تقريبا كل وسائل الإعلام والمحللين والنخب أجمعوا على أن السبب الرئيسي في خروج الشباب في 25 يناير في احتجاجات واسعة انتهت بتنحي الرئيس السابق حسني مبارك إلى "تردي الأوضاع الاقتصادية"، و لخصوا ذلك في: • انهيار الاقتصاد • ارتفاع مستوى الديون • الفساد •البطالة •غياب العدالة الاجتماعية • الفقر وهو ما يتفق مع الشعار الذي رفعه المتظاهرون : عيش - حرية - عدالة اجتماعية. ولكن هل هذا التحليل صحيح بالفعل؟ مثل هذا الإجماع والقبول بهذا التفسير السهل دفعني للبحث والتحقق من مصادر عدة إلى أي مدى تعكس هذه الأسباب الواقع المصري، والنظر في ديناميكية المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة في السنوات السابقة هذه التدوينة نظرة على الأوضاع الاقتصادية في مصر قبل 25 يناير بناءً على تقارير البنك الدولي وتقارير الأممالمتحدة للتنمية البشرية واقتباسا وترجمة من بحث بعنوان: "ثورة مصر، تحليل ديموجرافي هيكلي" EGYPTIAN REVOLUTION: A DEMOGRAPHIC STRUCTURAL ANALYSIS , by Andrey V. Korotayev and Julia V. Zinkina REVOLUCIÓN EN EGIPTO: UN ANÁLISIS DEMOGRÁFICO ESTRUCTURAL ملاحظة: تعمدت عدم اللجوء لأي مصادر بيانات مصرية أو محلية أو حكومية، و اعتمدت على المصادر الدولية فقط مثل بيانات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و منظمة العمل الدولية و منظمة الفاو و تقارير الأممالمتحدة للتنمية البشرية وتقارير التنافسية العالمية أولا: هل كان انهيار الاقتصاد سببا في 25 يناير؟ في البداية، نظرة على أكثر المؤشرات الاقتصادية انتشارا وتعبيرا عن الحالة الاقتصادية لأي بلد: نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العقود الثلاثة الماضية والذي وصل الى 500 مليار دولار بحساب معامل القوة الشرائية، كما في الشكل 1: شكل رقم 1: الناتج المحلي الاجمالي في أكبر اقتصاديات افريقيا في العقود الثلاثة الماضية من الواضح أن الاقتصاد طوال ال 30 عاما الماضية كان ينمو بشكل مضطرد و سريع و بمتوسط 4.5% وهو من أفضل معدلات النمو في بلدان العالم الثالث حسب البنك الدولي. كما ان النمو الاقتصادي تسارع بشكل أكبر بعد يوليو 2004 عندما نجحت حكومة نظيف في استقطاب مجموعة من الاقتصاديين المتميزين الذين وضعوا خطة طموحة للاصلاح الاقتصادي، وهو الاصلاح الذي يعزى له الفضل في النمو المضطرد في الاقتصاد، كما في تقرير البنك الدولي: Boubacar S., Herrera S., Yamouri N., Devictor X. Egypt Country Brief. Washington, DC: World Bank,2010. URL: http://siteresources.worldbank.org/INTEGYPT/Resources/EGYPTWeb_brief2010AM.pdf وبالنظر الى الشكل رقم 1 سنجد حقيقة واضحة وهي أن الاقتصاد المصري استمر في الصعود في فترة الازمة المالية العالمية في 2008 و لم ينكمش كما حدث في أغلب اقتصاديات العالم. معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي تراوح بين 4.6% و 7.2% سنويا، بينما تحلم دول كثيرة بمجرد الوصول الى 4% كنمو سنوي في غير سنوات أزمة مالية ! استطاعت الحكومة المصرية بالفعل أن تتفادى انهيارا اقتصاديا كان بالفعل متوقعا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية، كما حدث في دول أخرى فيما بعد كاليونان من المهم هنا الاشارة الى ان معدل نمو السكان تمت السيطرة عليه بشكل معقول في السنوات الاخيرة كما يظهر من الشكل 2 أدناه، وهو ما يعني ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي كما هو مبين في الشكل 3 شكل رقم 2: انخفاض معدل نمو السكان في مصر في العقد الأخير شكل رقم 3: تطور نمو الناتج المحلي الاجمالي و نصيب الفرد منه في العقود الثلاثة الماضية وهكذا فان الادعاء أن النظام المصري طوال 30 عاما قد فشل في تحقيق أي نمو اقتصادي أو تنمية مستدامة أدى الى دخول الدولة في فترات من الركود الاقتصادي وانهيار الدخل، هو ادعاء يبدو أنه غير صحيح ولا توجد أرقام تدعمه. بل ان العكس أقرب للصحة، وأرقام البنك الدولي تثبت عكس ذلك و بالمقارنة مع الدول النامية الأخرى. فقبل سقوط نظام مبارك، كانت مصر بشهادة تقارير عديدة تعتبر من أفضل البلدان نموا في العالم الثالث. ومن الملاحظ ان الحكومة المصرية التي تلت سقوط النظام قالت أنها: "لن تغير التوجه الاقتصادي لمصر ولن تتراجع عن خطوات الاصلاح التي تم اتباعها بداية من 2004 وحتى اليوم" ، وهو ما يعني الاعتراف أن السياسات الاقتصادية التي اتبعها نظام مبارك كانت سليمة بشكل عام. هل بعد كل هذه البيانات يستقيم الادعاء بانهيار الاقتصاد؟ اذا، القول بأن انهيار الاقتصاد سبب في 25 يناير هو قول غير صحيح ثانيا: هل ديون مصر كانت سببا في 25 يناير؟ بلغ الدين الخارجي المصري قبل 25 يناير حوالي 30 مليار دولار فقط وهي من أقل المديونيات في العالم !! (ارتفعت قيمة الدين مؤخرا بسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية بعد يناير) وهو مايتضح من الرسم البياني رقم 4 في مقارنة مع تركيا، والرسم البياني 5 في مقارنة مع البرازيل، والرسم رقم 6 موقع ديون مصر الخارجية بين الدول المختلفة:شكل رقم 4: الدين الخارجي التركي يبلغ 10 أضعاف الدين الخارجي لمصر شكل رقم 5: مستوى الدين الخارجي للبرازيل يقترب من 10 أضعاف مستوى الدين الخارجي لمصر شكل رقم 6: مستوى الدين الخارجي في مصر مقارنة بدول العالم المختلفة يقابل ذلك احتياطي بالبنك المركزي المصري بلغ في يناير هذا العام 36 مليار دولار ، أي أعلى من قيمة الدين الخارجي ، (وقد انخفض الاحتياطي بسبب الاضطرابات السياسية الى 24 مليار دولار حالي). الرسم البياني رقم 7 يوضح ارتفاع احتياطيات البنك المركزي من الذهب والعملات الأجنبية على مدى العقود الماضية: شكل رقم 7: ارتفاع احتياطيات البنك المركزي المصري في العقود الماضية حتى وصل الى الرقم القياسي 36 مليار دولار بنهاية عام 2010 فمن غير المفهوم كيف تكون هذه حكومة الفساد الكبير في حين أن هذه الحكومة بالذات نجحت في رفع مستوى الاحتياطي بالبنك المركزي الى رقم ال 36 مليار دولار؟ و هناك مؤشر آخر ملفت وهو مستوى خدمة الدين المصري (أي تسديد فوائد الديون) والذي يبلغ 6 % فقط من قيمة صادرات السلع والخدمات – مصدر العملات الأجنبية، وهي من أقل النسب في العالم حيث ان المتوسط العالمي 20 %. الرسم البياني رقم 8 يوضح مقارنة مصر مع تركيا: شكل رقم 8: نسبة الصادرات الى الدين الخارجي في تركيا 7 أضعاف مثيلتها في مصر اذا، الحديث عن أن فساد الادارة السابقة أدى وقوع مصر تحت طائلة الديون الخارجية ، وبالتالي أوصلتنا الى 25 يناير، هو حديث عار عن أي منطق اقتصادي سليم و الا، فأن أغلب شعوب دول العالم الواقعة تحت ديون خارجية كبيرة قد تأخرت كثيرا في الثورة على حكوماتها ثالثا: هل كان الفساد سببا في 25 يناير؟ برجاء مراجعة تدوينة : الفساد في مصر أسئلة عديدة و محاولات مبسطة للاجابة للمزيد عن موضوع الفساد الفساد موجود في مصر ، لا شك في ذلك لكن السؤال هو ما حجم الفساد؟ وما هي نسبة الفساد في الدول المشابهة لمصر؟ من أجل فهم سليم لمستوى الفساد في مصر، لابد من الرجوع الى مؤشر الشعور بالفساد كما يظهر في خريطة منظمة الشفافية العالمية لعام 2010 كما تبدو في الشكل 9 شكل رقم 9: خريطة منظمة الشفافية العالمية وموقع مصر على مؤشر الشعور بالفساد على هذه الخريطة، فان اللون الأغمق يدل على مستوى أقل من الشفافية أو شعور أكبر بالفساد، واللون الأفتح يدل على شعور أقل بالفساد. من الواضح أن المؤشر يصف الوضع في مصر بأنه ليس جيدا أو مثاليا. فبالمقارنة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فان مستوى الشعور بالفساد في مصر بالفعل مرتفع. ولكن الحقيقة أن هذا هو الأمر الواقع في كل دول الجنوب و العالم الثالث والثاني أيضا. بمقارنة مستوى الشعور بالفساد في مصر مع هذه الدول، فانه يبدو عاديا في تقرير منظمة الشفافية لعام 2010، نجد أن: مصر في نفس الفئة مع ايطاليا و البرازيل و الصين و الهند و تايلاند و جورجيا .. و افضل من الارجنتين واندونيسيا وفيتنام و كل دول الاتحاد السوفيتي السابقة بما فيها روسيا.. و ليست أسوأ كثيرا من اسبانيا و البرتغال وتركيا وفي الشكل 10 نرى أين تقع مصر بين الدول المشابهة شكل رقم 10: موقع مصر بين دول العالم الثالث من حيث مؤشر الشعور بالفساد لقد قيل الكثير عن بيع مصر و أن الخصخصة كانت وبالا على المصريين و أنها ترقى الى الخيانة العظمى وأنها أبو الفساد وأمه. والحقيقة أنه لا يوجد تقرير دولي واحد يعتبر مصر من بين الدول التي حولت اقتصادها من الاقتصاد العام -الذي تسيطر عليه الحكومة - الى اقتصاد السوق الذي تسيطر عليه الملكية الخاصة. فالدولة بعد 20 عاما من بدء برامج الخصخصة لا تزال تسيطر على كل مفاتيح الاقتصاد من أرض و طاقة و موانئ و مطارات و أموال و اعلام و صحافة و مواصلات و تأمين ... الخ. وعلى مدى 30 عاما لم تتحدث الخصخصة سوى عن طرح 314 شركة عامة فقط لهذا البرنامج لا يزيد نصيبها من الاقتصاد القومي عن 18% . و بعد كل هذه السنوات، كان كل ما تم خصخصته (أي دخول مستثمر من القطاع الخاص جزئيا أو كليا) أقل من نصف هذه الشركات!! و قبل عامين طرحت فكرة بيع ما تبقى و هي 147 شركة للمصريين عن طريق برنامج للصكوك، وهو ما سخر منه الاعلام و رفضه الرأي العام و رفضته الحكومة نفسها. و اليوم تمتلك الدولة 167 شركة قطاع عام، أي أن 20 شركة قد عادت الى حضن الحكومة الدافئ !!! هل هذا هو الفساد الذي زكم الأنوف؟؟؟ القضية هنا: هل قطاع الأعمال العام -المحبوب- مهمته أن يقدم للدولة عائدا؟ أم أنه مخزن للعمالة تقدم الدولة له الدعم (الأفضل نسميه اعانة بطالة) وتسدد قروضه ثم تدعو الله أن يكون نزيف خسائره بنفس القدر الذي تتحمله الخزانة العامة ! لسنا أبدا أكثر الشعوب ممارسة للفساد، فقد رأيت في سفرياتي الكثيرة أشكالا مذهلة من الفساد.. و لكننا بالتأكيد أكثر شعب يحب يتكلم عن الفساد لدرجة الهوس: اعلام، أفلام، قصص و روايات، ....الخ يتحدث المصري عن الفساد بصورة تجعله الشماعة الجاهزة لأي فشل يواجهه في حياته. ويهرب المصري من واقعه و لا يكاشف نفسه بتقصيره وعدم كفاءته وضعف امكانياته وكسله عن تطويرها من أجل أن يحمل فساد المجتمع من حوله أسباب هذا العجز و ذلك الفشل... يجلس على المقهى ينفخ دخان الشيشية و يلعن تلك القوى الخفية الفوقية الخارجة عن ارادته، وذلك الفساد المستشري المكبل لحركته ... ارتضى المصريون العيش في "فساد" لأنهم جميعا يستفيدون منه .. كلنا نمارسه، و كلنا نستفيد منه .. و لا نهاجمه سوى من منطلق: اشمعنا غيري، انا كمان عايز نصيبي من هذا الشخص الفاسد اذا و بكل وضوح، اذا كان الفساد في مصر سببا في الحراك الاجتماعي الذي أدى الى "ثورة" يناير، فانه بكل تأكيد من الأولى ان تخرج الثورات في امريكا اللاتينية و اغلب دول آسيا و أفريقيا والتي تعاني من مستويات فساد أكبر بكثير من مصر والا ، فان كل شعوب العالم الثالث أو الدول النامية قد تأخرت كثيرا في الثورة على حكوماتها بل متى تبدأ الثورة في الأرجنتين و روسيا والهند مثلا - وهي في وضع أسوأ من مصر على مؤشر الفساد؟ وهل ايطاليا واسبانيا وتركيا في طريق الثورة على الفساد ؟ برجاء مراجعة تدوينة : الفساد في مصر أسئلة عديدة و محاولات مبسطة للاجابة للمزيد عن موضوع الفساد رابعا: هل كان ارتفاع البطالة سببا في 25 يناير؟ هل ارتفعت البطالة بشكل كبير قبل 25 يناير عن معدلاتها السابقة لدرجة تدفع لقيام "ثورة" ؟ سنلتزم هنا بالتعريف العالمي للبطالة وسنتعامل مع معدلات البطالة في الاقتصاد الرسمي و ليس الاقتصاد الغير رسمي أو الغير نظامي والذي تقدره بعض الدراسات بنسبة كبيرة من حجم الاقتصاد ككل، مما يجعل معدل البطالة "الحقيقي" أقل كثيرا عن الأرقام "الرسمية" المبنية على أساس بيانات القوى العاملة و والتأمينات الاجتماعية (عدد من استخرجوا استمارة 1 و استمارة 6) تطور مؤشرات البطالة في مصر طوال ال 20 سنة الماضية كما في الشكل التالي رقم 11 من بيانات البنك الدولي: شكل رقم 11: البطالة في مصر في العقدين الأخيرين تراوحت بين 8 و 12 في المائة، وهي نسبة عادية مقارنة بدول العالم المختلفة وبالأخص الدول النامية من الرسم البياني نلاحظ أن معدلات البطالة في مصر تراوحت خلال العقدين الماضيين بين 8 و 12 في المائة، حيث كانت الزيادة السكانية تأكل الزيادة في فرص العمل في السوق المصري. ولكن مع بداية الاصلاح الاقتصادي في 2000، انخفضت البطالة بشكل ما نتيجة خلق المزيد من فرص العمل مع النجاح في رفع الاستثمارات الأجنبية الى مستوى غير مسبوق ومع الأزمة المالية العالمية في 2008 بالفعل ارتفت البطالة الى 9.4 في المائة ثم انخفضت ثانية في 2010 مع بدء تعافي الاقتصاد المصري و استئنافه للنمو السريع. وفي نهاية عام 2010 – أي قبل 25 يناير مباشرة، كان مستوى البطالة في مصر بالمقارنة مع دول أخرى مشابهة، كما يظهر في الشكل رقم 12 من واقع بيانات البنك الدولي و منظمة العمل الدولية: شكل رقم 12: موقع مصر بين دول العالم من حيث مستوى البطالة ومن الواضح أن مستوى البطالة في مصر فيما قبل 25 يناير لا يمكن وصفه بالمستوى المرتفع والخطير الى درجة التسبب في ثورة. بل ان معدل البطالة في مصر كان في 2010 أقل من مستوى البطالة في الولاياتالمتحدة وفرنسا و بولندا و وايرلندا و تركيا ومن متوسط البطالة في الاتحاد الأوروبي. بل أن معدل البطالة في أسبانيا و لاتفيا كان ضعف معدل البطالة في مصر !! متى تبدأ ثورة العاطلين في هذه البلاد من أجل العيش والعدالة الاجتماعية ؟ خامسا: هل كان تدهور مستوى العدالة الاجتماعية سببا في 25 يناير؟ بشكل علمي، ماذا تعني العدالة الاجتماعية؟ و هل يمكن قياسها؟ حتى نعرف الاجابة لابد أولا نقارن مصر اليوم بماضيها ونقارنها بالدول حولها. المقارنة لا تكون فقط بطريقة مطلقة بل ايضا بطريقة نسبية لأنه عندما تنسب الاشياء الى غيرها يعرف حجمها الحقيقي ولابد ثانيا من تحديد مقياس معين ومحدد لتحديد معنى العدالة الاجتماعية، مقياس علمي، بدلا من استخدام مصطلحات اللغة العربية الفخيمة مثل انهيار الطبقة الوسطى و احتكار الثروة و غيرها من الجمل التي لا تعطي معنى واضحا لما تخفيه خلفها. ولابد ثالثا أن نتفق أننا لن نخترع العجلة أو نؤلف مقياس خاص بنا كأن مصر قد كتب عليها ان تظل متفردة عن كل العالم.. الأوزان بالكلج او الرطل وليس بالمكيال والصاع و الصاعين.. المسافات بالكلم أو الميل مش بالفرسخ مثلا هناك بالفعل مقياس عالمي لقياس العدالة الاجتماعية و عدالة توزيع الدخل. مؤشر جيني للعدالة الاجتماعية و عدالة توزيع الدخل مؤشر جيني هو المؤشر المعتمد والأكثر صدقا وتعبيرا عن قياس مستوى العدالة الاجتماعية في العالم و مستوى توزيع الدخل. برجاء مراجعة التدوينة الخاصة بمؤشر جيني هنا. The Gini Coefficient على مدار ال 20 سنة الماضية، كان مؤشر جيني لمصر يتراوح بين 30 و 34 نقطة. الشكل التالي رقم 13 يوضح موقع مصر بين دول العالم من حيث مستوى تحقق العدالة الاجتماعية مابين عامي 2000 و 2010، وهو يظهر أن مصر في وضع أفضل كثيرا من دول عديدة في أوروبا و أسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية: شكل رقم 13: مؤشر العدالة الاجتماعية في مصر افضل من أغلب دول العالم وهذه خريطة مؤشر جيني في العالم في الشكل رقم 14 حسب بيانات 2009 حيث تقع مصر في موضع جيد للغاية مقارنة بدول العالم الأخرى: شكل رقم 14: خريطة مؤشر العدالة الاجتماعية وموقع مصر بين دول العالم ففي هذه الخريطة نجد أن أكثر من 80% من سكان الكرة الأرضية يعيشون في بلدان ذات مستوى من العدالة الاجتماعية أقل من مثيله في مصر، و بالتالي فان الثورة بسبب غياب العدالة لابد أن تقوم في أغلب دول العالم !!! وبالمقارنة مع تركيا مثلا، نجد أن حصة شريحة ال 20% الأفقر من السكان في تركيا من اجمالي الدخل تبلغ 5.5% من اجمال الدخل، بينما تبلغ في مصر 9%. أي أن الفئات الأفقر في مصر تحصل على نصيب من الدخل القومي أكثر مما تحصل الفئات المماثلة في تركيا من عوائد النمو الاقتصادي التركي الكبير. (انظر الرسم البياني رقم 15 أدناه) شكل رقم 15 أ : نصيب الفقراء من الدخل القومي بين مصر و تركيا شكل رقم 15 ب : نصيب الفقراء من الدخل القومي بين مصر و البرازيل من الواضح من الرسم البياني أعلاه أن الفقراء مازالوا يحصلون على نصيب أقل من عوائد النمو الاقتصادي في كل من تركيا والبرازيل الشكل التالي يظهر ترتيب دول العالم من حيث نصيب الفئات الأكثر فقرا من عوائد النمو الاقتصادي (الشريحة ال 20% الأقل دخلا) شكل رقم 15 ج: ترتيب دول العالم في بيانات البنك الدولي من حيث نصيب الدخل القومي في الشريحة ال 20% الاقل دخلا مقارنة بالبرازيل، لو أنني برازيلي فربما يكون دخلي أعلى من دخلي في مصر بنسبة 70% ، ولكن سأعاني من تباعد الطبقات وغياب العدالة الاجتماعية بنسبة 65% أكثر من مصر، و سأضطر لزيادة استهلاكي من الكهرباء بنسبة 55% وسأستهلك وقودا بنسبة تزيد عن 3 أضعاف، و سأنفق 3 مرات أعلى على الرعاية الصحية، وسأكون معرضا للاصابة بالايدز بنسبة تتجاوز 6 مرات أعلى ، وسيكون هناك احتمال وقوعي بين من يعانون البطالة أعلى من مصر بنسبة 30% .. الخ .. متى تبدأ الثورة في البرازيل احتجاجا على الوضع المخزي للعدالة الاجتماعية هناك؟ متى تبدأ في جنوب افريقيا؟ تركيا ؟ وغيرها من الدول التي تقع في مستوى متأخر على مؤشر جيني للعدالة الاجتماعية مقارنة بمصر ؟ عموما، هذا يفسر أن الشباب الذين خرجوا في 25 يناير وما بعدها كانوا من أبناء الطبقة الوسطى و ليس الفقراء. الطبقة الوسطى المصرية التي نمت و توسعت و ارتفع معها سقف طموحاتها - المشروعة - الى مستويات لم تكن آليات النظام السابق وتوازناته تسمح به، وعجز خطابه السياسي عن تسويق ما تحقق على أرض مصر واستفادت منه الطبقة الوسطى ولذلك، فان كل الادعاءات بانهيار الطبقة الوسطى و انكماشها ، كلها ادعاءات لا أساس لها من الصحة و لا يوجد رقم احصائي اقتصادي واحد يدعم هذه الادعاءات التي تثير ضحك كل الخبراء الدوليين المراقبين لتطور الاقتصاد المصري طوال العقود الماضية. سادسا: هل كان الفقر والجوع سببا وراء 25 يناير؟ من المهم عند دراسة مستوى الفقر أن ننتبه الى أمرين : خط الفقر المدقع - أو دخل اقل من 1.25 دولار يوميا Extreme Poverty Line خط الفقر القومي - أو دخل اقل من 2 دولار يوميا بحساب القوة الشرائية للدولارNational Poverty Line بالتأكيد كان الحديث عن "تفشي الفقر" كسبب رئيسي لخروج الناس في يناير وفبراير. والرقم الذي يتم استدعاؤه عند كل حديث يدور حول الفقر هو أن 40% من المصريين تحت "خط الفقر القومي " المحدد ب 2 دولار يوميا – وهو ما ليس صحيحا كما سيظهر لاحقا. الحقيقة أنه لا يوجد تقرير واحد من أي جهة اقتصادية في العالم ذكر أن 40% من المصريين يقعون تحت خط الفقر اطلاقا !