رغم التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية بحلول الربيع, إلا أن التطورات في الأيام الأخيرة أربكت كافة حسابات تل أبيب في هذا الصدد. ففي 21 فبراير, أعلنت إيران عن بدء مناورات جوية كبرى أطلقت عليها اسم "ثأر الله" لتعزيز دفاعها المضاد للطيران في مواقعها الحساسة, لا سيما النووية منها. وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن هذه المناورات التي تستمر أربعة أيام ستجري في النصف الجنوبي من البلاد, موضحة أنها ستشمل مجموعة كبرى من الصواريخ وأنظمة الرادار والطيران الإيرانية. واللافت إلى الانتباه أن التطور السابق جاء بعد أيام من إعلان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في منتصف فبراير عن نجاح بلاده في إنتاج قضبان الوقود النووي المخصب بنسبة 20 بالمائة رغم التعقيد البالغ لهذه التقنية ورغم رفض الوكالة الدولية للطاقة الذرية تزويد مفاعل طهران للأبحاث بها، مؤكدا أن اغتيال العلماء وفرض العقوبات لن يزعزع إرادة الشعب الإيراني في مسيرته العلمية. ولم يكتف نجاد بما سبق , بل إنه أكد أيضا أن طهران قامت بنصب 3 آلاف من أجهزة الطرد المركزي من الجيل الجديد في منشأة نتانز النووية, ليبلغ بذلك عدد أجهزة الطرد المركزي الموجودة لدى إيران 9 آلاف جهاز. وفيما أكد أن السلطات الإيرانية ستضمن "الحماية الكاملة" للعلماء الإيرانيين العاملين في المجال النووي, كشف نجاد أيضا أنه أمر ببناء 4 مفاعلات جديدة في أماكن مختلفة من البلاد لإنتاج نظائر مشعة تستخدم لعلاج مرض السرطان. ويبدو أن واشنطن باتت واثقة من تطور قدرات إيران النووية والعسكرية, ولذا ظهرت تصريحات وتقارير تؤكد أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تضغط بقوة على تل أبيب للتراجع عن خططها لتوجيه ضربة عسكرية لإيران بحلول الربيع. ففي 19 فبراير, أعلن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي أن شن هجوم عسكري على إيران أمر سابق لأوانه لأنه ليس واضحا إن كانت طهران ستستخدم بالفعل قدراتها التكنولوجية لتصنيع قنبلة نووية. وأضاف ديمبسي في حديث لشبكة "سي ان ان" الإخبارية الأمريكية أنه من الأفضل للولايات المتحدة وحلفائها التمسك بالعقوبات الدولية والدبلوماسية لمحاولة إقناع طهران بعدم استخدام برنامجها النووي في أغراض عسكرية. وفي السياق ذاته, ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في تقرير لها في 21 فبراير أن الولاياتالمتحدة تسعى لإثناء تل أبيب عن شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية وإعطاء فرصة للعقوبات الدولية. وأضافت الصحيفة أن مستشار الأمن القومي الأمريكي توم دونيلون زار تل أبيب في 19 فبراير, كما أنه من المتوقع أن يصل إلى إسرائيل أيضا خلال أيام جيمس كلابر مدير الاستخبارات الأمريكية, وذلك في إطار الضغط على تل أبيب للتراجع عن نواياها ضد إيران. كما كشفت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في 20 فبراير أن الولاياتالمتحدة وجهت تحذيرا واضحا لإسرائيل من مغبة شن هجوم على إيران قد يزعزع استقرار المنطقة، عن طريق مستشار الأمن القومي الأمريكي توم دونيلون الذي التقى نتنياهو في تل أبيب في 19 فبراير. بل وفجرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في 20 فبراير مفاجأة مفادها أن إسرائيل تواجه تحدياً كبيراً في حال قررت شن هجوم عسكري على إيران, وهي بحاجة إلى 100 طائرة مقاتلة على الأقل. وفي تقرير لها تضمن مقابلات مع مسئولين عسكريين أمريكيين ومحللين مقربين من البنتاجون، أضافت الصحيفة أنه في حال قررت إسرائيل قصف إيران سيتعين على طياريها التحليق لمسافة ألف ميل فوق مجال جوي غير ودي، والتزود بالوقود في الهواء، ومحاربة الدفاعات الجوية الإيرانية، ومهاجمة مواقع متعددة تحت الأرض في الوقت عينه، واستخدام 100 طائرة على الأقل. ونقلت عن الجنرال المتقاعد بالاستخبارات التابعة للقوات الجوية الأمريكية ديفيد ديبتولا، والذي شارك في التخطيط للقصف الجوي الأمريكي في أفغانستان وحرب الخليج الثانية، القول في هذا الصدد إن توجيه ضربة إلى إيران لن يكون بهذه السهولة. كما نقلت الصحيفة عن مايكل هايدن، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي اي ايه" بين عامي 2006 و2009، القول إن الضربات الجوية القادرة على وضع حد للبرنامج النووي الإيراني تفوق قدرات إسرائيل، وعزا ذلك بشكل جزئي إلى المسافات البعيدة التي يتعين على الطائرات الإسرائيلية أن تجتازها. وتابع هايدن أنه سيتعين على إسرائيل أن تضرب أربع منشآت نووية والطرق التي يمكن أن تسلكها هي عبر الأردن والعراق والثاني عبر السعودية والثالث عبر تركيا. وأضاف " طريق العراق هو الأكثر سهولة وواقعية حيث لا توجد دفاعات جوية عراقية، كما أنه بعد الانسحاب الأمريكي لم تعد الولاياتالمتحدة مجبرة على الدفاع عن الأجواء العراقية, إلا أن المشكلة تكمن في بعد المسافة التي تبلغ حوالى ألفي ميل، حيث ستحتاج الطائرات إلى التزود بالوقود في الجو, هذا بالإضافة إلى المسافة التي يمكن للطائرات أن تحتاجها لمراوغة الدفاعات الجوية والطائرات الإيرانية, ما يصعب ويعقد المعركة أمام الطيران الإسرائيلي". وأشار هايدن إلى أن إسرائيل تملك 8 طائرات لتزويد المقاتلات بالوقود , لكن ليس جميعها قادرة على الطيران لساعات طويلة, واختتم تصريحاته لصحيفة "نيويورك تايمز" قائلا إن مسئولين أمريكيين يعتقدون أيضا أنه من الصعب اختراق التحصينات الإيرانية ويخشون من رد إيراني يستهدف إسرائيل, ما يهدد بحرب واسعة في الشرق الأوسط. ويبدو أن إيران تعي جيدا المأزق الإسرائيلي والأمريكي, ولذا واصلت تحديها للضغوط الغربية الهادفة لإجبارها على التخلي عن برنامجها النووي, بل وفاجأت أيضا نتنياهو بإنجازات نووية جديدة في الأيام الأخيرة , ما أربك حساباته تماما.