ليت الزميل الأستاذ خيري رمضان لم يحاور الملا الإيراني محمد علي التسخيري. فهو لم يحاوره كما يجب، إنما استسلم لآرائه الدعائية التضليلية بشكل غير مفهوم، وكأن خيري كان قادمًا من كوكب آخر لا يدري شيئًا عما يحدث على كوكب الأرض في ذلك الحوار الذي بثته فضائية cbc مؤخرًا، وهو ما يمثل خصمًا من رصيده المهني، وليس إضافة له. بدا لي الإعلامي اللامع مثل تلميذ لم يذاكر دروسه جيدًا، فكان أداؤه أقلَ من المتواضع. طرفا أي حوار هما: المحاور، والضيف، وأحيانًا يتفوق المحاور على ضيفه بقوة أسئلته، وإحاطته بالموضوعات التي يطرحها، وحصاره لضيفه لينتزع منه ما يخبئه، أو ما لايريد قوله، ليجلي الحقيقة، ويشبع نهم القارئ، أو المستمع، أو المشاهد، للمعرفة، لكنْ خيري كان دون المستوى، واستسلم لما يقوله التسخيري في مجمل الحوار. ولو افترضنا أنه كان صعبًا عليه مجاراة هذا الملا في الجانب الديني المذهبي ، فكيف يسقط في الجانب السياسي الخاص بالشأن الجاري المتعلق بالثورة في سوريا؟. التسخيري قال كلامًا متهافتًا يمكن الرد عليه بسهولة، بل وإحراجه، ومحاصرته من أي متابع عادي للأحداث، وليس من صحفي، وكاتب، ومقدم برامج متمرس مثل خيري. يبدو أنها مشكلة الإعلام، والإعلاميين المصريين، حيث الإغراق في الشؤون المحلية، دون الاهتمام بعمق فيما يحدث خارج مصر، وهذا يتضح عندما يحاورون ضيفًا غير مصري، أو يطرقون قضية خارجية. لكن أن يظهر خيري رمضان ضعيفًا في أسئلته، ونقاشه مع رجل دين إيراني موجه فإن ذلك كان أمرًا صادمًا لي على الأقل. فهل لم يكن مستعدًا للحوار، وكأنهم أخذوه على عجل من الفندق في طهران - حيث كان يقيم في ضيافة ملالى وآيات الله - إلى التسخيري ليحاوره ، وحتى لو كان الأمر كذلك، فإنه يفترض في إعلامي مثل خيري أن يكون لديه إلمام، وثقافة، وذخيرة معرفية، ومتابعة دؤوبة، تمكنه من مناقشة أي ضيف باقتدار، وفي أي ظرف. كان أول سؤال وجهه خيري، للتسخيري عن موقف إيران من ثورة سوريا، فهي تهلل للثورات العربية، ثم عند سوريا تصمت عن قتل الشعب، بل تدعم النظام القاتل، وهنا استلمنا التسخيري شرحًا، وتحليلاً بالباطل لتأكيد أنه لا توجد ثورة، ولا مظاهرات شعبية من الأصل في سوريا، إنما فقط هناك تخريب من فئتين هما: جماعات سلفية تكفيرية، وجماعات تنتمي للقاعدة. العتب هنا على خيري ذلك أنه استسلم لما زعمه ذلك الملا، ولم يرد عليه بما كان متوقعًا منه ليفند أباطيله، ويفحمه، ويسقط كلامه المتهافت المنفصل عن الواقع، حيث كان كمن يحاول إخفاء ضوء الشمس بغربال. الذي قاله التسخيري خارج عن الواقع، لأن النظام السوري نفسه يعترف بوجود فئة لها مطالب، لكنه يركز على كذبته الكبرى بوجود جماعات إرهابية مسلحة تروع المواطنين، ويدعي أنه يستهدف هذه الفئة، والنظام السوري لم يقل بوجود القاعدة، هو أعلنها مرة واحدة، ثم تراجع عنها سريعًا. وحلفاء الأسد - قبل من يقفون ضده - يقرون بوجود مظاهرات ومطالب للشعب السوري، ويطالبون بإيقاف العنف، وآخرهم لافروف وزير خارجية روسيا التي تحمي مع الصين الأسد من الإدانة الدولية، إلا التسخيري الذي لا يرى في المشهد إلا التكفيريين، والقاعديين فقط، وحتى النظام الديني الذي ينتمي إليه فإنه يعترف بحراك شعبي، لكنه يخفيه سريعًا بمطالبة الشعب السوري بالوقوف مع النظام لأنه مقاوم!، ومع ذلك لم ينجح خيري في إنصاف الشعب السوري الذبيح بعجزه عن الرد على حديث الإفك، وكأنه لا يتابع الملف السوري، لذلك أصابني بالدهشة والصدمة. خطورة ما قيل أن من تابع الحوار، واستمع إلى رجل دين معممًا مسؤولاً عن التقارب بين المذاهب والأديان يقول إنه لا توجد ثورة، أو مظاهرات سلمية، أو حتى مطالب شعبية بالتغيير في سوريا، إنما فقط جماعات سلفية تكفيرية، وجماعات تنتمي للقاعدة، فربما يقتنع بما يقال، ويسير وراءه.وخطورته أيضا أنه يقال في فضائية مصرية تتبنى خطاب الثورة المصرية، أو هكذا تحاول أن تكون. الموضوع السوري يتصدر الأحداث الآن لشراسة حرب الإبادة من النظام ضد شعبه، والمعلومات حوله متوفرة، وكثيرة، والردود على أي أكاذيب سورية، أو من حلفائها من أمثال التسخيري من أسهل ما يكون، يكفي عدد الأطفال والنساء القتلى، وتكفي المجازر ضد حمص، وتكفي شهادات المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمنظمات الحقوقية الدولية عن الجرائم الأسدية ضد الإنسانية، ويكفي أن العالم كله باستثناء المستبدين من أمثال الأسد – إيران، وروسيا، والصين، وحزب الله - يدينون المجازر ضد الشعب الرهينة بأيدي نظام وحشي. وخيري أخفق في إدارة حوار يليق به، فهل كان خجلاً لأنه في ضيافة النظام الإيراني حيث أخذ يشيد بطهران رغم أنها تئن تحت وطأة حكم مستبد أسال في شوارعها في 2009 دماء شعبه الذي خرجت جماهير عريضة منه في ثورة سلمية خضراء احتجاجًا على تزوير الانتخابات لصالح الرئيس الحالي أحمدي نجاد. والقمع سياسة منهجية ثابتة للنظام يمارسها ضد أصحاب الرأي الآخر من أبناء النظام ممن يطلق عليهم الإصلاحيين. مثلاً هل يعلم الأستاذ خيري أن مرشحي الرئاسة مير حسين موسوي، ومحمد مهدي كروبي مفروض عليهما إقامة جبرية، إن لم يكونا في السجن، وكذلك الرئيس السابق محمد خاتمي، والثلاثة ممنوعون من التواصل مع أحد، أو مع الإعلام، لأنهم قادوا الاحتجاجات على تزوير الانتخابات رغم أن الثلاثة من أبناء النظام المخلصين. ماهو الجميل في هذا البلد حتى يذهب 140 مصريًا منهم خيري رمضان إلى طهران للمشاركة في مؤتمر أطلق عليه الإيرانيون عنوان الثورات والصحوة الإسلامية، حيث زعموا خلاله أن الثورة المصرية هي امتداد للثورة الإسلامية في إيران. إيران قدمت نموذجا منفرا لثورة إسلامية، أو غير إسلامية .فالملالى خطفوا الثورة التي شاركت فيها كل التيارات من أقصى اليمين لأقصى اليسار، ثم جيروها لأيدلوجيتهم الدينية الطائفية المذهبية مكرسين دولة دينية شوهت الإسلام والمسلمين والثورات من هذا النوع. الثورة المصرية ليست أبدًا امتدادًا للثورة الإيرانية. ونربأ بها أن تكون كذلك.