رأى عدد من الخبراء، والمتخصصين في الشأن الاقتصادي، أنه بعد 6 سنوات من ثورة 25 يناير، لم يتسلل التعافي بالشكل المطلوب الي مصادر الدخل القومي، خاصة فيما يتعلق بالسياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، والنمو الاقتصادي والبترول والاستثمارات الخارجية، ولكنهم أكدوا من الناحية الاخرى أن هناك بعض عوائد مصادر للدخل القومي ليس لها علاقة بالثورة أو السياسة من الأساس ومنها البترول وقناة السويس. ونرصد خلال التقرير التالي مصادر الدخل القومي قبل وبعد الثورة وأين وصلت الآن؟. السياحة تعتبر السياحة أكثر القطاعات الاقتصادية تضرراً جراء حالة الانفلات الآمني التي شهدتها البلاد في أعقاب 25 يناير ، وتراجعت مصر إلى المركز ال85 من أصل 140 دولة في تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي العام للسياحة في عام 2013. وتشير الأرقام إلى أن عدد السياح الذي دخلوا مصر بنهاية عام 2010 بلغ 14.7 مليون سائح، وهذا الرقم انخفض خلال السنوات الثلاثة الأخيرة ، وتمثل إيرادات السياحة الآن تمثل حوالي 1 بالمئة من إيرادات العالم من السياحة، وقد كانت الإيرادات نهاية 2010 حوالي 12.5 مليار دولار بما يمثل أكثر من 11 بالمئة من الدخل القومي المصري، ولكنه تراجع . الاستثمارات الأجنبية مصر كانت وربما مازالت دولة جاذبة للاستثمار نظراً لكونها سوق استثماري كبير، ولكن الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد تسببت في هروب الاستثمار الأجنبي المباشر منها. وكانت معدلات الاستثمار الأجنبي في مصر مرتفعة جداً قبل يناير 2011 ثم تراجعت بفعل الأحداث، ولكنها وفقاً لأرقام الهيئة العامة للاستثمار في تحسن بعد 30 يونيو. وتشير أرقام الهيئة العامة للاستثمار أن حجم الاستثمار الأجنبي في مصر بنهاية العام المالي 2009 / 2010 قد بلغ 6.8 مليار دولار، بينما بلغ بعد الثورة أدنى مستوياته 2.2 مليار دولار، ولكنه عاد للارتفاع قليلاً في العام المالي 2012 / 2013 حيث بلغ 3 مليار دولار. قناة السويس تعتبر قناة السويس هي أحد أهم مصادر الدخل القومي المصري، وعلى الرغم من الاضطرابات الشديدة الأمنية والسياسية التي شهدتها مصر في أعقاب 25 يناير إلا أن إيرادات القناة لم تتأثر في تلك الفترة وسجلت ارتفاعاً بلغت نسبته حوالي 12.7 بالمئة خلال العام المالي 2010 - 2011. ولكن هذا الارتفاع لم يستمر طويلاً وسرعان ما تعرضت إيرادات القناة لهزة شديدة في العام المالي 2011 - 2012 وسجلت انخفاضاً بنسبة 3.9 بالمئة فقط، واستمر هذا التراجع في العام المالي الذي يليه 2012 - 2013، كما تراجعت عدد السفن المارة من القناة بنسبة 6 بالمئة في العام المالي نفسه. تحويلات المصريين في الخارج تحويلات المصريين في الخارج هي أحد عناصر الاقتصاد المصري، وقد تدخلت هذه التحويلات لإنقاذ البلاد من أزمات اقتصادية كثيرة شهدتها على مدار السنوات الثلاثة الأخيرة، وساهمت فى الحد من تفاقم العجز الكلى فى ميزان المدفوعات وزيادة احتياطي النقد الأجنبي. وهذه التحويلات هي العنصر الاقتصادي الوحيد الذي لم يتأثر بالأحداث السياسية والأمنية بعد الثورة بل على عكس سجلت تحويلات المصريين في الخارج زيادة مطردة من بعد 25 يناير 2011، وربما كان السبب في ذلك هو رغبة المصريين بالخارج في وقف النزيف الاقتصادي لمصر بعد الثورة. وكانت تحويلات المصريين بالخارج قد بلغت في العام المالي 2009 / 2010 حوالي 9.75 مليار دولار، وقفزت التحويلات في النصف الثاني من العام المالي 2011 / 2012 إلى 17.8 مليار دولار، ووصلت في نهاية سبتمبر 2013 إلى أكثر من 19.3 مليار دولار. ولكن الصورة التي تبناها الإعلام الغربي عن الأوضاع في مصر بعد 30 يونيو ربما تسببت في تراجع نسبي لهذه التحويلات مع بداية العام المالي 2013 / 2014، حيث أعلن البنك المركزي المصري عن تراجع التحويلات في يناير 2014 بما يقرب من 960.7 مليار دولار. البترول قطاع البترول هو احد القطاعات الجاذبة للاستثمار الأجنبي في مصر قبل 25 يناير 2011 ولكنه أنضم إلى قائمة القطاعات الأكثر تضرراً من الوضع الأمني في البلاد. واستحوذ هذا القطاع في العام المالي 2009 / 2010 على حوالي 70.9 بالمئة من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر، بما يمثل 3.5 مليار دولار، وبعد الثورة هرب من قطاع البترول استثمارات بلغت قيمتها نحو 1.8 مليار دولار في الفترة خلال العام المالي 2011 / 2012. وفي النصف الأول من العام المالي 2012 / 2013 سجلت الاستثمارات في قطاع البترول تراجعاً بقيمة 710 مليون دولار. وفي سياق متصل أكد هاني الشامي، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة طنطا، أن مصر وصلت في 2010 إلى أعلى نسبة في تاريخها بشأن عدد السائحين وصل إلى 12 مليون سائح، ولكنه وصل إلى أقل من النصف حاليًا وبعد 6 سنوات، ويتضمن هذا العدد اللاجئين السوريين أيضًا. وأردف الشامي، أن النمو الاقتصادي قبل الثورة وصل إلى 8%، وهو معدل مرتفع وجيد جدًا بالنسبة للدولة المصرية، ولكن الفجوة بين الفقراء والأغنياء هي السبب في ظهور الفقر الواضح والأعداد العالية في مصر، مشيرًا إلى أن النمو المرتفع كان ينقصه عدالة التوزيع في وقت مبارك فقط، ولكن الوقت الحالي وصل النمو إلى مؤشر ضعيف بنسبة 4% فقط. ورأى رئيس قسم الاقتصاد بجامعة طنطا، أن تحويلات العاملين بالخارج تأثرت بشكل كبير جدًا في الفترة الأخيرة بسبب أزمة الدولار، وتأثرت الدول العربية بشكل كبير في هذا الوضع مثلها مثل مصر، وبشأن عائدات قناة السويس فقد تأثرت فقط بحجم التجارة العالمية. بينما طالبت يمنى الحماقي، رئيس قسم الاقتصاد بتجارة عين شمس، ببذل كل الجهود والطاقات الموجودة أقصى ماعندنا من جهد في سبيل وضع مصادر الدخل علي طريق العودة لما كانت عليه ، لافتة إلي أن مصر تحتاج لثورة إدارية كبيرة، للنهوض بملف الإقتصاد المصري، وزيادة جميع عوائد مصادر الدخل القومي. وأشارت الحماقي، إلى أن قناة السويس ليس لها علاقة بالسياسة أو الثورة تمامًا، ولكنها تأثرت بشكل مباشر بحركة التجارة العالمية، وأن مصر ستحصد أضعاف دخل القناة عندما تنتهي من المشاريع اللوجيستية لخدمة السفن وصيانتها، وشركات الشحن حول القناة، وتربط الشرق بالغرب، موضحة أن ملف السياحة حصد أكثر من 12 مليار دولار قبل الثورة، ولكنها تحصل حاليًا على 4 مليارات دولار بصعوبة كبيرة، مشيرة إلى أن الوضع الحالي يحتاج إلى إدارة إقتصادية واعية، وتسويق سياحي مبتكر، وترتيب أولويات الانفاق. فيما أكد رشاد عبده، الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدي المصري للدراسات السياسية والاقتصادية، أن ثورة يناير 2011 تسببت بشكل كبير جدًا في إنهيار عوائد مصادر الدخل القومي في مصر، حتى وصلت نسبة الخسائر في الكثير من القطاعات الاقتصادية والاساسية للدخل المصري أكثر من 50 %. وأضاف عبده، أن معدل نمو الاقتصاد المصري قبل ثورة يناير، كاد أن يصل إلى 5.5%، وبعد ست سنوات وصل حاليًا بصعوبة بالغة إلى 4% فقط، إضافة إلى معدل البطالة والذي ثار بسببه الشعب عندما وصل إلى 9% ، ولكنه ارتفع حاليًا إلى 12.5% بعد سنوات مرت من المفترض أن تصل مصر إلى زمن إنتهاء البطالة، مشيرًا إلى أن الاحتياطي النقدي هو الآخر وصل في 2010 إلى 36.1 مليار دولار، وتراجع بنسبة كبيرة في الوقت الحالي إلى 23 مليار دولار فقط، ويتضمن هذا المبلغ ال12 مليار الخاصة بدعم الاحتياطي المصري، من قبل كل من الكويت والأمارت والسعودية. واستطرد عبده، أن قرار إنشاء تفريعة قناة السويس صحيح، ولكن الوضع تأثر بحركة التجارة العالمية، وليس له علاقة بالثورة أو ماشابه، موضحًا بأن الوضع التجاري العالمي في تراجع هو الآخر، وتأثرت به دول العالم العظمى، مثل الصين وأمريكا وليست قناة السويس أو مصر وحدها. أوضح ورئيس المنتدي المصري للدراسات السياسية والاقتصادية، أن انخفاض مؤشرات الأخلاق في الست سنوات الماضية، تسبب بشكل مباشر في إنهيار الاقتصاد المصري، خاصة مصادر الدخل القومي، وأن الدليل على ذلك قضايا الرشوة التي أعلنت عنها الرقابة الإدارية، بالإضافة إلى جشع التجار وكبار رجال الاقتصاد، وصولًا إلى المعاملات السيئة للمواطنين أنفسهم وتخزين كميات كبيرة من السلع إذا استشعروا وجود أزمة بها، مما يزيد تفاقم الأزمة.