وزير التعليم العالي يلتقي وفد «الروس آتوم» الرائدة في التكنولوجيا النووية    وزيرة الهجرة تطلق «بودكاست» لتعريف المصريين بالخارج تاريخ حضارتهم    محافظ أسيوط يشيد بمشاركة شباب الأحزاب في تنظيم احتفالات عيد الأضحى (صور)    أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور في ثاني أيام عيد الأضحى    أسعار العملات العربية في بداية تعاملات ثاني أيام عيد الأضحى    الإسكان: تنفيذ 1384 مشروعا بمبادرة "حياة كريمة" بمحافظات المنيا وبنى سويف وأسيوط    وزير النقل: تنفيذ خطة شاملة لتطوير كافة الموانئ المصرية تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي    القاهرة الإخبارية: انفجارات عنيفة شرق رفح الفلسطينية جراء إطلاق الاحتلال المدفعية    روسيا: لن نسمح بإعادة آلية فرض قيود على كوريا الشمالية في مجلس الأمن    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة الأهلي لمواجهة الاتحاد السكندري    هل حدثت مشاجرة بين زيزو وناصر ماهر؟ مصدر يوضح الحقيقة    وكيله: كفاراتسخيليا يريد الرحيل.. ورد ناري من نابولي    بعد الأداء الرائع.. رومانو: ريال مدريد سيبدأ المفاوضات لتمديد عقد كارباخال    25 صورة ترصد احتفالات المواطنين في ثاني أيام العيد بحديقة الأزهر    "الميكروباص اتعجن".. 9 مصابين في حادث مروع بأسيوط- صور    تفاصيل الحالة المرورية في ثاني أيام عيد الأضحى    الغردقة تتألق صيفًا بنسب إشغال قياسية وإجراءات سلامة مشددة على الشواطئ    يقترب من 50 مليون.. تعرف على إيراد "ولاد رزق 3" بأول أيام العيد    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    كيف تتجنب المشكلات العائلية خلال أيام العيد؟.. خبير التنمية البشرية يجيب    اعرف آخر وقت لتقديم الأضحية ودعاء النبي وقت الذبح    طبيبة تغذية تكشف مفاجأة: الكوارع سهلة الهضم للأطفال (فيديو)    نصيحة في كبسولة.. الخطوات اللازمة لتجنب الإصابة بأمراض القلب    وزير الإسكان: جهاز تعمير وسط وشمال الصعيد يتولى تنفيذ 1384 مشروعا    توافد آلاف الزوار على حدائق كفر الشيخ ومصيف بلطيم خلال ثاني أيام عيد الأضحى    خفر السواحل الصيني يتخذ تدابير تنظيمية ضد توغل غير قانوني لسفينة فلبينية    محافظ المنوفية: إطلاق مبادرة "الأب القدوة" ترسيخا لدور الأب    الرئيس السيسي يلتقى ولي العهد السعودي في لقاء أخوي    إيرادات قياسية لفيلم Inside Out 2.. اقترب من 300 مليون دولار    7 معلومات عن الطيار حسن عدس المتوفى بعد الهبوط في جدة.. «مكملش 40 سنة وغير متزوج»    وفاة خامس حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    دعاء طواف الوداع: «اللهم إن كنت رضيت عنِّي فازدد عنِّي رضا»    الري: إقبال كبير على حدائق القناطر الخيرية والمركز الثقافي الإفريقي بأسوان خلال أيام عيد الأضحى    طهران تدين بيان الترويكا الأوروبية بشأن البرنامج النووي الإيراني    بدء دراسة كبيرة حول التغذية النباتية في البلدان الناطقة بالألمانية    محافظ أسوان يتفقد المطعم السياحي متعدد الأغراض بعد التطوير    إعلام فلسطينى: قصف إسرائيلى يستهدف المناطق الجنوبية لمدينة غزة    جندي إسرائيلي يتخلص من حياته بعد عودته من الحرب في غزة    إسرائيل تبحث اتخاذ خطوات عقابية ضد السلطة الفلسطينية بينها الاستيطان    حسم موقف سيرجو روبيرتو من الرحيل عن برشلونة    «المحلاوي» عن يوم «القر».. من أعظم أيام الله ويستجاب فيه الدعاء (تفاصيل)    بعد قرار كولر.. الأهلي يفتح باب الرحيل أمام أليو ديانج للدوري السعودي    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارة عنيفة على وسط غزة    «المالية»: تخفيف الأعباء الضريبية عن محدودي ومتوسطي الدخل    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 17 - 6 - 2024 والقنوات الناقلة    الدولار يسجل 47.75.. أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه اليوم    المنيا تسجل حالة وفاه جديدة لحجاج بيت الله الحرام    لماذا خالفت هذه الدول توقيت احتفال أول أيام عيد الأضحى 2024؟    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. ثاني أيام عيد الأضحى 2024    بعد إثارته للجدل بسبب مشاركته في مسلسل إسرائيلي.. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    «زي النهارده».. وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوى 17 يونيو 1998    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ممدوح الشيخ يكتب:
دولة التنظيم السرى
نشر في الوفد يوم 06 - 01 - 2012

فقد عايشت هذا الكتاب معايشة لا تكاد تنقطع منذ العام 2004، ولهذه المعايشة قصة أرى أن من حق قارئه أن يعرفها،
وهي ليست قصة شخصية بل أحد أهم المداخل التي تساعد على فهمه. ولكونها ليست المدخل الأهم فلن تكون أول المداخل.
(1)
كنت أعد مع الإعلامي المعروف، الصديق العزيز عاصم بكري فيلماً تسجيلياً لقناة الجزيرة اخترنا له اسم «دولة المنظمة السرية» وقام بإخراجه وعرض في 2009، عندما قادتني قدماي إلى منزل الكاتب الإسلامي الكبير الأستاذ أحمد رائف – رحمه الله رحمة واسعة – وفي صالونه وجدت عدداً من الحضور بينهم الزميل مصطفى سليمان أحد مراسلي الموقع الإليكتروني لموقع قناة «العربية» على الانترنت «العربية نت» وقاضٍ سابق له كتابات في الفكر الإسلامي مثيرة للجدل.
كان مصطفى سليمان يحاور أحمد رائف حول تصريحاته عن «تنظيم سري» قال إنه يسيطر على جماعة الإخوان، وفجأة ألقى قنبلة من العيار الثقيل. حسب رواية رائف فإنه التقى صفوت الشريف أكثر رجال نظام مبارك غموضاً على مأدبة في منزل كاتب معروف وبعد تناول الطعام بدأ المدعوون في الدردشة فقال رائف مخاطباً صفوت الشريف:
هو حضرتك ازاي كنت عضوا في النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين؟
وتكهرب الجو ..وتبودلت بينهما جمل قصيرة لا تعني النفي ولا الإثباب، لكن رائف واجه الشريف بأسماء زملائه في المجموعة. ورغم أنني تفهمت إحجام الزميل مصطفى سليمان عن تفجير هذه القنبلة السياسية آنذاك إلا أنني بقيت مندهشاً.
ومن المعلومات الصادمة التي خرجت بها من تجربة هذا الفيلم الوثائقي معلومة أخرى كشف عنها أهم الخبراء في تاريخ التنظيم الطليعي – الدكتور حمادة حسني عضو هيئة التدريس بجامعة قناة السويس – عندما قال لي إن المهندس خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين كان عضواًٍ ب «التنظيم الطليعي» السري. وهو حسب وصف أحد المستقيلين حديثاً من الإخوان، فإنه ليس فقط نائب المرشد العام للجماعة بل الرجل الحديدي الذي يستطيع إقناع أعضاء مكتب الإرشاد بأن الشمس تشرق من الغرب!!
وفي حوار له كشف وزير التعليم السابق أحمد جمال الدين موسى أنه كان زميلاً لخيرت الشاطر في «المعهد الاشتراكي»(المصري اليوم – حوار: محمد السيد صالح وشيماء عادل 19/ 8/ 2011)، والمعهد إحدي أهم مدارس إعداد الكوادر لنظام عبد الناصر. وعدت بالذاكرة سنوات إلى معلومة تشير إلى أن شركة من شركات الإخوان التي كانت موضوع قضية شهيرة وكان للشاطر صلة وثيقة بها كان من أهم العقود التي أبرمتها عقد مع جهة سيادية حساسة!
(2)
«الحكم على شيء فرع عن تصوره» قاعدة ذهبية في علم أصول الفقه، ومنها يمكن أن نشتق «إصلاح شيء فرع عن تصوره» فلا أمل في إصلاح سياسي في العالم العربي دون معرفة بال «شىء» الذي نصلحه، وعبر تجربة حكم نخب التحرر الوطني تبلور نموذج سياسي لخص المفكر الإسلامي المرموق الدكتور أبو يعرب المرزوقي أهم سماته في تعبير «التحديث الاستبدادي والبهائية المتخفية» حيث دخل الثوريون العرب تجربة «إصلاح» – أو تحطيم – الشعوب بدلاً من إصلاح الدولة وذلك حتى يصبح المواطنون متوافقين مع شكل للدولة معد ومستورد من أوروبا هو خليط توافقي من النموذجين الفرنسي والألماني للدولة القومية.
غير أن الدولة التي بدت – أو حاولت أن تبدو – دولة قانون تحديثية سقطت أقنعتها فإذا هي دولة تنظيم سري أكثر همجية وبربرية مما يذهب الخيال، والصدمة الأولى لم تكن عربية بل كشف عنها سقوط نظام حكم الرئيس الرواندي جوفنال هابيريمانا بنهاية الحرب الأهلية الرواندية (1994) فالسقوط غير المتوقع للنظام لم يتح فرصة للتخلص التام من وثائقه وحمل الكشف عنها مفاجأة كانت القوى الأوروبية المتحالفة معه تعرفها وتشاركه التستر عليها.
فالرئيس الرواندي السابق هابيريمانا كان مرتبطا بعلاقات وثيقة مع العائلة المالكة البلجيكية وفرنسا واستنادا إلى دعمهما المطلق تحول إلى الرئيس/ الملك ورغم هذا فإن القوة الحقيقية كانت تكمن في يد زوجته أجاسي التي كان الروانديون يلقبونها باسم شخصية رهيبة من تاريخ بلادهم وقد أحاطت نفسها بمجموعة من «متحجري القلوب» وكونت مافيا شديدة الإحكام سميت «أكازو» أي حكم القلة ومعناها «المنزل الصغير». وحسب أحد المنشقين على هذه المافيا ذات الخطاب الثوري فإنهم تعاملوا مع الدولة كشركة خاصة يحق لهم أن ينتفعوا منها قدر ما يستطيعون، أما الرئيس وقادة «الحركة الثورية الحاكمة» فوقعوا في شباك هذه المافيا.
ولم تكن هذه المافيا السرية من صناعة العقلية الشعبية التي تبحث عن الغامض والسري والمثير بل أشارت إلى وجودها تقارير رسمية من بينها تقرير جوهان سويفن سفير بلجيكا (1992) في رواندا الذي جاء فيه أن هذه الجماعة السرية تخطط لإبادة التوتسي. ولم تكن السرية مقصورة على رواند القابعة في قلب أحراش أفريقيا ففي فرنسا التي كانت تدعم هذه المافيا السرية استصدرت قرارات رسمية بمضاعفة المساعدات الفرنسية لرواندا ثلاثة أضعاف وبقيت القرارات التي تخص رواندا سراً حتى تظل فرنسا غير مسئولة عن جريمتها. وعندما اغتيل الرئيس هابيريمانا كانت السيدة أجاسي على أول طائرة فرنسية تقلع من مطار العاصمة حيث تعيش في شقة فاخرة بباريس!!!!
وقد تصورت عندما كتبت عن الظاهرة لأول مرة مجتهدا في صوغ تعبير «دولة التنظيم السري» أنني أدخل بابا غير مسبوق، غير أن حوارا مع الروائي العراقي المعروف محيي الأشيقر كشف لي عن عمل مهم في هذا السياق هو كتاب «دولة المنظمة السرية» للسياسي العراقي حسن العلوي الذي كان من قيادات البعث ووصف في كتابه جانبا من البنية السرية للنظام العراقي و«المناطق المحرمة» في السياسة العراقية التي لم يكن يسمح لأحد من خارج الحلقة الضيقة بدخولها، وما كشف عنه كتاب العلوي ووثائق النظام الرواندي السابق أن القضية تتجاوز المنطق التآمري والهوس بالسرية والغموض اللذين يرفعان في وجه من يحاولون لفت النظر للأهمية الجدية لطبيعة السرية لممارسة لسياسة العربية خلال نصف القرن الماضي.
وقضية السرية تعيد للذاكرة أسماء مثل: «جماعة تركيا الفتاة» في تركيا و«تنظيم العروة الوثقى» الذي أسسه جمال الدين الأفغاني وكانت باريس محطة مهمة في مساره، و«جماعة الكتاب الأحمر» في الشام والعراق، و«التنظيم الطليعي» في مصر، وكذا الأدوار الحاسمة التي قامت بها أقليات في التاريخ العربي الحديث، وفي هذه الحالات جميعاً نحن أمام عملية «ترانسفير» للسياسة من الجهاز الإداري للدولة إلى بنى سياسية موازية تتسم بالغموض وتمسك بخيوط القرار السياسي عبر آليات خفية.
وإذا كانت الحقائق في دولة القانون توجد في الوثائق – أو هكذا ينبغي أن يكون – فإنها في دولة التنظيم السري تكون ملك أشخاص وهنا تغيب الوثيقة والحقيقة معاً، ومن يتابع المناقشات التي تشهدها دول عربية عديدة حول الوثائق الرسمية وقلتها وصعوبة الوصول إلى القليل الموجود منها يدرك أن «تغييب الحقائق» أصبح ثقافة عامة وأن التعليمات الشفوية والتفاهمات الضمنية قد حلت محل الإجراءات القانونية التي هي أول معالم دولة القانون. والازدواج في دولة التنظيم السري يتجاوز البنى السياسية إلى الأجندات السياسية، ففي ظل نظام شمولي لا مكان فيه لمعارضة أو مساءلة كالنظام البعثي أو الناصري لا معنى لدولة التنظيم السري إلا أن تكون هناك أجندة سياسية لا يمكن إعلانها، ومن ثم تصبح عملية «الترانسفير» من المعلن إلى السري ضرورة، وعلى الأرجح هذا هو المبرر الحقيقي لوباء التوريث الذي يجتاح جمهوريات المنطقة العربية، حيث تحل «أسرة» محل التنظيم السري وتبقي الحقيقة الوديعة تنتقل من جيل لجيل داخل هذه الأسرة على نحو ما كان يحدث في تقاليد الكهانة الفرعونية.
وقد كشفت وثائق مخابراتية رفع عنها حجاب السرية قبل سنوات أن أجهزة المخابرات الغربية استخدمت رواية «دكتور زيفاجو» الشهيرة للروائي الروسي بوريس باسترناك سلاحا في الحرب الباردة على نحو واسع وترجمتها ونشرتها على أوسع نطاق لكشف الطبيعة الدموية للنظام السوفيتي البائد، وفي ضوء هذه الحقيقة وتجارب أخرى مماثلة فينبغي الانتباه لدلالات الانتشار الواسع لرواية «شفرة دافينشي» لدان براون وهي مما يطلق عليه البعض «رواية مصنعة»، فمحتواها التاريخي صحيح وهو نتاج جهود عشرات الباحثين، وبالتالي فهي عمل تأريخي في قالب روائي، والرواية تحكي قصة الصراع بين محافل سرية أوروبية والتأثير الكبير لهذه المحافل في التاريخ الأوروبي، ومن ثم فإن توقيت النشر والضجة الصاخبة التي أثارها النشر، قد تكون محملة برسالة للشعوب العربية لوضع خط يفصل بصرامة بين «السرية اللاعقلانية» التي تمتلئ بها الثقافات الشعبية شرقاً وغرباً وبين «دولة التنظيم السري» التي يبدو أنها ينبغي أن تشغل العقل التحليلي العربي، إن كان حقا مشغولاً بقضية الإصلاح.
(3)
انشغل الإنسان بموضوع السرية منذ بداية التاريخ تقريبا، ومن القصص المثيرة في هذا السياق قصة أوردها الكاتب الأمريكي ريتشارد نوكس في مشاركة له في كتاب The Book of Time (ترجم للعربية باسم: فكرة الزمان عبر التاريخ) يقول نوكس:
«لاحظ الفلكيون المصريون، طيلة مئات من السنين التي سجلوا فيها الأحداث الفلكية، أن كسوف الشمس وخسوف القمر يتبعان دورة تستغرق ثمانية عشر عاماً وأحد عشر يوماً، تقريباً، لكي تكتمل....وكل خسوف يشكل جزءا من سلسلة من الخسوفات تتغير فيها تدريجياً مواقع: الشمس والقمر والأرض بالنسبة إلى بعضها، وذلك نتيجة تغير بطىء غير منتظم.... وهذه الدورة وتسمى الساروس احتفظ كهنة المعابد الفرعونية بأسرارها ضمن سائر المعارف العملية الأخرى».
«ومنحتهم هذه المعرفة بالأسرار قوى مدهشة، ظاهرياً، على التنبؤ، بل على التحكم الظاهري في السموات، إذ كان بوسعهم أن يتنبأوا بأن إله الشمس سوف يحتجب نتيجة المعاصي التي يرتكبها الشعب. فإذا ما حدث الكسوف أمكن الكهنة أن يبشروا باستعادة الشمس، وفق شروطهم الخاصة !!!»
ومن كهنة الفراعنة إلى الكهنة الجدد من رجال دولة التنظيم السري تغيرت والوسائل ولم تتغير الأهداف، فالسيطرة على التغير بأي ثمن وبأية وسيلة تظل الهدف الأكثر قداسة عند اليد الخفية أيا كان اسمها أو شكلها التنظيمي بحيث تصبح قادرة على صنع التغير ومنع التغيير. و«التغير» و«التغيير» مصطلحان بينهما من ناحية الإملاء (الشكل) حرف واحد وبينهما من ناحية المعنى (المضمون) فرق كبير، فالتغير تحول تلقائي وفق قوانين داخلية يمكن القول إنها سنن كونية لو تركت المجتمعات البشرية فستنتقل وفقا لها من طور إلى آخر من أطوار التحول الاجتماعي. أما التغيير فعمل مخطط سلفا لتحقيق غايات معدة مسبقا، وقد ارتبط مفهوم التغيير أولا بظهور «الدولة القومية» كشكل للتنظيم السياسي، ويعتبر المؤرخون «صلح وستفاليا» (1648) لحظة ميلادها الحقيقية، لكن ميلاد الدولة القومية أدى – من ناحية أخرى – إلى ميلاد ظاهرة أخرى هي النزوع المتزايد إلى التحكم في العوامل الحاكمة لعملية «التغير» ليحل محلها «التغيير».
ومن أهم نماذج هذا النزوع ما يرويه الأكاديمي الأمريكي والت ج. أونج في كتابه «الشفاهية والكتابية» يقول حرفياً: «ليس ثمة من عمل يتناول التفكير الإجرائي أكثر فائدة للدراسة الراهنة من كتاب أ. ر. لوريا (التطور المعرفي: أسسه الثقافية والاجتماعية) (1967) فبناء على إيحاء من عالم النفس السوفيتي الفذ ليف فيجوتسكي، قام لوريا ببحث ميداني واسع على أشخاص أميين (أي شفاهيين) وأشخاص كتابيين إلى حد ما في المناطق البعيدة من أوزبكستان (مسقط رأس ابن سينا) وقيرغيزيا في الاتحاد السوفيتي خلال العامين 1931 – 1932. ولم ينشر كتاب لوريا في طبعته الروسية الأصلية إلا سنة 1974، أي بعد أن اكتمل البحث باثنتين وأربعين سنة».
فلماذا تبقى نتائج دراسة من هذا النوع محجوبة كل هذه السنوات؟!!
(4)
«هذا ما تطوعنا فيه بدافع تلك الرغبة الجنونية المقدسة في تغيير الكون. حسبنا أن نؤمن بأننا ضمن الصفوة المختارة».
بهذا لخص الأديب الكبير نجيب محفوظ أحد أهم ملامح رجال دولة التنظيم السري في مجموعته القصصية «التنظيم السري»، وبعد رجال الظل لا يكون هدفهم التغيير بل السيطرة ومنع التغيير، لكن الإحساس المبالغ فيه بالنخبوية مشترك عام بين رجال التنظيمات السرية جميعاً.
وهذا المشترك العام يشير إلى قضية مهمة هي قضية ما يطلق عليه المفكر العربي الإسلامي الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري «الاستعارة المجازية الكبرى» التي تلخص الظواهر الكبرى، فمثلاً مع إعادة بعث صورة الإله في فكر أرسطو بوصفه إلهاً لا إرادة له في الحقيقة أصبح الكون يشار إليه بوصفه ساعة سويسرية لا تحتاج إلى من يدفعها. وإلى جانب الاستعارة المجازية هناك أيضا مفهوم «الأسوة»، فبينما الأديان تجعل الأنبياء أسوة ومثلا أعلى «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»، اختار رجال دولة التنظيم السري أن يكون إبليس أسوتهم كونه يستمد القوة من الخفاء قال تعالى: «إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ».
وللحديث بقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.