كما يدمر بعض المذيعين قواعد وأصول البرامج الحوارية، في كل القنوات التليفزيونية والفضائيات.. يدمرون اليوم قواعد وأصول اللغة العربية.. ولا خلاف أن كثيراً من البرامج الحوارية الآن تتجاوز كل الحدود.. وتتخطي كل القواعد والأصول.. بل كثيراً ما نجد فيها اعتداءً علي الاخلاق وعلي الآداب العامة وايضا الأعراف والتقاليد التي تربي عليها كل المصريين من آلاف السنين.. حتي أنني أقف حائراً متسائلاً: ماذا جري لمصر وتقاليدها وأخلاقها.. ليس فقط أننا نسينا - أو تجاهلنا - كلمات مثل آسف وعفواً وسامحك الله ولكن لأن بعض هذه البرامج الحوارية أصبحت مثل «حوش بردق» وأصبحنا نسمع فيها ما كان يقوله قلة منا في «الحوض المرصود».. وكانت منطقة معزولة تماماً عن باقي مناطق القاهرة المحروسة.. فهل هذا من فعل الثورة؟.. لا أعتقد فالثورة بريئة من كل هذا.. حتي وإن كانت الثورات تحمل أحيانا بعض الكلمات الثورية ربما بسبب الانفعال الشديد الذي يصاحب الثورات. ولكن إذا كان الزمن يمكن أن يعالج هذا الانفلات الإعلامي التليفزيوني ويعيد إليه بعض الاتزان والأخلاق بعد أن تستقر الأوضاع السياسية.. فأن الجريمة الأكبر التي يرتكبها بعض المذيعين والمذيعات هي في الاعتداء علي اللغة العربية وقواعدها، ليس فقط في نطق الكلمات.. ولكن أيضاً في نطق اسماء الأشخاص والأماكن بالعربية.. والانجليزية.. حتي اسماء البسيطة.. وزمان لو كان أحد المذيعين قد أخطأ كان سريعاً ما يعتذر، الآن لا أحد يعتذر.. وكأنه يخشي إن اعتذر أن يخطئ في الاعتذار. والقضية هي في نطق اللغة العربية.. ويبدو أنهم لم يتعلموا قواعد هذه اللغة في المدرسة. أو تعلموها ثم ضاعت من ذاكرتهم. وقد يكون هذا مسموحاً به في أي عمل إلا المذيعين والمذيعات.. ولهذا كان هناك معاهد ومراكز لتدريب المذيعين والمذيعات علي استعادة قواعد اللغة العربية.. وأتذكر استاذنا الكبير عبدالحميد الحديدي الذي كان كبيراً للمذيعين في الاذاعة المصرية - قبل ظهور التليفزيون - يدرس لنا قواعد الإلقاء مركزا جهده علي تعليمنا المخارج السليمة للكلمات إذا تحدثنا.. حقيقة لم يكن يدربنا - ونحن طلبة في قسم الصحافة في خمسينات القرن الماضي - لكي نصبح مذيعين.. ولكن لكي نكتب بلغة عربية سليمة، كما كانت اللغة العربية مادة اساسية ندرسها ومن السنة الأولي بقسم الصحافة، وكان يتولي تدريسها لنا الدكتور إبراهيم جمعة رحمه الله فأين هذا مما نراه ونعيشه الآن. وكان هناك - في الاذاعة المصرية - معهد للتدريب الاذاعي يلتحق به كل من يقع عليه الاختيار ليعمل بالاذاعة محرراً أو مذيعاً أو مخرجاً أو معداً. ولم يكن أحدهم يجلس خلف الميكروفون إلا بعد أن يجتاز امتحانات رهيبة.. فهل مازال هذا المعهد قائماً.. أم تم إلغاؤه بدعوي التطوير! واتذكر هنا وقد بدأت بعض مظاهر «التحلل» من قواعد اللغة العربية أن عمد أحد كبار مذيعي العصر الذهبي للإذاعة المصرية هو الأستاذ طاهر أبوزيد إلي انشاء جمعية للمحافظة علي اللغة العربية وقواعدها.. ولكن الرجل رحل دون أن نجد أحداً غيره يسعي إلي المحافظة علي اللغة العربية التي تحمل حتي في طريقة نطقها إحدي قواعد جمالياتها الرائعة.. وإذا كان معهد التدريب الاذاعي يكتفي بقبول المرشحين للعمل في الاذاعات المصرية الرسمية.. فأن أحداً لا يفكر في انشاء معهد مماثل للمرشحين للعمل في القنوات الفضائية وما أكثرها الآن، ليس في مصر وحدها. ولكن علي مستوي الدول الناطقة بالعربية.. وأنا علي ثقة من شدة حاجة المذيعين والمذيعات لمثل هذا المعهد.. وربما نجد بعض العذر لهؤلاء من أصحاب البرامج الحوارية في برامجهم هذه.. وربما لأن بعضهم لم يتدرب إذاعياً ولا لغوياً، بحكم أن كثيراً من هؤلاء هم من نجوم الصحافة أو الساعين إلي النجومية جرياً وراء الأموال والأجور العالية. ولكن ماذا نقول في قارئ نشرات الأخبار، الذين يقرأون علي الشاشة ما يقدم لهم عبر أجهزة عصرية حتي لا يضطر إلي القراءة من الأوراق. هنا يجب علي المذيع والمذيعة أن يقرأ - وقبل أن يخرج علي الهواء - نص النشرة حتي لا يفاجأ بكلمة يصعب عليه تلاوتها وقتها بالطريق الصواب.. لأنه إن قرأها قبيل النشرة.. سوف يتلافي كثيراً من الاخطاء.. هذا إن كان عنده وقت لذلك.. وهذا الكلام ليس موجهاً فقط للمذيعين والمذيعات.. ولكنه أيضاً موجه في المقام الأول لمحرري نشرات الأخبار.. لأنه لو كان ملماً بقواعد اللغة فسوف يحرر نشرته سليمة صحيحة ليقرأها المذيع.. كما كتبت.. ولكن ماذا نقول في بعض محرري الاخبار وأيضاً في بعض معدي البرامج الحوارية؟! أما الأخطاء البشعة التي يقع فيها معظم هؤلاء فهي في طريقة نطق الاسماء الأعجمية، أي اسماء الاشخاص الأجانب.. وأيضاً اسماء الاماكن بل والدول.. حتي أنني أشد شعري وأنا أتابع هذا أو ذاك.. فماذا أفعل بعد أن ذهب معظم شعر رأسي!! اعيدوا معاهد تدريب المذيعين أو افتحوا الجديد منها.. هذا إن أردتم أن تحافظوا علي لغتنا العربية.. وحتي لا أفقد ما بقي من شعر رأسي!