ما إن وصل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل إلى العاصمة الأردنية عمان في 29 يناير برفقة ولي عهد قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني, إلا وأكد كثيرون أن تلك الزيارة ستفتح صفحة جديدة في العلاقات بين المملكة وحماس, بعد قطيعة بينهما استمرت لأكثر من 12 عاما. وكان وزير الدولة الأردني لشئون الإعلام راكان المجالي كشف في وقت سابق أن الملك عبد الله الثاني سيلتقي مشعل في عمان في 29 يناير بعد وساطة من ولي عهد قطر. وأضاف المجالي في تصريحات له في 25 يناير أن رئيس الحكومة الأردنية عون الخصاونة أكد مؤخرا أن ما حدث في 1999 مع حماس عندما تم طرد قادتها وإغلاق مكاتبها في المملكة كان خطأ سياسيا وقانونيا ويجب تصحيحه. وتابع الوزير الأردني أن زيارة مشعل تفتح صفحة جديدة في العلاقات بين بلاده وحماس، مشددا على أنها لن تكون على حساب السلطة الوطنية الفلسطينية، التي يعتبرها الأردن الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني, كما شدد على أن بلاده لن تتأثر بالضغوط الخارجية، في إشارة إلى التحفظات الأمريكية والإسرائيلية على محاولات تقارب المملكة مع حماس. ويبدو أن هناك عدة أمور تفسر هذا التحول في الموقف الأردني من أبرزها تداعيات الربيع العربي والتي ساعدت حماس بشكل كبير على الخروج من عزلتها, هذا بجانب توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة العام الماضي, ورغبة المملكة في لعب دور في هذا الصدد لتهدئة الحراك الشعبي المتواصل فيها منذ عام, خاصة أن هناك شعبية كبيرة لحماس بين الأردنيين. وهناك أيضا فشل لقاءات عمان التي جمعت مفاوضين فلسطينيين وإسرائيليين بدعوة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وانتهت في 25 يناير دون تحقيق أي تقدم يذكر. ورغم تأكيد فوزي برهوم المتحدث باسم حماس في تصريحات لوكالة "فرانس برس" في 29 يناير أن زيارات خالد مشعل للعديد من الدول العربية مؤخرا هي من أجل حشد الدعم للمصالحة والقضية الفلسطينية ولا تتعلق بخطط للحركة لنقل مقرها الخارجي من سوريا على إثر تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس بشار الأسد, إلا أن كثيرين يرجحون أن قيام قطر بالوساطة بين الأردن وحماس في هذا الوقت تحديدا يرتبط بالضغوط التي تمارسها دول الخليج على دمشق للإسراع بالإطاحة بالأسد. فمعروف أن النظام السوري طالما تفاخر بدعمه للمقاومة الفلسطينية ولذا, فإنه في حال نقل مقر حماس الخارجي إلى الأردن تحديدا, الذي يوجد فيه كثيرون من مؤيدي الحركة, ستسقط بعض الحجج التي يستند إليها الأسد لتبرير مواصلة قمع المحتجين, ومنها أنه الداعم الأكبر للمقاومة في وجه إسرائيل. وذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في هذا الصدد أنه رغم تباين آراء المراقبين إزاء أبعاد زيارة مشعل إلى الأردن وتوقيتها ودلالاتها، إلا أن كثيرين يرون أنها ترتبط بالأحداث الجارية بسوريا، التي تتخذ منها الحركة مقرا لها. وبصفة عامة, وإلى حين اتضاح تطورات الأحداث في سوريا في الأيام المقبلة, فإن زيارة مشعل لعمان في 29 يناير تعتبر صفعة قوية لتل أبيب, خاصة أن الأردن الذى وقع معاهدة سلام مع تل أبيب في عام 1994 طالما تعرض لضغوط أمريكية وإسرائيلية متواصلة لتضييق الخناق على الحركة التى ترفض الاعتراف بالكيان الصهيوني. بل ووصل النظام الأردني في مرحلة ما إلى اعتبار حماس تهديدا لاستقراره أيضا, ولعل إلقاء نظرة على تاريخ التوتر بين المملكة وحماس يدعم صحة ما سبق, فمعروف أنه منذ فوز الحركة بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 ، والأردن يشعر بخطر كبير من انتقال عدوى الحركة لأراضيه بسبب التوتر الذى شاب علاقات الجانبين لسنوات ولأن الأردنيين من أصل فلسطيني يشكلون نصف السكان وهم في غالبيتهم يؤيدون حماس والحركة الإسلامية الأردنية. هذا بالإضافة إلى أن احتمال تكرار تجربة حماس أردنيا يعنى تغيير أساسيات استراتيجية المملكة وأبرزها العلاقات الاستراتيجية الوطيدة بين واشنطن وعمان واتفاقية السلام مع إسرائيل، والتى حالت حسب وجهة نظر النظام الأردنى دون انزلاق البلاد إلى بحر الصراعات المتلاطمة فى المنطقة. وفي ضوء ما سبق، استغلت الحكومة الأردنية فزاعة حماس أكثر من مرة للتحذير من خطر فوز الإسلاميين الأردنيين بأي انتخابات, كما قررت في عام 1999 طرد قياداتها من المملكة ومن بينهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة وإبراهيم غوشة ومحمد نزال وموسى أبو مرزوق بعد أن اتهمتهم باستخدام الأراضي الأردنية للقيام بنشاطات معادية لإسرائيل. والخلاصة أن التقارب بين الأردن وحماس من شأنه أن يزيد عزلة إسرائيل من جهة, ويساعد على تضييق الخناق على نظام الرئيس السوري بشار الأسد من جهة أخرى .