الكلمات المحبوسة هى الأطول عمرا، واعتقال الابداع يجدده وينميه ويساعده على الانتشار . لولا صلب الحلاج ما وصلتنا كلماته، ولولا شنق سيد قطب ما وزعت كتبه مئات الالاف من النسخ، ولو لم تقطع رأس ابن المقفع ربما ما كنا سمعنا شيئا عن كتاب « كليلة ودمنة». من يعتقد أن اطلاق الرصاص على الكلمة يمحوها ساذج، لأن الكلمات كالعصافير تطير بعزة وتتكاثر بسرعة، ومن يتصور أنه يمكن تحديد إقامة قصائد الشعر ونصوص الادب واهم، لأن نهر الابداع لا يمكن وقفه . أقول ذلك مندهشا من موقف حكومة قطر تجاه شاعر خليجى يوظف الابداع لنقد الاستبداد والدفاع عن الحريات هو الشاعر محمد بن الذيب العجمى. فى الشهر الماضى كتب الشاعر قصيدة منددا بفاسدين مقربين من شيخ قطر فاعتقلته سلطات الامن وقدم للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم! فى رسالة بعثها الشاعر «العجمى» من محبسه قال «إن مشكلتى مع رجال يعتقدون أنهم شيوخ وأعتقد انهم تجار». وقال أيضا: «إن انتقاد الحكام تهمة تشرفنى». ورغم مناشدات عديدة وجهتها منظمات حقوقية عربية ودولية للنظام القطرى فإن الشاعر محمد بن الذيب العجمى مازال رهين الحبس. ولاشك أن نظام دولة قطر يعد مثالا صارخا على حالة الانفصام التى تطال كافة الانظمة العربية من المحيط الى الخليج. فالدولة التى غسلت وجهها بإعلام «ثورى» مارس التحريض اللفظى ضد الانظمة القمعية فى مصر وتونس وليبيا وسوريا تمارس القمع على مواطنيها وتحاكمهم بتهمة كتابة الشعر، والبلد الذى يطل على العالم الغربى كنطفة تحضر وراية سلام فى بقع زيت سوداء بتخلفها وهمجيتها يفتش فى ضمائر الادباء ويقيم رقباء الأمن على كل ما يكتبون وما يقولون. إن قطر أشبه بالرجل الثرى الذى ينفق أمواله لتحرير العبيد، بينما يمارس الاستعباد ضد أفراد أسرته. وبمعنى آخر فإن الشيخ الصالح الذى يدعونا لتقوى الله يشرب الخمر. إنه لم يعد عجيبا فى عالمنا العربى أن نجد من يدين العنف ويمارسه، ويندد بالطغيان خارج أرضه ويصفق له داخلها، ويأسف لسقوط شهداء من أجل الحرية فى القمر ويرفض إطلاق صفة «الشهداء على ضحايا الحرية من بنى وطنه». إننى أناشد أصوات الحرية فى بلدى أن تقف مع الشاعر القطرى محمد العجمى لأن حقوق الانسان ليست شأنا داخليا لقطر، وحرية الكلمة تتجاوز كل الحدود. هذا والله أعلم.