تخرج من منزلها مع طلعة شمس كل صباح، حاملة بضائعها فوق رأسها وابنتها الصغيرة على يدها، تسير بهدوء وتندثر وسط زحام الناس والمواصلات متنقلة من سيارة لأخرى لتنقلها لذلك المكان المزدحم بالمارة التي اختارته ليكون الموقع المناسب تبيع فيه منتجاتها. تقضي نورا عبد الله المرأة الثلاثينية التي ما زالت بريعان شبابها ليلتها، تعجن وتخبز العيش والفطير المشلتت، لتساعد زوجها في مصاريف الحياة، فتغدو ذهابا وأيابا من منطقة "الكوم الأحمر" بمحافظة الجيزة لأحد شوارع منطقة الدقي، فتجلس على أحد جانبي الطريق مفترشة بضائعها من "خبز وفطير وجبن قريش وجبن قديم" أمامها لتجذب المارة بها. لم يكن حلم نورا العمل ولكن ضيق الحال جعلها تهرول لمد يد العون لزوجها الذي يعمل "سروجي" ويقوم بدهان الأبواب، وما كان لديها أي إمكانية للعمل بمهنة بعينها، فاختارت أن تستغل قدرتها على صناعة الخبز "البيتي" الذي يعشقه الكثيرون ولا يجيدون خبزه. بوجه مليء بالحيوية والنشاط وابتسامة مشرقة تجلس بائعة الجبن والفطير، تلاعب "ريتاج" ابنتها الصغرية، وتستقبل زبائنها بحب ومودة وترحيب كبير ملقاة بكل همومها خلفها فتعيش لحظتها حتى تستطيع استكمال يومها، وتظل جالسة من ساعتين لثلاث ساعات، تاركة رزقها على الله سبحانه وتعالى، واثقة من أنه لن يتركه، وبعد ان تنتهي من البيع تحمل ابنتها وتعود لمنزلها مرة أخرى. وفور وصولها للمنزل لا يُنسيها تعبها واجباتها ومسئولياتها تجاه منزلها وأبنائها الستة، فتسرع لتجهيز وجبة الغداء لزوجها ولأبنائها، وتقوم بتنظيف المنزل، ثم تنام مبكرًا لتستيقظ بالثانية بعد منتصف الليل والعالم نائم لتبدأ هي بإعداد وعجن الخبز لليوم التالي. ولم تكن تلك الابتسامة التى ترتسم على شفاه نورا دائما، قادرة على أن تغير معاناتها من صعوبة الأحوال وارتفاع الأسعار المستمر الذي جعلها تشتري المواد الخام من دقيق وغيره بأسعار مرتفعة تجعل العائد لها ضعيفا جدًا قد يصل في بعض الوقت لعدم حصولها على ربح خاصة مع الزيادة المستمرة. وفي اليوم العالمي للمرأة أعربت نورا، عن سعادتها رغم كل شيء تمر به لأنها مؤمنة بدورها في حياة أبنائها وزوجها، فخورة كونها امرأة تتحمل مسئولية تفوق الرجل قائلة:" الست اللي بتنزل تشتغل بتتعب أكتر من الراجل واحسن من 100 راجل، لأنها بتشتغل برا وجوه وبتهتم بالبيت والشغل كمان وبتجيب فلوس لسد حاجة المنزل وتعون زوجها، انا جوزي شغال سروجي (بيرش بيبان) وضيق الحال هو اللي خلاني انزل اشتغل وساعده، لكن لو فكرت اقعد يوم فالبيت مبلقيش اكل لعيالي".