منظر تنخلع له النفوس، وتقشعر له الجلود، وتنفطر له القلوب، منظر هؤلاء الذين تنقلهم السيارات الزرق يوماً بعد يوم من سجن طرة إلى مقر المحكمة، الشعب كله يعرف أن هؤلاء سارقون وقاتلون ومزورون ومجرمون، سفكوا الدماء، ونهبوا الأراضي والشقق، وهربوا الأموال، واستحلوا معظم ما حرم الله، فلما ثارت الثورة، وأحيط بهم، وتم إيداعهم سجناً هو إلى الفندقة أقرب منه إلى التكدير، تحتم عليهم أن يواجهوا قضاة عدولاً، ومحامين أشداء، وجماهير متشفية مترقبة، تتطلع يوماً بعد يوم إلى النطق بالأحكام في حق هؤلاء المجرمين. وما بين عشية وضحاها، استيقظ الشعب على هؤلاء المجرمين ينزلون من السيارات المصفحة الزرق يتأبطون المصاحف ولا أثر للخشوع على وجوههم المتحجرة! فما الرسالة التي يريدون إيصالها إلى الناس؟ هل يستدرون بهذه المصاحف شفقة ضحاياهم؟ هل يضحكون بهذه المصاحف على برلمان يوشك أن يتألف وستكون أكثريته من التيار الإسلامي؟ هل يريدون إقناع ضحاياهم بأنهم يتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار؟ هل يزعمون بهذه المناظر أنهم تابوا وثابوا إلى رشدهم؟ لا شيء من ذلك كله يظهر في أقوالهم ولا في أقوال محاميهم، لا شيء يشير إلى أنهم تابوا واعترفوا بأنهم أجرموا – ولا أقول أخطأوا – في حق هذه الأمة على مدى ثلاثين سنة أو تزيد. إذن فإن هذه المجلدات التي في أيديهم قد تكون قواميس أو أطالس أو مفكرات وليست مصاحف، فالأيدي التي تحمل المصاحف تكون غالباً في أجساد يظهر عليها الخشوع وتظللها التقوى، أما هذه الوجوه المتبجحة، وهذه الأعين المتحدية، وهذه المِشْيات المصعرة، لا تنم عن خشوع ولا تدل على توبة ولا تشير إلى ندم. بل إن هؤلاء النفر جدير بهم - إذا أرادوا استجلاب عفو الناس واستقطاب تسامحهم معهم - أن يعلنوا براءتهم من تاريخهم الملوث، وأن ينزلوا عن كل أموالهم التي يملكون فلا يبقى لأحد منهم إلا ما كان قد ورثه عن والديه، ثم عليهم أيضاً أن يعترفوا تفصيلياً – كل بما فعل من جرائم، فهذا الذي جعل مكتبه مكاناً للتجسس، وذلك الذي اتخذ في مكتبه مخدعاً نسائياً عثر فيه الثوار على ملابس وعطور نسائية. وذاك الذي حرض البلطجية على الفتك بالثوار، وذاك الذي دفع الأموال لتزوير الانتخابات السابقة، وذاك الذي كان يهادي سكان القصر المالك لمصر بعظائم الهدايا المنهوبة من المال العام، وذلك الذي كان يرتشي للتوسط في التعيينات والترقيات. وذلك الذي كانت إسرائيل أحب إلى قلبه من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤويه.. كل أولئك يجب أن يعترفوا – تفصيلياً – وعلى كل الشاشات بكل جرائمهم ولو فعلوا ذلك طواعيةً واختياراً فعسى الشعب أن يقبل عنهم توبتهم ويكف عن السخرية من مناظرهم وهم يحملون المصاحف بغير خشوع كما لو كان يحملون سندوتشا، أو قاموسا، أو (أجندة). أما إن كان ما يحملونه مصاحف حقيقية فلا شك عندي في أنها تستجير بالله منهم، وتتمنى يوما تتحرر فيه من سجن تلك الأيدي النجسة الملوثة بدماء وأموال المظلومين.وإن لم يفعلوا ذلك طواعيةً واختيارا. فسيفعلونه غداً أو بعد غد قسراً وإجباراً.. فإن إرادة هذه الأمة لن تنكسر ثانية، ولن ينال عفو هذا الشعب إلا من يستحق. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية