«الصعايدة» و«أبوديهوم» و«الكاشف» و«أبوخشم» و«أبوعويس» فى انتظار كارثة مياه الشرب ملوثة ومياه الرى تدمر الزراعات لا صرف صحيًا ولا طرق مرصوفة.. و60٪ من الأهالى مصابون بفيروس «سى» سقطت عدة قرى تابعة لمركز إطسا بمحافظة الفيوم بين براثن الفقر والمرض والجهل لتغادر ذاكرة الوطن. وبين الروتين والمركزية والفساد الإدارى وجدت عشرات القرى نفسها على خريطة النسيان بسبب الإهمال الحكومى وتجاهل المسئولين. وليس صحيحًا أن مواطنى قرى الصعايدة، وعزبة عبدالعظيم حسن، وأبوديهوم، والكاشف، وأبوخشم، وقرية أبوعويس، والبرنس، مواطنون من الدرجة الثانية، أو أنهم ليسوا محتاجين إلى الخدمات الحكومية، لكن الصحيح أن الفساد والفشل الإدارى حطم جميع جهود تنمية هذه القرى، وأعاق أهلها عن التمتع بالحياة الكريمة والآدمية، فالفساد والفشل أصبحا حائطًا منيعًا لحصول تلك القرى على حقوقها، ومنعاها من معرفة النور والحياة، وحرماها من أبسط الحقوق، حتى لو أن بعضها يسعى كى يشق لنفسه طريقا نحو التنمية بالجهود الذاتية من خلال التبرع بمساحات من الأراضى لبناء مدرسة أو مستشفى تخدمهم. ولا تختلف حياة الأهالى كثيراً عن حياه الموتى، إذ يسيطر الفقر والمرض على القرى منذ عقود، رغم وعود الحكومة بالقضاء عليه، فضلًا عن أنه يزداد خطورة وتفاقما، فى تلك القرى التى تختلط فيها مياه الشرب بمياه الصرف الصحى، والآمال بالآلام، وتصطدم أحلام الأهالى بحياة كريمة تؤمنهم، وتحقق الاستقرار لهم ولأولادهم، بواقع مؤلم ينزل بإنسانيتهم وآدميتهم من أسمى الدرجات إلى أدنى الدركات، دون أن يُسمع لهم رأى، أو تحل لهم شكوى، أو تستجاب لهم مناشدة. ويبدأ الإهمال فى تلك القرى منذ شروعك فى استقلال سيارة أجرة «صندوق» كما يطلق عليها البعض، للوصول إلى منازلهم بعد قضاء احتياجاتهم فى المحافظة أو باقى المدن الأخرى للفيوم، وتمثل تلك السيارة رحلة الموت بالنسبة لقاطنى هذه القرى بسبب ضيق مساحتها التى لا تستوعب أكثر من 8 أفراد.. لكن السائقين يصرون على تحميل 12 راكبًا داخلها دون رقابة من الجهات المسئولة فى المحافظة وهو ما يجعل الأهالى يطلقون عليها «رحلة الموت»، بالإضافة لسوء حال الطرق التى تسير عليها وعدم وجود عناصر المرور لضبط الحالة المرورية ومنع الأطفال من قيادة السيارات الأجرة. وتسير السيارات لأكثر من 27 كيلومترًا على طرق ترابية لا تصلح للسير. تبدأ السيارة رحلتها وبداخلها 12 شخصًا فى الصندوق، ويزيد عليهم 5 أشخاص على سلالم العربة وأطرافها، إضافة إلى راكبين فى مقدمتها بجوار السائق ما يجعلك تشعر بالغثيان بسبب صعوبة التنفس وعدم وجود تهوية جيدة فى السيارة. وبعد مرور 35 دقيقة فى الصندوق، اجتزنا رحلة الموت بنجاح، ووصلنا إلى قرية «أبوجندير»، وبدأت رحلة معاناة أخرى داخل ال«توتوك»، الذى تشعر فيه بأنك ستنقلب فى أى وقت بسبب بشاعة الطرق، للوصول إلى القرى والعزب التى نقصدها حتى وصلنا قرية الصعايدة. حمادة السيد معوض، أحد شباب قرية الصعايدة، أكد أن مشاكل القرية قائمة منذ عقود وتكمن فى الفساد والروتين والإهمال وافتقاد الرؤية لدى المسئولين ما ادى الى عدم توفير الخدمات وأهمها الصرف الصحى ومياه الشرب النقية، وعدم توفير وسائل مواصلات تابعة للنقل العام وعدم وجود مدرسة بالقرية لتعليم أبنائها وتحسين مستواهم الاجتماعى. وأضاف بغضب شديد، قائلاً: «يجب رصف الطرق لتخفيف معاناة المواطنين، ونحتاج لمدرسة لتعليم أطفال القرية، لأن أقرب مدرسة تبعد عن قرية الصعايدة أكثر من 4 كيلومترات، ويذهب لها الأطفال سيرًا على الأقدام ما يؤدى إلى زيادة معاناة المواطنين ويهدد حياة الاطفال، خصوصًا أن الطريق الذى يسلكه الاطفال هو نفسه الذى تسير عليه السيارات، وعلى جانبيه ترع ومصارف بأعماق كبيرة دون وجود أية وسيلة تحمى الاطفال أو السيارات من السقوط داخلها. ولفت الشاب الى أن أكثر من 60% من أهالى قرية الصعايدة مصابون ب«فيروس سى» والفشل الكلوى بسبب وجود نفايات ومواشٍ نافقة فى مداخل محطة المياه بالقرية، إضافة إلى عدم تكرير مياه الشرب بشكل صحيح. وفى الاطار ذاته أكد جمعة عبدالنبى ان مشاكل القرى بالفيوم تتلخص فى عدم وجود شبكة صرف صحى ما يجبر الأهالى على توصيل الصرف فى الترع ومياه الرى والمصارف الزراعية، وأصاب المواطنين بالفشل الكلوى، بالإضافة إلى شبكة طرق سيئة غير ممهدة. وأوضح أن مجلس مدينة اطسا والوحدة المحلية بقرية أبوجندير لا يمارسان دورهما فى تلبية احتياجات وخدمات المواطنين بالقرى، ما أدى إلى تدهور الحياة فى العزب والقرى التابعة للمجلس. وقال الشيخ خميس حامد: «بح صوتنا من الشكوى إلى المسئولين دون فائدة»، مضيفًا أن الأهالى لا يحتاجون إلا إلى نظرة اهتمام فى القرى وإعطائهم حقوقهم المشروعة من خلال توفير وسائل مواصلات آدمية تحمى وتصون روح المواطنين، بدلًا من الاعتماد على «الموتوسكلات الصينى» التى لا بديل عنها فى القرى للتنقل لقضاء احتياجاتهم داخل القرى. واتفق معه إبراهيم محمود عبدالعظيم، أحد أهالى عزبة عبدالعظيم حسن، قائلًا إن قريته لا توجد بها أية خدمات حكومية، وهى تعانى العديد من المشكلات الخطيرة بسبب سوء الإدارة، وتراخى المسئولين فى وضع حلول مناسبة للكثير من المشكلات الجماهيرية ما أدى إلى انتشار الأمراض بين الأهالى. وأضاف أن أكثر من 10 قرى تنعدم فيها خدمة الصرف الصحى، كما أن مياه الشرب ملوثة ومياه الرى أيضًا لا تصلح للرى، فضلًا عن عدم وجود مستشفيات ومدارس.. والطرق غير مرصوفة. وقال حسين عويس، أحد أهالى قرية الصعايدة، إن عدم تطهير الترع والقنوات أدى إلى تدهور إنتاجية الأراضى الزراعية بجانب ارتفاع منسوب المياه الجوفية تحت المنازل والبيوت، وهو ما يشير إلى وقوع كارثة إنسانية وصحية بين أهالى القرية، لافتًا إلى أن إهمال الصرف الزراعي، وعدم تطهيره من قبل الجمعيات الزراعية والمجلس المحلى أدى إلى بوار عشرات الأفدنة. وعبر حسين نزلاوى، عن غضبه الشديد من الإهمال، ونزل فى عمق الترعة وأمسك أكياس القمامة ومخلفات المنازل التى استقرت بالترع التى تروى أكثر من 50 فدانًا زراعيًا بمياه ملوثة، وأكد أن كل هذه القمامة تجعل الأراضى تنتج مزروعات ملوثة، ما يؤدى إلى إصابة الأهالى بالعديد من الأمراض والأوبئة الخطيرة فى غياب تام للأجهزة الرقابية، ومسئولى المحافظة. ويرى عبدالسميع عبدالقادر، أحد الاهالى، أن قريته إضافة إلى جميع القرى المجاورة لا يوجد بها سوى وحدة صحية واحدة فقط، ولا يوجد بها حتى طبيب للطوارئ يمكن أن يلجأ إليه الأهالى للعلاج، مطالبًا محافظ الفيوم بضرورة إنشاء مستشفى قريب لخدمة اهالى تلك القرى بدلًا من انعدام الخدمات الصحية بشكل كامل وذهاب الاهالى فى بعض الحالات الحرجة الى مستشفيات فى محافظات اخرى، او الى مستشفيات القاهرة للعلاج، ما يؤدى إلى موت المريض فى الكثير من الأحيان. ولفت عبدالقادر إلى أن هناك أكثر من 10 قرى وعزب تحوى أكثر من 100 الف مواطن سقطوا من حسابات المسئولين بسبب الاهمال الذى يجتاح المنطقة كلها والفساد وغياب الضمير. وقال بكرى السيد هيبة، أحد أهالى قرية أبوديهوم، إن اقرب وحدة صحية تبعد مسافة كبيرة، ولا يوجد بها أطباء لعلاج الأهالى أثناء المرض. وأشار هيبة إلى أن الوضع فى القرى ينذر بوقوع كارثة إنسانية بسبب مياه الشرب التى تضخ إلى الأهالى بطريقة مباشرة دون تنقية أو تكرير من المواد التى تحملها المياه، ما يؤدى إلى إصابة المئات بأمراض تؤدى إلى الوفاة. وأوضح أن القرى مهدرة حقوقها بسبب الفساد وغياب الضمير من جانب المسئولين عن الوحدة المحلية التى أنشئت لخدمة الأهالى.