بعد تكرار استغلال الزى العسكرى فى ارتكاب حوادث إرهابية.. مازال السؤال مستمراً إلى متى تظل تجارة «الزى الميرى» باباً مفتوحاً على مصراعيه لهؤلاء الإرهابيين. وإذا كانت «الوفد» تفتح هذا الملف، إيماناً منها بخطورة القضية على الأمن القومى المصرى، فإنها فى الوقت نفسه تسجل كل تقديرها واحترامها للأجهزة المعنية برقابة الزى العسكرى، ولكن ما يحدث فى منطقة رمسيس فى قلب القاهرة من تهاون أو إهمال من قبل بعض الباعة والتجار عند بيع هذه الملابس يحتاج إلى تدخل عاجل ولا سيما وأن هناك العديد من الجرائم المروعة ارتكبت بحق جنودنا فى سيناء، كان الزى العسكرى عاملاً مشتركاً فيها. قبل فترة كشف مسئول أمنى مصرى، عن ضبط قوات الجيش والشرطة لعناصر إرهابية بزى عسكرى، مختبئة داخل نفق كبير داخل أحد المنازل بشمال سيناء. جاء ذلك ضمن حملات تفتيشية للجيش والشرطة، حيث عثروا على أنفاق جديدة تقوم عناصر إرهابية بمساعدة عناصر أخرى بمحاولة إعادة ترميمها للاختباء بداخلها وتهريب متفجرات من خلالها. وسبق أن تمكنت أجهزة الأمن بالإسكندرية من ضبط كميات كبيرة من الملابس العسكرية فى جمعية خيرية شرق الإسكندرية، وبمداهمة الجمعية عثر على بدلتين عسكريتين كاملتين لونهما أسود، تابعة للقوات البحرية، و3 بدل عسكرية بيضاء اللون تابعة للقوات البحرية أيضاً. كما تمكنت أجهزة الأمن بالعريش من ضبط أخطر ترزى يقوم ب«تفصيل» وتجهيز ملابس عسكرية للعناصر الإرهابية لاستخدامها خلال تنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش والشرطة. وسبق أيضاً لقوات الجيش المصرى أن ألقت القبض على 52 مطلوباً ومشتبهاً به فى العريش، بينهم 5 إرهابيين خطرين وبريطانى بحوزته ملابس عسكرية، كما ضبطت مخزناً للأسلحة داخله ألغام من صناعة كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس. كما تمكنت الحملات العسكرية بشمال سيناء، من ضبط كميات كبيرة من الملابس العسكرية بحوزة 31 عنصراً تكفيرياً، وضبط بحوزتهم صدور واقية وأفرولات وجواكت وقطع ملابس متنوعة خاصة بالجيش الأمريكى وتم التحفظ على المضبوطات. وضبطت الأجهزة الأمنية بالقاهرة، ورشة لتصنيع الملابس العسكرية بعابدين، حيث وجدت مباحث القسم داخل الورشة 243 جاكت، و273 بنطلوناً و275 حزام قماش "ملابس هيئة الشرطة". وتم التحفظ على 6 سيارات ودراجة بخارية خاصة ببعض المقبوض عليهم فى الشيخ زويد، وعثر فيها على ملابس مموهة «تيشرت وزنطين وطاقيتين» تتبع القوات المسلحة. هكذا تعددت الحوادث والجرائم التى ترتكب بالزى العسكرى المقلد والذى يتسرب للأسواق دون رقابة.. لماذا؟ وكيف؟ «الوفد» زارت منطقة رمسيس المركز الرئيسى لبيع هذه الملابس وكانت المفاجأة الأولى أن بعض الباعة الجائلين يبيعون المهمات العسكرية والشرطية دون تصريح، ودون أن يطلب منك البائع البطاقة للتعرف على هويتك العسكرية أو المدينة، ورغم تشديد الرقابة على المحال لا يلتزم بالتعليمات. قال على فوزى، بائع ملابس الزى العسكرى، ل«الوفد» إن الفترة الأخيرة شهدت ازدياداً ملحوظاً فى الرقابة على محال بيع الزى العسكرى، بعد الأحداث الإرهابية. وباتت الأجهزة الأمنية تراقب وبشدة هذه المحال وتحذر من بيع الملابس لغير العسكريين.. ويتم التحقق من المشترى عن طريق الكارنيه لاستكمال «المخلة». وأضاف: فى نهاية فترة تجنيد كل جندى غالباً ما يكتشف فقدانه مهمات.. ويكون عليه حتى يسلم مخلته ومفيش مفر يأتى إلينا فى الإجازة علشان يكمل حاجته وشهدنا كثيراً عندما بادر أحد الباعة وقال إنه محظور بيع الملابس العسكرية إلا من خلال الكارنيه. وادعى محرر «الوفد» أن لديه ابن عم على وشك الانتهاء من الجيش ويحتاج مخلة».. وخدمته فى سيناء وليست لديه إجازات كافية لشراء «المخلة».. وهنا وافق البائع، وقال: تحت أمرك حاضر 24 ساعة يكون الطلب تحت أمرك. وعرض لنا البائع أسعار منتجاته: «الأفارول ب50 جنيهاً والبيادة ب 50 جنيهاً والكاوتش الأبيض ب15 جنيهاً، والشبشب ب15 جنيهاً، والبيادة النص ب35 جنيهاً، والبطانية ب30 جنيهاً، و«التكيسة بالنفتالين» ب20 جنيهاً والزنط ب35 جنيهاً، والبيجامات ب25 جنيهاً، والطاقة ب10 جنيهات والقايش ب30 جنيهاً.. أما الفصال فهو مسموح.. إذ يصل الخصم ل15٪. أضاف بائع الملابس: الملابس دى بنجيبها بحيل كثير منها الناس اللى تبعنا.. بنخليهم يشتروا كميات من منفذ البيع بالعباسية بالكارنيه وإحنا ناخدها منهم ونبيعها فى المحال قطاعى وبنكسب فيها كتير. وواصل محرر «الوفد» جولته على المحال فى حذر شديد متجنباً أعين الجهات الأمنية، والتقى ب«ر. ش» بائع ملابس عسكرية، والذى كان على دراية كاملة بملابس الجيش، وقال إن بيع المهمات العسكرية بات محظوراً بشكل تام إلا عند إبراز الكارنيه العسكرى، وحال ضبط أحد الأشخاص يحاول شراء هذه الملابس وينتابنا الشك حياله نقوم بإبلاغ الشرطة عنه، بعدما نعطى له ما يريد ولكن نراقبه بعد ذلك. وفى ترقب شديد ينادى أحد الباعة على محرر «الوفد» لعرض سلعته، وقال إنه مستعد لإحضار ما نريد خلال ساعات، ويدخل البائع إلى المحل ليحضر مخلة كاملة لأحد الجنود صاحب زى مموه، ويقول له: «بسرعة شوف اللى ناقصك وخده فى شنطتك واقفل المخلة تانى. اتجهنا بعدها إلى المحال المجاورة لسور الموقف، والتى تعرض كميات كبيرة من البطاطين الميرى، فسألنا أحدهم عن إمكانية وجود «البدلة الميرى»، فرد: ب75 جنيهاً وجديدة غير الحاجات اللى بتتباع مستعملة، عدنا إلى محيط ميدان رمسيس ولاحظنا وجود لافتة كتب عليها يرجى إبراز تحقيق الشخصية أو خطاب الوحدة عند شرائك أى منتج من منتجات المحل، فسألنا البائع عن البدلة الميرى، ليؤكد لنا أنه لا يبيع الأفرولات وأن كل ما يوجد لديه إكسسوارات شبيهة ل«الميرى»، أما طلبنا فقد نجده فى الجمعية الاستهلاكية الخاصة بالقوات المسلحة بالعباسية. ثم طلب منا إثبات الهوية العسكرية بعد أن أبلغناه بحاجتنا إلى شراء تيشيرت مموه، وأضاف: انت مش عسكرى وطلبك للحاجة دى ممكن يضرك، ليطلب منا بعدها الخروج. وبعد الجولة التقت «الوفد» خبراء لتقييم الموقف. قال الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادى، إن حجم تكلفة الملابس العسكرية يبلغ نحو 300 مليون دولار سنوياً، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية احتلت المركز الرابع على المستوى العالمى متجاوزة إنفاق عدد من الدول البارزة الأخرى. وقال اللواء سامح أبوهشيمة، الخبير العسكرى، إن بيع الملابس العسكرية فى الشوارع بهذا الشكل يعد خطراً على أمن مصر، مشيراً إلى أن كثيراً من العمليات الإرهابية التى تمت فى سيناء كانت العناصر الإرهابية الإجرامية ترتدى زياً عسكرياً للجيش المصرى ليساعدهم فى سهولة التحرك. وأضاف «أبوهشيمة»: يتم إخضاع هذه المحال وأصحابها لرقابة الشرطة العسكرية لحظر نشاطهم السرى فى بيع الزى العسكرى، مؤكداً أن اختيار الزى الجديد جاء بعد دراسات وتجارب عديدة قامت بها البحوث العسكرية للوصول إلى أنسب هيئة تناسب القوات المسلحة، خلال العمليات القتالية، وتوفر الراحة للفرد المقاتل، وتجعله أكثر قدرة على الأداء القتالى، والزى الخاص بالعمليات الحربية خلال القرن العشرين تغير أكثر من مرة وفق تطور الأوضاع والتسليح الخاص بالأفراد خلال العمليات، فتجهيز الجندى فى عام 1967 اختلف عنه فى عام 1948 وهو ما تطلب تغييراً فى زى العمليات الحربية ليكون أكثر قدرة على الأداء فى العمليات. كما اختلف زى العمليات فى عام 1973 عن عام 1967 مع اختلاف العمليات وضرورة أن يتسلق فرد المشاة المقاتل الساتر الترابى وهو يحمل سلاحه والعديد من أدواته القتالية، فتم تصميم زى جديد يتوافق مع تلك العمليات ويجعل أيدى الفرد المقاتل حرة الحركة ليكون أكثر قدرة على الاشتباك، كما اختلف زى الضفادع البحرية المقاتلة، وأفراد الصاعقة ليتوافق مع المهام العسكرية لتلك القوات. ويؤكد المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، أن المادة 156 من قانون العقوبات تنص على: «كل من ارتدى كسوة رسمية بغير حق يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنة»، ويعاقب أى شخص غير عسكرى أو شرطى يقوم بارتداء الزى الرسمى بالجيش أو الشرطة بالسجن مدة لا تزيد عن سنة». وأضاف: إن القضاء العسكرى هو صاحب الولاء أو الاختصاص فى التحقيق بمثل هذه القضايا وهو الحق الذى كفله القانون بحيث يختص بالقضايا المتعلقة بالقوات المسلحة والمرتبط بالأمور العسكرية، والقضاء العسكرى يجرم ارتداء الزى العسكرى لغير أبناء المؤسسة العسكرية وفقاً للمادة 5 فقرة «ب» من قانون القضاء العسكرى.