عناق بين امرأة سوداء ورجل أبيض نصفاهما العلويان عاريان. بوستر نشره الأسبوع الماضي الجناح الطلابي لأحد القوى السياسية في جنوب أفريقيا وتسبب في جدل إعلامي واسع. أراد الجناح الطلابي للتحالف الديمقراطي أن يؤكد أن ذوي البشرة البيضاء ليسوا جنسا ساميا، وقرر شباب التحالف أن يوصلوا رسالتهم هذه بالفن. كانت الرسالة هي ذلك البوستر نصف العاري الذي كتب عليه شباب التحالف العبارة التالية: في مستقبلنا لن تنظر إلى هذه الصورة مرتين (يقصدون أن العلاقات بين البيض والسود ستكون عادية ولن ينظر لها أحد باستغراب في المستقبل). وعلى الفور أطلق الحزب المسيحي الديمقراطي هناك تصريحات وصفت الصورة بأنها لا أخلاقية وتشجع على تعدد العلاقات الجنسية وزيادة الجرائم وتسهم في انتشار مرض الأيدز (تذكروا تصريحا مشابها للشيخ عبد المنعم الشحات وصف فيه أدب نجيب محفوظ بالخلاعة). الطريف أن ثدي المرأة في البوستر كان مستورا بشعار التحالف، بحيث تبدو الصورة أكثر حشمة بكثير من صورة البكيني الذي حمل كثير من نخبتنا على عاتقهم الدفاع عنه والنضال في سبيله. دافع التحالف الديمقراطي عن تصرف جناحه الطلابي وأصدر شباب التحالف بيانا يعترفون فيه بأن البوستر تسبب في ضجة كبيرة وجعل شباب التحالف يتصدرون مانشيتات الأخبار للمرة الأولى. لقد ظهر التحالف بهذا الموقف التبريري الضعيف بفضل التغطية الإعلامية الحيادية التي صاحبت الحدث والتي لا تعمل لصالح تيار بعينه، فلم يستمد التحالف دعما من برنامج متلفز يهاجم الحزب المسيحي وينعته بالرجعية والتخلف، ولم يكتب أحد مقالا يتهم فيه الحزب المسيحي الديمقراطي بالتمسح في العباءة الديمقراطية للوصول إلى مآربه السياسية انطلاقا من أن ما حدث يناقض القيم المدنية والليبرالية للدولة الديمقراطية التي تغلبت على نظام الفصل العنصري منذ حوالي 20 عاما والتي يعد دستورها من أكثر الدساتير تقدما في العالم. ومن حيث التعاطي الإعلامي، لم تتناول أغلب الصحف المحلية والدولية خبر البوستر نصف العاري بصيغة طائفية وكتبت: "بوستر يفجر غضبا" أو "جدل بسبب بوستر" وليس كما تعودنا في إعلامنا الذي كتب منذ أشهر "غضب سلفي بسبب سخرية ساويرس من اللحية والنقاب"، متجاهلا أن اللحية والنقاب لا يخصان السلفيين وحدهم ومهملا غضب جماعة الإخوان من التصرف ذاته في هذا الوقت. الغريب أن الشباب الجنوب أفريقي على فيسبوك كان أكثر إنصافا، فبرغم التعليقات المؤيدة، اكتظت صفحة شباب التحالف بالكثير من تعليقات الاستهجان. فيقول أحد التعليقات: ما علاقة ارتباط شخصين من عنصرين بالديمقراطية؟ لماذا لا تطلبوا إنشاء قناة إباحية.. عراة على بروفايل حزب سياسي؟ وهذا تعليق ثان يقول: التعري يلهي عن الرسالة المقصودة وهي التقارب السياسي. إلا إذا كانت السياسة برمتها تتعلق بالجنس. وكتب معلق ثالث يقول: هل هذا إعلان عن واق ذكري (كوندوم) ماركة لوفر بلاس أم دعاية سياسية؟ أنا في حيرة. وأخيرا يشبه أحد المعلقين التحالف الديمقراطي بمحلات "شوجر داديس التي تبحث في دعايتها عن فتيات مواطنات صغيرات السن". لا أنكر أنني أنظر بشيء من الريبة لإغفال الإعلام المصري هذا الخبر، وأرى أن هذا التجاهل ينبغي أن يثير لدينا التساؤل التالي: هل يحتاج الإعلام الموجه أحيانا إلى حجب المعلومات من أجل خدمة تيار بعينه؟ في مصر ننتقد فيهاجموننا وندافع. وفي الخارج، الأحزاب الدينية هي التي تهاجم وعلى الباقين أن يبين ويوضح ويبرر. يحدث هذا في جنوب أفريقيا وهولندا وألمانيا وإسرائيل. يا بختهم!