يشتهر صعيد مصر بالموالد الشعبية، والكرنفالات الفنية، والألعاب التاريخية، والاحتفالات الدينية والصوفية الصاخبة فى معظم مدن وقرى الصعيد، الذى يحتفظ سكانه، بكثير من العادات والموروثات الشعبية، وفى مقدمتها موالد الأولياء، والقديسين أيضًا، وتعود مظاهر بعض تلك الاحتفالات، التى يشارك فيها، مئات الآلاف من المصريين، إلى عصور الفراعنة. وتجتذب الموالد والكرنفالات الدينية والشعبية بصعيد مصر، وما تشهده من عادات متفردة، ومثيرة، أنظار كثير من السياح، ومن الباحثين المعنيين، بتاريخ الشعوب وعاداتها وتقاليدها، وصارت بعض الموالد قبلة لكثير من القنوات ووسائل الإعلام العالمية، التى تحرص على تصوير الألعاب التاريخية الشهيرة التى يمارسها المصريون فى تلك الموالد والاحتفالات. ويعد شهر شعبان، من كل عام، هو ذروة الاحتفالات الدينية والشعبية فى الصعيد، وخاصة فى الأقصروقنا، حيث ينتهى موسم من الموالد فى ذلك الشهر، لتستأنف مجددًا بعد انقضاء شهر الصوم، ومن الموالد التى تشتهر بها الأقصر، مولد سيدى العشى، ومن قبله مولد الشيخ موسى أبوعلى، وقبيل نهايته، يجرى الاحتفال بمولد الشيخ العزب، والشيخ أبو القمصان، والشيخ اللواء أبو ظعبوط، وغيرها من الموالد التى تنتشر بصعيد مصر، وينشط فيها باعة الحلوى الشعبية، وتنتشر فيها الألعاب التاريخية، وفى مقدمتها لعبة العصى، أو التحطيب، التى يتبارى فيها شبان، وشيوخ فى سن الثمانين، كلُ منهم يؤكد براعته فى التصدى لضربات العصا التى يوجهها له منافسه، مظهرًا شجاعته وقوته وفروسيته، وهى لعبة تعود جذورها إلى قدماء المصريين، حيث سجلتها نقوش ورسوم تركها الفراعنة على جدران معابدهم ومقابرهم، فى دليل على ممارستهم لتلك اللعبة قبيل آلاف السنين، وانتقلت منهم، من جيل إلى جيل، وبقيت منتشرة بين أهل صعيد مصر، حتى اليوم، حيث يتنقل هواة تلك اللعبة من قرية لقرية ومن مدينة لمدينة، للمشاركة بما يشبه حلبات المنافسة التى يحيط بها جمهور غفير من الرجال والنساء والأطفال، فى كل مولد يقام إحياء لذكرى ولى من أولياء الله. أما اللعبة الكثر فروسية، والتى لا تغيب عن موالد مصر الشعبية، فى الصعيد، فهى لعبة أو مهرجان «المرماح»، حيث تخصص ساحة واسعة بكل قرية، لما يسمى بالمرماح، وفيه يتجمع الفرسان ممن يقتنون الخيول، التى تتسابق فيما بينها على وقع أنغام المزمار البلدى، ودقات الطبول، وعلى ظهرها الفارس، الذى يستعرض مهارته فى فنون ركوب الخيل، والتسابق والرقص، وهو يعتلى ظهر جواده، وسط دائرة يحيط بها عشرات الآلاف من المشاهدين، من رواد الموالد الشعبية والدينية، ويقطع الفرسان، الذين يُطلق عليهم اسم الخيالة، مسافات طويلة، حاملين خيولهم فوق سيارات تجوف بهم القرى والمدن للمشاركة بكل مولد، فيذهب فرسان وخيالة من الأقصر، إلى سوهاج، وقنا، ويأتى للأقصر فرسان وخيالة من قناوسوهاج وأسوان، ويبيت هؤلاء فى ضيافة أقرانهم من الفرسان والخيالة بكل قرية ومدينة. وفيما يكون أهل مدينة قنا، يستعدون لاستقبال عشرات الآلاف، من الزوار الوفدين لحضور الليلة الختامية، لمولد قطب الصعيد، سيدى عبدالرحيم القنائى، يكون مئات الآلاف، من أهل الأقصر، والمدن المجاورة، قد انفضوا لتوهم، من المشاركة، بما يسمى، ب«دورة أبوالحجاج» وهو كرنفال شعبى وتاريخى يقام فى نهاية الاحتفال بمولد سيدى أبو الحجاج الأقصرى، ويجوب شوارع المدينة، على غرار ما كان يجرى فى المدينة، قبيل أكثر من ثلاثة آلاف عام، فيما كان يعرف باسم «موكب آمون»، أو موكب «الأوبت» الفرعونى، حيث كان يتحرك موكب الإله آمون، من معبده فى الكرنك، متجهًا إلى الجنوب، حيث تقيم زوجته، الإلة «موت» فى معبد الأقصر، مستقلاً مراكبه الإلهية والتى كان يجرها الآلاف، وهم مصطفون لمتابعة الموكب الضخم، على جانبى نهر النيل، وفى مولد ودورة وموكب سيدى أبى الحجاج الأقصر، وفى يومى 13 و14 من شهر شعبان فى كل عام، يخرج الآلاف، إلى الساحة التى تحمل اسم أبى الحجاج، ويقومون بجر «مراكب أبوالحجاج» طائفين بها شوارع المدينة التاريخية، فى تقليد لموكب مراكب آمون. والمعروف أن مسجد وضريح، سيدى أبى الحجاج الأقصرى، مقام فوق أعمدة وجدران معبد الأقصر الفرعونى، منذ أكثر من 800 عام، ويحتوى المسجد على قطع أثرية نادرة، وبقى فى موقعه، ليصبح مزارًا دينيًا وأثريًا فريدًا.