عندما التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الصيني في مزرعته في مار الاجو في أبريل الماضي، وجد الرئيس الصيني شي جين بينج وسيلة لاستمالة ترامب، قطب صناعة العقارات السابق، صاحب المزاج المتقلب. وأشاد ترامب "بالكيمياء الممتازة" التي سادت القمة في أجواء مشمسة في ولاية فلوريدا، وتنبأ بأن "مشاكل تنطوي على احتمالات في غاية السوء ستختفي". ومن المنتظر أن تستمر هذه العلاقة الخاصة عندما يرد الرئيس شي الجميل لترامب بترتيب استقبال خاص له عندما يبدأ زيارته للصين، يوم الأربعاء المقبل، بحسب ما أفادت وكالة رويترز. وازداد شي نفوذًا منذ اللقاء السابق، بينما تحيط بترامب غيمة سياسية بعد توجيه الاتهام لمدير حملته الانتخابية السابق في تحقيق موسع عن تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة لعام 2016. ويقول خبراء صينيون إن بكين تعلمت كيف تتعامل مع ترامب، الذي لم يسبق له أن شغل منصبًا عامًا، والذي شهدت إدارته في شهورها العشرة الأولى فترة عاصفة. وقال وانغ يي وي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رنمين، "الصين لديها رؤية موضوعية عنه. سنجعله يشعر بالارتياح. ربما ينتهي الأمر بإعادة انتخابه. ونحن بحاجة إلى النظر لهذا الأمر من منظور الأجل الطويل لا النظر إليه باعتباره "غريبًا" أو "أضحوكة". ومن الواضح أن ترامب يحترم شي. وفي مكالمة لتقديم التهنئة أشاد ترامب "بالترقية الاستثنائية" التي نالها شي الذي أدرجت أفكاره السياسية في دستور الحزب الشيوعي الشهر الماضي خلال المؤتمر الحزبي الذي كان بداية لفترة ولايته الثانية. وعلى متن طائرة الرئاسة في طريقه إلى آسيا أشار ترامب إلى مستويات سوق الأسهم القياسية وانخفاض البطالة وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط باعتبارها من مظاهر نجاحه. وقال ترامب إن الرئيس الصيني "يدرك ذلك وهو يحترم ذلك"، مضيفًا أن التجارة مازالت تمثل مشكلة في العلاقات. وأضاف "أعتقد أنه يعتبرنا أقوياء جدًا جدًا وأصدقاء جدًا أيضًا... علينا أن نحقق نتائج أفضل في التجارة مع الصين لأنها تسير في اتجاه واحد فقط الآن، وهي كذلك منذ سنوات عدة. وسوف نفعل ذلك". قال كوي تيانكاي سفير الصين لدى الولاياتالمتحدة إن ترامب سيشهد تجربة "تفوق زيارة الدولة" في بكين. ولم يتضح ما تعنيه كلمة "تفوق" في هذا السياق. ومن المتوقع أن يتوجه ترامب إلى المدينة المحرمة ويشارك في تفقد القوات الصينية لكن بكين لم تكشف عن تفاصيل أخرى تذكر. وقال تينغ جيانكون رئيس قسم الدراسات الأمريكية في المعهد الصيني للدراسات الدولية التابعة لوزارة الخارجية إن المراسم ستجعل ترامب "مبتهجا بالعظمة". وأضاف "لابد لنا من انتهاز صفاته الخاصة مثل حب الإحساس بالرضا الفوري ونرتب بعض الأمور التي تحقق نتائج فورية". وعلى الصعيد التجاري يعني ذلك سلسلة من الصفقات ومخاوف بين البعض في مجتمع الأعمال الأمريكي من أن يتم استرضاء ترامب بعدد محدود من التعاقدات بدلا من حل الشكاوى القديمة الخاصة بالسياسات الصينية التمييزية والقيود على دخول الأسواق. وقال تشنغ تسه قوانغ نائب وزير الخارجية الصيني للصحفيين يوم الجمعة إن الصين "ستخلق جوا طيبا" بأنشطة غير رسمية للرئيسين حتى يكون لديهما الوقت الكافي للحديث عن القضايا المهمة. وقال تشنغ إن ترامب وزوجته ميلانيا استقبلا شي وزوجته بينغ لييوان في قمة ابريل استقبالا "حافلا للغاية فيه ود ومراعاة". وأضاف "والشعب الصيني يطالب برد الكياسة بمثلها". وترامب شخصية لها شعبيتها بين كثيرين في الصين معجبين بفراسته في عالم الأعمال فهو في الصين ليس بالشخصية الاستقطابية المعروفة في الولاياتالمتحدة وبين حلفائها في أوروبا وغيرها. وبمناسبة الإعلان عن زيارته للصين نشر حساب وي تشات لصحيفة الشعب الرسمية اليومية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي صورة للرئيس ترامب وهو يبتسم ابتسامة عريضة تحت عنوان "ترامب قادم". وقبل أيام من تولي ترامب منصبه كان شي المتحدث الرئيسي في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي يطرح دفاعا بليغا عن العولمة. وقام الرئيس الأمريكي بسحب بلاده رسميا من الشراكة عبر المحيط الهادي في أول أسبوع له في السلطة مباعدا بذلك بين أمريكا وحلفائها الآسيويين. وقال دبلوماسي غربي في بكين إن رؤية شي القوية الواثقة للصين تتناقض مع تصورات بأن ترامب يميل فيما يبدو إلى فتح نزاعات. لكن ليس مع الصين. فقد نحى ترامب بعد توليه منصبه شكاواه من الصين في التجارة والعملة، والتي كان له صوت عال في الحديث عنها خلال الحملة الانتخابية، وذلك لاستمالة الصين لاستراتيجيه الخاصة بفرض عقوبات على كوريا الشمالية بسبب تصعيد اختباراتها النووية والصاروخية. واستطاعت بكين التوافق معه عندما شعر بخيبة أمل. فبعد أيام من التغريدة التي أطلقها ترامب في الرابع من سبتمبر أيلول وقال فيها إن الولاياتالمتحدة تدرس إمكانية "وقف كل أشكال التجارة مع أي دولة لها علاقات عمل مع كوريا الشمالية" أمرت الصين بإغلاق جميع الشركات الكورية الشمالية العاملة داخل حدودها وحظرت صادراتها من المنسوجات وقللت صادرات النفط الصينيةلكوريا الشمالية. إلا أنه في ضوء شغل كوريا الشمالية لمعظم اهتمام إدارة ترامب في آسيا يبدو أن الاهتمام تراجع بما تفعله الصين من بناء منشآت عسكرية على جزر صناعية في مياه متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. ولا تزال بكين تشعر بالتوتر بسبب دوريات "حرية الملاحة" التي تقوم بها البحرية الأمريكية في المنطقة والتي استمرت في عهد ترامب. وقال مسؤول صيني له صلات بالجيش طلب عدم الكشف عن هويته "ترامب يتمتع بشعبية كبيرة لدى الجيش (الصيني). إنه لشيء عظيم بالنسبة للصين أن تكون الولاياتالمتحدة في حالة فوضى. فهذا معناه أننا لسنا بحاجة لأن نخشى أنهم سيتحدوننا". وستتيح جولة ترامب في آسيا على مدار 12 يوما، وهي أطول رحلة من نوعها لرئيس أمريكي خلال ربع قرن، فرصة لطمأنة الأصدقاء والحلفاء في المنطقة الذين أبدوا شكوكهم في سياساته التي تحمل شعار "أمريكا أولا". وقبل رحلته إلى الهند الشهر الماضي انتقد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الصين لسياساتها الاقتصادية "الضارية" و"أفعالها الاستفزازية في بحر الصين الجنوبي". وفي المؤتمر الحزبي الشهر الماضي طرح شي رؤيته لازدهار الصين وتأكيد دورها وتبوؤها مكانة أكبر على المسرح العالمي.