شهدت تركيا الأحد الماضي استفتاءً تاريخيًا، لم تشهده من قبل، بشأن تعديلات دستورية من شأنها تحول النظام من برلماني إلي رئاسي، وفيه تجمع السلطات في أيدي الرئيس، وبلغت نسبة الأصوات المؤيدة51.41%، بينما الأصوات المعارضة 47.59%من نسبة الأصوات التي لها حق الإدلاء في التعديلات49.799صوت. من بين التعديلات التي تمت الموافقة عليها" رفع عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600، ويستخدم البرلمان صلاحيته في الرقابة والتفتيش والحصول على معلومات عبر "تقصي برلماني" أو "اجتماع عام" أو "تحقيق برلماني" أو "سؤال خطي". لقيت تلك التعديلات الدستورية احتجاجات واسعة من جانب المعارضين وعلى رأسهم حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبر أكبر كيان سياسي معارض في تركيا، فيمارحب بها عدد كبير من جانب الموالين لحزبي الحركة القومية والعدالة والتنمية. ردود فعل واسعة شهدتها الساحة العربية والدولية، المؤيدة للتعديلات الدستورية في تركيا، من بينها قطروتونس وأمريكا،الذين هنأوا أردوغان عقب انتهاء الاستفتاء. أهداف الاستفتاء: بعد سيطرة تنظيم الإخوان المسلمين على مقاليد الحكم فى تركيا متمثلة فى الرئيس الحالي للبلاد رجب طيب أردوغان من خلال حزب (العدالة والتنمية) الحاكم الذي يتبنى فكر تنظيم الإخوان، لن تكفيه الامتيازات التي حصل عليها دون غيره من الكيانات السياسية المتواجدة هناك مثل حزب الشعب الجمهوري والحزب الديمقراطي، بل فكر أردوغان في السيطرة على أركان الدولة بواسطة تعديله الدستوري،حيث استفاد على عكس نظرائه في الدول العربية، في تحصين مشروعه، رغم الثغرات الخطيرة والشقوق الكثيرة فيه، بالاعتماد على شرعية الصناديق والإرادة الشعبية. كما يُسوق له للمضي قدمًا في مشروع "التمكن" والقبض على مفاصل الدولة كاملةً في انتظار يوم الفتح العظيم بإعلان الخلافة من جديد، إما في شكلها الفولكلوري القديم، الذي هدمه مصطفى كمال في 1923، أو في شكله "الرفاهيي" الجديد الذي كان يُنظر له كل من نجم الدين أربكان، بإقامة سوق مشتركة إسلامية كبرى، على غرار المشروع الأوروبي في بداياته، أو بدرجة أقل، وهو إحياء مشروع تركيا العظمى أو الكبرى، الذي يعتبر المحور الذي تقوم عليه مدرسة العدو اللدود لأردوغان الداعية المنفي فتح الله غولن. طبيعته: تحويل النظام التركي من برلماني إلى رئاسي، وذلك من خلال الآتي: -رفع عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600. -خفض سن الترشح لخوض الانتخابات العامة من 25 إلى 18 عامًا. -تجرى الانتخابات العامة والرئاسية في نفس اليوم كل 5 سنوات. -يستخدم البرلمان صلاحيته في الرقابة والتفتيش والحصول على معلومات عبر "تقصي برلماني" أو "اجتماع عام" أو "تحقيق برلماني" أو "سؤال خطي". -عدم قطع رئيس الدولة صلته بحزبه. -ولاية رئيس الدولة 5 سنوات، ولا يحق للشخص أن يتولى منصب الرئاسة أكثر من دورتين. -المرشح الذي يحصل على أغلبية مطلقة في الانتخابات يفوز بمنصب الرئاسة. -رئيس الدولة يتولى صلاحيات تنفيذية، وقيادة الجيش، ويحق له تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم. -يعرض الرئيس القوانين المتعلق بتغيير الدستور على استفتاء شعبي في حال رآها ضرورية. -يحق للرئيس إصدار مراسيم في مواضيع تتعلق بالسلطة التنفيذية، لكن لا يحق له إصدار مراسيم في المسائل التي ينظمها القانون بشكل واضح. -يعتبر المرسوم الرئاسي ملغي في حال أصدر البرلمان قانونًا يتناول نفس الموضوع. - يحق للبرلمان طلب فتح تحقيق بحق رئيس الدولة ونوابه والوزراء، ولا يحق للرئيس في هذه الحالة الدعوة إلى انتخابات عامة. -يحق للرئيس تعيين نائب له أو أكثر. مرحلة الإعداد: توصل حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية إلى اتفاق بشأن دستور جديد مقترح في ديسمبرالماضي بعد شهر من المفاوضات، ليبدؤا بالعملية البرلمانية للشروع في إجراء استفتاء بشأن المقترحات. في 20 يناير الماضي من العام الحالي، صوت البرلمان لطرح التعديلات المقترحة على الاستفتاء بأغلبية 339 صوتًا، متجاوزًا بذلك الغالبية المطلوبة من ثلاثة أخماس والتي تضم 330 صوتًا، وأعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي أنه سيسعى إلى إلغاء التصويت البرلماني من خلال المحكمة الدستورية، مستشهدًا بوجود مخالفات مثل التصويت العلني وترهيب النواب خلال عملية التصويت، وأعلن الرئيس رجب طيب أردوغان تاريخ الاستفتاء في 16 أبريل 2017. أسماء مؤيدة للتعديلات: -رجب طيب أردوغان رئيس تركيا -على بن يلدرم رئيس حزب العدالة والتنمية - دولت بهجلي رئيس حزب الحركة القومية التركي الدعاية للاستفتاء : شهد الشارع التركي قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية،تكثيف المؤيدين والمعارضين حملاتهم الدعائية من حيث التنوع والانتشار، مع وجود تفوق ملحوظ في تنوع وانتشار الدعاية الخاصة بمؤيدي التعديلات الدستورية (فريق نعم) والتي يقودها حزب العدالة والتنمية، مقارنة بالحملات الدعائية لمعارضي التعديلات الدستورية "فريق لا". وقام إخوان مصر الهاربون لتركيا بالدعاية للتعديلات الدستورية التركية فى المساجد، حيث قام محمد الصغير أحد عناصر الإخوان الفارين لتركيا بدعوة الشعب التركي للاستفتاء ب"نعم" من خلال خطبة له فى يوم الجمعة 14إبريل قبل الاقتراع. رغم نجاح الدعاية الانتخابية للتعديلات الدستورية التركية في بلدان خارجية كثيرة مثل لوس أنجلوس بأمريكا والتى أتت بنسبة أصوات مؤيدة حوالي(62%)، إلا أن الدعاية الخارجية لاقت أيضًا هجومًا صريحًا من قبل بلدان شتى من بينها الآتي: -دولة النمسا والتى دعا المستشار النمساوي كريستيان كيرن إلى فرض حظر يشمل الاتحاد الأوروبي كله على ظهور ساسة أتراك في حملات سياسية لتفادي تعرض دول أعضاء على حدى مثل ألمانيا لضغوط من تركيا. -الأزمة الدبلوماسية الهولندية التركية 2017، والتى تسببت أيضًا في منع هولندا وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو من الدعاية للاستفتاء بين الأتراك المقيمين هناك. دور المعارضة: كان للمعارضة التركية موقفها الواضح من التعديلات الدستورية التركية، حيث قال "كمال كليجدار أوغلو" زعيم حزب الشعب الجمهورى التركى المعارض : "على الشعب أن يفكر مليًا قبل التصويت ب "نعم" فى الاستفتاء على الدستور الجديد والنظام الرئاسى، مشيرًا إلى أن مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة رفض تلك الصلاحيات التى يريد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الآن الانفراد بها، متسائلًا "لماذا نعطي هذه الصلاحية لرجل واحد؟". ترحيب: اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس الوزراء بن علي يلدريم وزعيم حزب العدالة والتنمية لتهنئته بنتائج الاقتراع التى انتهت إلى تعديل الدستور. خرج الأتراك المؤيدون للتعديلات الدستورية إلى شوارع إسطنبول، وبدأوا بالاحتفال في عدة مناطق، إثر الموافقة على تلك التعديلات في الاستفتاء الشعبي. وتجمع المواطنون القادمون من أحياء عدة، في منطقة "ترابية"، حيث يقع قصر "هوبر" التابع للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، منه نتائج الاستفتاء. وحمل المحتفلون لافتات كتبت عليها عبارات من قبيل :"نعم"، و"رجب طيب أردوغان"، و"قف شامخًا ولا تنحنِ، هذا الشعب معك"، للتعبير عن فرحتهم من جهة، ودعمهم للرئيس من جهة ثانية. -دور خاص ل"إخوان مصر" أما إخوان مصر فلم يكونوا من المهنئين فقط، فقبل الاستفتاء كانوا من أشد الداعمين حيث ل"نعم" حيث إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قام بالاستعانة بعناصر تنظيم الإخوان المتواجدين داخل تركيا للترويج للتعديلات الدستورية، من خلال إلقائهم لخطب الجمعة في العديد من مساجد تركيا، وذلك بالمخالفة للقوانين التركية التي تحظر اعتلاء أي أجنبي للمنابر، وذلك في إطار محاولات أردوغان المستميتة لفرض هيمنته على مقاليد الأمور في تركيا. واستعان النظام التركي بالإخواني الهارب محمد الصغير في القيام بعدة جولات في محافظاتجنوب شرق تركيا، لحث المواطنين الأتراك على التصويت بالموافقة على تلك التعديلات، لافتة إلى أن أردوغان يتبع نفس الأساليب التي اتبعها التنظيم الإرهابي في مصر خلال الانتخابات، وذلك بتوزيع الهدايا والمواد الغذائية والبطاطين عبر زيارات قامت بها عناصر من أمانة الشباب بالحزب الحاكم "العدالة والتنمية". وبعد ساعات من إعلان نتيجة الاستفتاء، هنأت جماعة الإخوان المسلمين في مصر، تركيا لإقرار التعديلات الدستورية التي تقضي بتحول نظام الحكم التركي من برلماني إلى رئاسي، وجاء ذلك في بيان نشرته الجماعة عبر صفحة الناطق الإعلامي باسمها، طلعت فهمي، على "فيس بوك". معارضة نتائج الاستفتاء: .اتهم أبرز حزبين معارضين فى تركيا، السلطات التركية بالتلاعب فى نتائج الاستفتاء حول توسيع سلطات الرئيس رجب أردوغان الذى أظهرت نتائجه الجزئية فوز مؤيدى توسيع سلطات الرئيس. وندد بولنت تزجان نائب رئيس حزب الشعب الجمهورى المعارض (ديموقراطى اشتراكى)، بقرار المجلس الانتخابى احتساب البطاقات غير المختومة التى استخدمت خلال الاستفتاء معتبرًا هذا الأمر "خرقًا" للقواعد المرعاة. إخوان تونس تهنئ: جماعة الإخوان في تونس لا يفوتها "واجب التهنئة"، فقدمت حركة النهضة الإسلامية - الجناح التونسي لجماعة الإخوان - التهنئة ل"أردوغان" على الفوز في الاستفتاء وتمرير التعديلات الدستورية، وقال راشد الغنوشى، زعيم الحركة الإخوانية، إنه اتصل بالرئيس التركي وأبلغه تهانيه على هذا النجاح، وتمنياته له ولكل الشعب التركي بمزيد من الازدهار والرقي. تهنئة قطر ل"أردوغان": فكان من أول المهنئين بإعلاء صوت "نعم" في استفتاء التعديلات الدستورية بتركيا هي دولة قطر، فقالت صحيفة "تركيا الآن" المقربة من النظام الحاكم وحزب "العدالة والتنمية"، إن "أردوغان" تلقى التهاني من عدد من نظرائه حول العالم، أبرزهم أمير قطر، إثر إعلان نتيجة الاستفتاء الشعبي بتأييد التعديلات الدستورية، كما سارع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثانى، بالاتصال هاتفيًا بنظيره التركي جاويش أوغلو، وهنّأه على فوز جبهة "نعم" فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية. ترامب يهنئ أردوغان: هنأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في اتصال هاتفي، ب "نجاح الاستفتاء الشعبي"، على التعديلات الدستورية.