في مثل هذا اليوم من العام الماضي، كانت الجمال والحمير هي ملاذ مبارك الأخير لإنقاذ نفسه وأعوانه من السقوط.. وفض ثورة مصر في التحرير، بالهجوم علي الثوار وقتلهم في عز الظهر أمام كاميرات التليفزيون، وشاشات مراقبة الميدان التي جلس أمامها مبارك وشفيق وطنطاوي وكبار قادة الجيش ليتابعوا ما يجري ساعة بساعة من غرفة عمليات القوات المسلحة. هجوم مسلح بعشرات الجمال والحمير والخيول قاده عدد من سكان نزلة السمان والبلطجية المأجورين لحساب قيادات الحزب الوطني المنحل في معركة أشبه بمعارك العصور الوسطي استخدمت فيها السيوف والسكاكين والكرابيج والرصاص الحي بهدف إخلاء الميدان من المتظاهرين وتأديب الذين تجرأوا علي الفرعون وعصابته. وبعد ظهر 2 فبراير اقتحم البلطجية الميدان علي ظهور الجمال والخيول وبتوجيهات مباشرة من رموز الحزب المنحل صفوت الشريف وفتحي سرور وإبراهيم كامل ومعهم عائشة عبدالهادي وزيرة القوي العاملة السابقة وحسين مجاور - رئيس اتحاد العمال وأعضاء مجلسي الشعب والشوري عن الوطني «عبدالناصر الجابري» ويوسف خطاب ليسقط في نحو 4 ساعات متواصلة من الضرب نحو 11 شهيداً وأكثر من 2000 جريح. ولتكون موقعة الجمل هي أولي تجليات الثورات المضادة المنظمة التي ينظمها أنضار النظام السابق للقضاء علي الثورة. حسين عبدالرازق القيادي بحزب التجمع يري أن دلالات موقعة الجمل كانت واضحة للغاية وهي أن النظام السابق وقياداته لم تكن تحترم لا القانون ولا الشرعية ولا حقوق الإنسان وكانت مستعدة ان تفعل أي شيء للحفاظ علي مصالحها وثرواتها التي حققتها بطرق غير شرعية. المعني الثاني أن الناس عندما نزلوا إلي ميدان التحرير أحسوا بقوتهم وأنهم ليسوا الجانب الأضعف بل ان حكامهم هم الأضعف فتصدوا للمعتدين.. رغم أنه كانت تقف وراءهم كل أجهزة الدولة. وأشار «حسين»: إلي ان موقعة الجمل في تحقيق هدفها وإجلاء الناس عن ميدان التحرير كان نقطة تحول مهمة أشعرت الناس قوتهم ووضعت النظام في حرج وأزاحته هو وعصابته في النهاية من الحكم. وحول مسار محاكمات المسئولين عنها قال «عبدالرازق» إن المجلس العسكري الذي تولي السلطة بعد مبارك والنائب العام الذي هو جزء من السلطة التنفيذية - التي كانت قائمة في عهد المخلوع - دفعت بالمحاكمات إلي مسار مختلف فبدلاً من محاكمة مبارك وأفراد نظامه بتهمة الخيانة العظمي والتي تضم تحتها كل الجرائم الأخري في الفساد والسرقة، ورفع نسب الفقر والبطالة وغيرها.. جري تقديم مبارك ونظامه إلي القضاء العادي، والمشكلة لا تكمن في القضاء بل في التهم التي أحيل بسببها هؤلاء وهي بسيطة، رغم فداحتها. مضيفاً أنه جرت خمس محاولات لتكرار موقعة الجمل من خلال الزج بعدد من البلطجية للوقوف في وجه الثوار والمتظاهرين وضربهم وقتلهم من بينها ما حدث في ماسبيرو والبالون والسفارة الإسرائيلية وغيرها. أحمد دراج القيادي بالجمعية الوطنية للتغيير يقول: في ذكري موقعة الجمل يبدو أن المجلس العسكري أو بالأحري قوات الشرطة العسكرية التي قامت بفتح الصفوف لدخول البلطجية وراكبي الجمال والخيول عبر مدخل عبدالمنعم رياض ظلت تفتح نفس الباب وأبوابا أخري لدخول نفس البلطجية فقد انكشفت فكرة أن المجلس العسكري يحمي الثورة واتضح أنها غير حقيقية، وبجانب هذه الأبواب فتحت أبواب أخري للهجوم علي الثورة ودفع الشعب المصري إلي الكفر بثورته عن طريق فزاعة الاقتصاد أحياناً وعن طريق باب الإعلام الحكومي أحياناً أخري، مضيفاً لو كان المجلس العسكري صادقاً فيما يدعيه بأنه سيسلم السلطة خلال الأشهر الخمسة الباقية فما يضيره أن يسلمها اليوم فجزء منها في يد «الجنزوري» وجزء آخر في يد البرلمان. ولفت دراج إلي أن تكرارها أمر وارد وقد تكررت بصورة مصغرة في العديد من المواقع ولكن ليس بصورتها الهمجية التي حدثت في العام الماضي. ويوضح المفكر القبطي جمال أسعد ان الذين قاموا بموقعة الجمل أرادوا بها خيراً لمبارك فكانت كل الشر له لانها أجهزت علي خطابه الذي ألقاه قبلها وكسب من خلاله تعاطف الرأي العام وكان يمكن أن يغير المسار تماماً للثورة لكن بحدوث موقعة الجمل تأكد ان نظام مبارك فقد صلاحياته بالكامل ولا أمل في الإصلاح والتوافق، ورغم رفضه التعليق علي محاكمات رموز نظام مبارك بسبب قتل المتظاهرين بالثورة وموقعة الجمل حتي يصدر حكم نهائي فيها، لكن الواضح بعد مرور عام من الثورة ان الوضع كان يحتاج إلي محاكمة سياسية أو ثورية. المؤرخ عاصم الدسوقي يؤكد ان موقعة الجمل لم تكن آخر سلاح تقوم به الثورة المضادة من أنصار حكم مبارك للقضاء علي الثورة والتي جاءت آنذاك بصورة فجة، وكأننا في ميدان حرب رغم أنهم لا يقاتلون أعداء ولكن حركة وطنية تطالب بالتغيير وإسقاط النظام الفاسد مشدداً علي أن موقعة الجمل، قد أثبتت أن أصحاب المصالح دائما هم أول من يدافعون عن النظام. وحول مسار محاكمات أصحابها بعد مرور عام كامل عليها قال «الدسوقي»: إن مسارها الحتمي سينتهي إلي الفشل فنظام مبارك بكامله وكبار معاونيه كان لابد أن يحاكموا بتهمة الخيانة العظمي وليس أقل من ذلك. مؤكداً أن الصراع مستمر ويخضع لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة ولا طريق لنهايته الآن.