«بناكل أرجل الفراخ، ولو الدنيا حلوة يبقى هناكل هياكل، ولو مفيش يبقى الحمد لله شهر رمضان بحاله هناكل من موائد الرحمن».. كلمات لفظتها سيدة محمود وعينها تغيب وراء الدموع، تبكى حالها بعدما اتخذت قرارًا بالجلوس فى المنزل بعد أن أصيبت بجلطة فى قدمها، فلم تعد تقوى على العمل، وسنوات خدمتها للهوانم لم تشفع لها عندهم، فهى الآن تجر آلامها وحدها، وفى رقبتها 6 أطفال. وهناك أم عزة التى ظلت تبكى تستجدى عطف المسئولين أن ينظروا إلى حالها لعل قلوبهم تحنو عليها.. تلك الفئة المستضعفة هى التى تدفع فاتورة الغلاء فكانت ومازالت خارج حسابات المسئولين فى حكومة شريف إسماعيل والحكومات السابقة، تأكل وتعيش على بقايا الناس اللى فوق، وترفع يدها إلى السماء شاكرة رب العباد تحمده على دوام النعمة من الزوال. «الوفد» شاركت هؤلاء المنسيين من حسابات الحكومة، وجلست معهم داخل عزبة خيرالله بمنطقة مصر القديمة، لتعايش معاناة الغلابة فى لحظة الإفطار وتستمع إلى قصصهم المؤلمة. فى منزلها الصغير بمنطقة عزبة خيرالله جلست «سيدة» وسط أبنائها الثلاثة وزوجها المعاق، ترتدى جلبابًا يحكى صبرها، تسأل نفسها يوميا «بكرة هنجيب أكل منين»، فبعد ان كانت تعمل بالمنازل بمقابل 50 جنيها فى اليوم منعها القدر من استكمال مشوارها، حيث أصيبت بجلطة بقدمها وراحت تبحث عن العلاج بالمستشفيات الحكومية. «والله ساعات ننام من غير سحور» هكذا تحدثت سيدة ل«الوفد» وحكت معاناتها قائلة: «كنت أخدم بالمنازل، وكنت أحصل على 50 جنيها يومية وكان الحال ماشى وعايشين، ومنذ فترة شعرت بألم فى قدمى ولم استطع تحريكها، واكتشفت بعد الكشف أننى مصابة بجلطة بالقدم، على إثرها جلست فى البيت لمدة شهر، وطوال تلك الفترة كنت بستلف فلوس من أولاد الحلال». وأضافت: «العلاج نصفه مجانى من المستشفى والباقى بصرفه من المسجد القريب من المنزل فهو يساعد أهالى المنطقة، وبعد أن تحسنت حالتى قررت أن أبحث عن عمل أقل فى المجهود، واتفقت مع تاجر لبيع بضائعه من بعض الخضراوات أو الخبز». التصريحات الوردية التى تسمعها «سيدة» من الحكومة دفعتها للذهاب إلى أقرب مكتب يتبع وزارة التضامن الاجتماعى لتحصل على معاش، ولكنها صدمت بعد أن اخبرها الموظف أنها لا تستحق معاشا، وان الشروط لا تنطبق عليها، وهو ما جعلها تستسلم لقدرها». قبل أذان المغرب بلحظات، انطلقت «سيدة» إلى إحدى موائد الرحمن القريبة من المنزل، حتى جاءت وفى يدها بعض أكياس البلاستيك، وتحمل فى أحد الأكياس بعض من الفاصوليا وفى آخر بعض من الأرز، وجاءت بالخبز من الجيران فليس لديها بطاقة تموينية وتحصل على الخبز بسعر 30 قرشا للرغيف الواحد.. اتجهت سيدة إلى المطبخ لتبدأ فى إعداد باقى الطعام، فرغم معيشتها الصعبة إلا أنها كانت ترغب فى حصولنا على وجبة إفطار لائقة، فكما أخبرتنا «إكرام الضيف واجب». ملوخية وعفشة فراخ هو ما أعدته «سيدة» بمنزلها، إضافة إلى الفاصوليا والأرز، كانت وجبة إفطار فى ذلك اليوم بالنسبة لأطفالها كأنها يوم عيد، فأول أيام رمضان كان الإفطار بامية «قرديحى» وشوية ملوخية وخبز وبعض أرجل الفراخ التى تشتريها بعد أن كانت تلقى للكلاب الضالة، فقد أصبحت تباع بالأسواق يقول: «بشترى الكيلو ب3 جنيهات وبناكلها والحمد لله نظرات أطفال سيدة للطعام كسرت كل معانى الرحمة والإنسانية التى يتشدق بها المسئولون فى الحكومة». على كرسى من بقايا أساس منزلى قديم يجلس زوجها سيد إسماعيل «40 عاما»، مصاب بنسبه عجز 50 % بعد أن تعرض لحادث سير، بعد أن كان يعمل ببيع الخضراوات بسوق مصر القديمة، وجميع محاولاته فى الحصول على معاش باءت بالفشل بعد أن ظل يتردد كثيرًا على مكتب التأمينات، حتى وصل فى النهاية إلى أن الموظف طلب منه توفير غرفة بحى السيدة زينب ليتمكن من استكمال إجراءات الحصول على المعاش، ومنذ شهر فبراير 2016 وحتى اليوم وبعد مرور أكثر من سنة لم يتمكن من إنهاء إجراءاته. ويضيف «سيد»: لا استطيع العمل بعدما أصبت بكسر بعظم الفخذ وساعد الذراع اليمنى، وما استطيع توفيره لأولادى 300 جنيه شهريا نظير عملى خفير فى أحد مقالب القمامة، فأجلس على كرسى لحماية المخلفات التى يستخرج منها المواد البلاستيك والمعدن». ويقول: «حسرتى على أولادى وهما محرومين من فرحة رمضان، وغيرهم من الأطفال عايشين فى فرح ومعاهم فوانيس رمضان، كسر قلبى ودائما بيسألونى عاوزين نروح نشترى السحور وإحنا حتى مش لاقين الفطار». أم عزة أمام منزل «سيدة» وقفت تنتظرنا لعلها تجد غايتها، فنحن بالنسبة لها طوق نجاة لعل صوتها يصل إلى المسئولين وتجد حلا لمشاكلها التى لا تنتهى. «أم عزة» امرأة فى الخمسين من العمر، آثار تعب السنين غيرت ملامح وجهها الشاحب وعينيها التى لا تنقطع عنها الدموع، تعيش فى منزل من غرفه وحمام، لا تملك من الدنيا شىء سوى مروحة قديمة أهدتها لها إحدى فاعلات الخير لترحمها من حر الصيف، وتليفزيون هى ما تمتلكه، لا يحميها هى وابنتها سوى سقف خشبى وأربع حيطان متصدعة تخترقها أشعه الشمس. تستيقظ مبكرًا تذهب إلى العمل حيث تعمل بالمنازل فى تنظيفها رغم حجمها الضئيل، قبل رمضان تبدأ وجبتها الساعة الثالثة عصرًا فظروفهم المادية لا تتحمل 3 وجبات فى اليوم، الخبز المدعم سبيلها الوحيد لسد جوعها.. كباقى سكان أهل العزبة حالهم من حال بعض. تقول «أم عزة»: أتمنى من اهل الخير إعطائى مالا كافيا، لكى ازوج ابنتى، اللى على وش زواج، ولا يتوافر لدى أى أموال، يمكنها مساعدتى لشراء جهاز العروس، لذا اضطر لعدم الموافقة على خطوبة ابنتى، لعدم قدرتى على تلبية احتياجات ومتطلبات الزواج، والمعيشة الصعبة، وأنا متعبة دائمًا بسبب مرضى الشديد وعملى متواضع وزوجى متوفى.