هو من الشخصيات التي يجب أن تصمت، وإذا لم يفعل من تلقاء نفسه فيجب أن نبحث له عن وسيلة لذلك، إنقاذا للوطن من مشاكل قد يجرها عليه حديثه وطبيعته. وصمته في هذه الحالة ليس من ذهب فقط وإنما من ياقوت ومرجان.. يذكرني حديثه بمشهد مضى حينما كان رجل في الحارة يضع في فمه بنزينا فيتطاير اللهب أمامه فلا تملك سوى أن تشيح بوجهك عنه حتى لا يحترق.. فما بالك إذا كان الكلام يتعلق بوطن تمتد فيه الحرائق بالطول والعرض! كنا ننتظر من رجل في مثل منصب المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة أن يلعب دور «الإطفائي» ولكن يبدو أن مصر تعيش ما يمكن وصفه بحالة نكبة في رجالها الذين تنتظر منهم الوقوف بجانبها لإخراجها من محنتها بعد الثورة، فلا تجد منهم سوى اللعب على النزاعات الضيقة التي قد تصب في الأمجاد الشخصية أو تصفية الحسابات ليس إلا!. وإذا لم تصدق فما عليك سوى أن تراجع سجله وستجد أنه مليئا بالتحريض على المعارك. ويأبي الرجل إلا أن يكون في قلب المشهد بأي ثمن حتى لو كان خوض معركة جديدة قد تحقق بعض أهدافه لكنها لا شك ستحقق أهدافا أخرى غير مرغوبة تنال في النهاية من هيبة القضاء الذي لم نعتد على دخوله في معارك جانبية وثانوية، وترفعّه عن مثل هذه المعارك حتى أصبح «أيقونة» يكاد أن يتم تقديسها من فرط نزاهتها. آخر معارك الزند والتي يهيئ لها الوقود بتصريحاته لتزداد اشتعالا، ونجح في ذلك من خلال الردود التي توالت من قبل الطرف المضاد، تلك المتعلقة بالموقف من نواب مجلس الشعب على خلفية مطالبة عدد منهم بعزل النائب العام. فقد راح في أسلوب يعبر عن طبيعة شخصيته التي تتسم بالحدة ( من ذلك مثلا وصفه لأوائل خريجي الحقوق ب «الغوغاء») يحذر من أن يلفظ النواب بمثل هذا الأمر مرة ثانية مهددا إياهم بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا ما أقدموا على مثل تلك الفعلة ثانية. اقرأ كلماته التي تقول «اعزلوا هذه الكلمة عن ألسنتكم وعقولكم، ولا يوجد أحد قادر على عزل معاون للنائب العام»، محذرا على هذا الأساس من حدوث صراع بين السلطتين القضائية والتشريعية، ومعتبرا ذلك خطرا داهما لن يبقي شيئا وفق ما نشرته الصحف من تصريحات منسوبة له. لن أفتي بشأن مشروعية عزل النائب العام من عدم مشروعية ذلك، ولن أتناول منطقية الأسباب التي يطرحها البعض لذلك من عدم منطقيتها، ولكن السؤال الطبيعي الذي يفرض نفسه أليس الشعب الذي خلع مبارك بقادر على أن يخلع غيره إذا ما رأى الأسباب الموجبة لذلك؟ وهل الوضع القانوني للنائب العام يبرر له أن يفعل ما يريد دون خشية حساب أو وقفة معه؟ لقد بدا الزند في تصريحاته «نائبا عاما» أكثر من النائب العام ذاته، ما يعزز ما نشير إليه بشأن طبيعة شخصيته المشاكسة المحبة للمعارك والعاشقة لها! المثير للدهشة أن الزند لم يكتف بذلك وإنما راح يرمي بقذائفه في إتجاهات أخرى رافضا دعاوى تطهير القضاء مستنكرا اللفظ ذاته قائلا: «المقابل لكلمة التطهير هو النجاسة، ولا يوجد مؤمن نجس». ولا ندري لماذا يريد الزند أن يستثني القضاة من فئة البشر ويرقيهم إلى مصاف الملائكة.. وما نظنه – وقد لا يكون هناك خلاف عليه – أن مصر في مرحلتها الحالية بحاجة إلى عمليات تطهير شاملة في مختلف المجالات من إعلام وأمن وقضاء وغيره. يحضرني هنا عبارة ما زلت أتذكرها للمرحوم مصطفى شردي حيث كان يقول لنا بالحرف: يا ولاد أوعوا تفتكروا القضاء نزيه تماما فهناك فساد به ولكننا لا نقول ذلك فهو الحصن الأخير الذي لا ملاذ بعده سوى الله».. كان ذلك منذ أكثر من عشرين عاما ولم يكن نظام مبارك قد أفسد مصر بكل ما فيها على النحو الذي وصلت إليه في آخر أيامه .. فما بال الزند يحاول أن يغيب عقولنا لينفي وجود بقع ملوثة في ثوب القضاء الناصع البياض! بعد تصريحات الزند الأخيرة ومستعيدا دوره في معارك سابقة على رأسها المعركة مع المحامين.. رحت أتساءل عن تفسير لشخصية الرجل باعتباره رمزاً لنماذج نصادفها في حياتنا وفي مرحلة حساسة من مسيرتنا؟ تذكرت ما قرأته من تصريحات للمستشار محمود الخضيري النائب السابق لرئيس محكمة النقض والتي أشار فيها إلى أن الزند يسعى لتحقيق «مجد شخصى». تساءلت بيني وبين نفسي عما إذا كان إلى هذا الحد يمكن ان تهون مصلحة الوطن إذا صح التفسير؟ تذكرت حالات كثيرة .. ألمسها وتعيش بيننا وانكشف أمرها بعد الثورة.. لم أملك سوى أن أدعو لمصر أن ينقذها من شر أبنائها باعتبار أنها كفيلة وقادرة على أعدائها!