أوضحت لجنة الفتوى، التابعة إلى مجمع البحوث الإسلامية، أن الفقهاء قد اختلفوا حول حكم المبيت بمزدلفة للحاج ليلة النحر، على ثلاثة أقوال: القول الأول: المبيت بمزدلفة ركن لا يصح الحج إلا به، كالوقوف بعرفة، وذهب إلى هذا القول جماعة من أئمة التابعين، منهم: علقمة والأسود والشعبي والنخعي، والحسن البصري رحمهم الله. القول الثاني: المبيت بمزدلفة واجب، فلو تركه الحاج صح حجه وعليه دم "شاه"، وهذا مذهب الحنفية والأصح عند الشافعية، والحنابلة. القول الثالث: أن المبيت بمزدلفة سنة، وهذا مذهب المالكية، وأحد القولين عند الشافعية. وتابعت لجنة الفتوى، أن القول الراجح، هو أن المبيت بمزدلفة واجب يلزم بتركه بغير عذر دم وهو مذهب الحنفية والأصح عند الشافعية، وذلك لقوة أدلتهم، مدللة على ذلك بما روي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ". وأكدت لجنة الفتوى، أنه بناءً على هذا القول فأن ترك المبيت بمزدلفة لا يفسد الحج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الْحَجُّ عَرَفَاتٌ فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ" فدل هذا الحديث على أن إدراك الحج يتوقف على إدراك عرفة، ولو كان المبيت بمزدلفة ركنًا لم يكن الوقوف بعرفة كل الحج بل بعضة، ولم يكن أيضًا مدركًا للحج بدونه، وهذا خلاف الحديث. كما يستدل لهذا القول على وجوب الدم على من ترك المبيت بمزدلفة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما من ترك نسكًا فعليه دم، والمبيت نسك فيلزم بتركه دم.