورجال المال - ولم يكن فيها أحد من العمال والفلاحين.. فهذه لجنة مهمتها وضع دستور!! - كما لم يكن حزب الوفد ولا الحزب الوطنى ممثلين فيها لأنهما لم يقبلا الاشتراك فى عضويتها. المهم كانت اللجنة تمثل كل أطياف المجتمع: الساسة ورجال الدين من المسلمين ومن المسيحيين.. وأيضا من اليهود، إذ كانت فى مصر جالية يهودية كبيرة.. وبالمناسبة كان بين أعضائها أكثر من عضو يهودى كان أبرزهم يوسف أصلان قطاوى باشا. ** وحدثت خلافات كثيرة حول مشروع هذا الدستور وبالذات حول سلطات الملك.. وسلطات الأمة حتى أنه نشب صراع قوى بين القصر الملكى واللجنة والحكومة حول مبدأ أن الأمة هى مصدر السلطات.. وحول موضوع السودان مما دفع عبدالعزيز فهمى - وكان ذا عقلية قانونية فذة - إلى كتابة خطابين إلى رئيس الوزراء عن خشيته من العبث بمواد مشروع الدستور هما من أعظم ما يعبر عن مدى تعطش البلاد إلى دستور قوى شامل يؤكد سلطة الأمة. رغم أن مصر كانت تعيش تحت سلطة الملك الذى كان سلطانًا حتى أيام قليلة مضت!! وتناولت هذه الخطبات الرأى فى تشكيل مجلس الشيوخ وهل من حق الملك أن يعين رئيس المجلس وحده وأيضا حق الملك فى إصدار مراسيم يكون لها قوة القانون حتى ولو أثناء انعقاد البرلمان! ** ونصل إلى تشكيل لجنة دستور ثورة يوليو فنقول إنه رغم أن نية مجلس قيادة الثورة كانت مبيتة على حل الأحزاب السياسية وهو ما تم يوم 17 يناير 1923 فإن اللجنة التى تشكلت بمرسوم صدر يوم 13 يناير جاءت لتمثل كل أطياف المجتمع المصري، وفى مقدمتهم أعضاء الأحزاب السياسية التى تم حلها بعد 4 أيام فقط!! أن ضمت اللجنة 50 عضوًا منهم ثلاثة من الذين وضعوا دستور 1923 و4 من الوفديين واثنان من حزب الدستوريين واثنان من السعديين وثلاثة من الإخوان المسلمين وثلاثة من الحزب الوطنى واثنان من الحزب الوطنى الجديد وثلاثة من رؤساء القضاء وثلاثة من رجال الجيش والبوليس المتقاعدين.. وانتخبت اللجنة على ماهر رئيسًا لها. ** وانتخبت اللجنة، لجنة فرعية من 15 عضوًا لوضع الخطوط العريضة ولجنة خماسية لنظام الحكم الواجب قيامه فى مصر وهو النظام الجمهوري، وأكدت اللجنة عدم صلاحية النظام الملكى لمصر. ورغم أهمية دستور 1923 إلا أن لجنة الثلاثين انتهت من اعداده فى نحو ستة أشهر بينما لجنة دستور 1954 انتهت من اعداده بعد أكثر من عام ونصف العام. ** وما يهمنا هنا هو أن أحدًا لم يفرض رأيه.. ولم تسد فئة على أخري.. لأن كلتا اللجنتين كانت تعمل من أجل الوطن.. فجاء تشكيلهما توافقيًا يمثل كل أطياف الأمة.. وهذا ما نطالب به الآن.. وإذا كان التيار الإسلامى هو الغالب الآن فهذا لا يعنى أن يكون تمثيل هذا التيار هو الغالب داخل تشكيل اللجنة. ** نحن نريد دستورًا لا نصنع به ديكتاتورًا جديدًا.. ولكننا لا نريد الرئيس رئيسًا شكليًا كما هو الحال فى النظم البرلمانية.. بل نريده رئيسًا وسطيًا يجمع بين سلطات النظام الرئاسي.. وسلطات النظام البرلمان. والأهم أن هذا لن يتحقق إلا بتشكيل لجنة تأسيسية تمثلنا نحن كل المصريين.. والأهم أيضا أن يتم ذلك بسرعة.. وبسرعة جدًا.