هذا هو الأسبوع الثانى لمجلس الشعب الجديد.. أول مجلس نيابى حقيقى اختارته الملايين في انتخابات طالها بعض التجاوزات ولكنها نزيهة في العموم. وأى مصرى لا يقّدر حجم هذا الانجاز عليه أن يتذكر ما عانيناه لعشرات السنين من تزوير إرادة الشعب والتبجّح بأننا نعيش «أزهى عصور الديمقراطية» وعليه أيضاً نذكّر أن أول طريق الديمقراطية انتخابات نزيهة، وبرلمان حقيقى. إنى أهنئ شعب مصر بهذا الانجاز، وأتطلع إلى السير قدماً لاستكمال باقى خطوات البناء السياسى الكامل بحكومة مسئولة أمام البرلمان، ورئيس ينتخبه الشعب ويعلم أنه ليس أبدياً في السلطة. وقبل ذلك بالطبع الانتهاء من الدستور الجديد، فالدستور هو الذى يحدد مقومات الدولة وسلطاتها والعلاقات فيما بينها، كما يحدد الحقوق والواجبات والحريات. الدستور هو أبو القوانين. وهناك على الساحة السياسية جدل كبير بشأن كيف نشكّل لجنة الدستور ومتى نضع الدستور ومتى ننتخب الرئيس الجديد وكيف نضمن موضوعية الدستور وعدم تأثره بأطماع أى قطاع أو أى فصيل من الدولة. وكل هذا الجدل يصب في مصلحة الوصول إلى توافق يحقق آمال الأمة في النهاية أو هكذا نتمنى على الأقل. على أن ما يقلقنى كثيراً هو الانقسامات الشديدة في الشارع السياسى، وتصادم الأطماع، وسطوة الهوى على القرار، وانعدام الثقة في الآخرين، وربما التخوين.. هذه الظواهر قد تكون طبيعية في مرحلة التحول السياسى الكبير، إلا أنى أدعو جماعة الإسلاميين إلى السعى لاكتساب ثقة شركائهم على المسرح السياسى، وثقة القطاعات الشعبية التى تتشكك في نواياهم. هذا السعى مهم للغاية حتى يقل التوتّر في الساحة السياسية، ويزداد التعقلّ، وتتسع فرص التعاون من أجل مصر أولاً وقبل كل شىء. ربما يكون من المناسب أيضاً أن يعاد تشكيل الحكومة في ظل البرلمان الجديد، فذلك ما يتوقعه الناس، وليس حتماً أن يتغير رئيس الحكومة أو كل وزرائها، وإنما يتم التغيير في حدود ما هو مطلوب وفق ما تكشّف لنا في الشهور القليلة الماضية. فنحن حقيقة نريد حكومة قوية.. حكومة تواجه ولا تهرب.. حكومة تبدع ولا تقلّد.. حكومة تنجز ولا تؤجل.. حكومة تصارح ولا تناور.. حكومة تؤسس لعهد جديد بوضع اللبنات الأولى في البناء الجديد. إن هناك تساؤلات كثيرة بلا إجابة في أداء الجهاز الحكومى، ومطلوب سرعة الاجابة، وهناك مساحات كبيرة من الغموض في النوايا والأهداف، ومطلوب الشفافية والصراحة، وهناك قدر كبير من التردد وربما التخاذل، ومطلوب البت والحزم. هل يعقل في بلد محترم أبهر العالم بثورته التى خطط لها الشباب وتفاعلت معها كل شرائح المجتمع، هل يعقل ألا يتمكن رئيس الحكومة من دخول مكتبه بمبنى مجلس الوزراء؟ وبدلاً من المواجهة والحسم يلجأ إلى الاقامة في مكان آخر. ولا تقل لى إن هذه مسألة شكلية ولا تؤثر في الأداء، لا يا سيدى هذا تصرف يعكس توجه الحاكم وأسلوبه في التعامل مع المعوقات. وهو توجه وأسلوب لم نعتده من الدكتور الجنزورى خاصة أن الأسلوب بدأ ينتشر بين غيره من المسئولين. كان لى مصلحة مع أحد السادة المحافظين تتطلب الالتقاء به، فاكتشفت أنه يقيم في مبنى بعيد عن المحافظة بنحو 15 كم تجنباً للمشكلات في مبنى المحافظة. هل هذا معقول؟ لقد انتقدنا كلنا سلوك «الطبطبة» الذى لجأ اليه رئيس مجلس الوزراء عند حله لمشكلة قطع خط السكك الحديدية في قنا قبل عدة شهور.. وقالوا لنا «معلهش أصل الوقت حرج، وكل حاجة حساّسة» والنتيجة هى تدهور العلاقة مع كل المسئولين.. والنتيجة تناقص الاحترام في التعامل، فهل هذا من مقتضيات الثورة ؟ ثم نسمع كل فترة وعوداً ووعيداً بأن الحكومة والمجلس الأعلى سيفرضان الانضباط وينذران كل من يخرج على النظام أو يهاجم المسئولين أو يحرق المنشآت العامة أو يقطع الطريق أو يعطل المرافق.. ونستبشر خيراً.. ثم تعود «ريمة لعادتها القديمة». أنا أيضاً أريد أن ألفت النظر إلى ضرورة البدء فوراً في وضع الأسس للعمل في كل قطاعات الدولة، فهذا الجهد التحضيرى يستغرق وقتاً طويلاً، وليس عندنا هذا الوقت الطويل. أنا أزعم أن مصر يمكن أن تكون دولة متقدمة وقوية وقائدة في المنطقة ومؤثرة في العالم، يمكن أن تحقق كل ذلك في غضون 10 - 15 عاماً فقط لو صدقت النوايا وتوافرت الإرادة، فلا تضيّعوا المزيد من الوقت أرجوكم. آخر سطر إذا كنت غير قادر على الحلم، فأنت لا تصلح للإدارة. بقلم - د. صديق عفيفى