المؤسسات العسكرية، الجيش والشرطة، تختلف عن المؤسسات المدنية، والحكم العسكري يختلف عن الحكم المدني.. فهؤلا يتدربون بالسلاح، وهؤلاء يتدربون بالكلام. هؤلاء يتدربون علي كيفية مواجهة العدو، وهؤلاء يتدربون علي كيفية مساعدة الأصدقاء. هؤلاء يتعاملون بالتلقين، وهؤلاء يتعلمون بالفهم، هؤلاء يتدربون علي الموت، هؤلاء يتدربون علي الحياة. هؤلاء يطيعون الأوامر، وهؤلاء يناقشون الأوامر. هؤلاء يرون في الطاعة أدب، وهؤلاء يرون في الانبطاح قلة أدب. هؤلاء يأمرون، وهؤلاء يقنعون. هؤلاء يصدرون أوامر، وهؤلاء يطرحون آراء. هؤلاء يصدرون الأحكام ويعاقبون بالسجن أو الموت، وهؤلاء يقولون آراء ويمنحون الحرية في الفكر والتعبير. هؤلاء ينفذون اعمالهم ثم يفكرون فيها، وهؤلاء يفكرون في أعمالهم قبل تنفيذها. هؤلاء يعملون بمفردهم، وهؤلاء يعملون مع الناس. هؤلاء يعملون في صمت، وهؤلاء يعملون بالصوت العالي. هؤلاء لا يتحاورون في ميادين المعارك وجبهات القتل، وهؤلاء يتحاورون في قاعات المؤتمرات والندوات. هؤلاء يعيشون خلف الأسوار وشعارهم ممنوع الاقتراب والتصوير، وهؤلاء يحطمون الأسوار ويصورون ويقتربون من كل ممنوع. هؤلاء يرون في الاعتراض والتظاهر جريمة تستحق السحل والسجن والقتل، وهؤلاء يرون في الاعتراض والتظاهر حقاً مشروعاً يستحق التأمين والحماية. هؤلاء منبع أفكارهم واحد وطريقتهم في التفكير واحدة واتجاهاتهم الفكرية واحدة، وهؤلاء لهم عشرات المنابع لأفكارهم وعشرات الطرق في التفكير وعشرات الاتجاهات الفكرية. هؤلاء يرتدون ملابس واحدة وألواناً واحدة ويأكلون نوعاً واحداً من الأكل في مطعم واحد في اليوم الواحد، هؤلاء متنوعون في الملابس والألوان والأكل والشرب والمطاعم في اليوم الواحد. هؤلاء يتعاملون باستعلاء مع كل ما هو ليس عسكرياً لأنه غير منضبط، وهؤلاء يتعاملون بتواضع مع كل فرد لأنه مظلوم. هؤلاء يشعرون أنهم فوق الآخرين لأنهم يدافعون عن الوطن بأرواحهم، وهؤلاء يشعرون بأنهم مع الآخرين يدافعون عن الوطن. هؤلاء مقتنعون بأنهم وحدهم يحمون الوطن، وهؤلاء مقتنعون بأنهم وحدهم يحمون الوطن، هؤلاء لا يعرفون غير الواجب وهؤلاء لا يعرفون غير الحق. هؤلاء يفعلون ما لا يعلمون، وهؤلاء يفعلون ما يعلمون. هؤلاء لا يتعاملون الا مع الرجال في المعسكرات والاقسام، وهؤلاء يتعاملون في الشارع مع كل فئات المجتمع من رجال ونساء وأطفال. هؤلاء يرون في الخروج علي النظام هو خروج علي الشرعية الوطنية، وهؤلاء يرون في تقنين النظام شرعية وطنية. هؤلاء يقدرون الأكبر حسب الأقدمية، وهؤلاء يقدرون الأكبر حسب الكفاءة. هؤلاء يتخذون القادة قدوة، وهؤلاء يتخذون المواطن هدفاً. هؤلاء يتصفون بالصرامة، وهؤلاء يتصفون باللين. هؤلاء يرفضون الحلول الوسط، وهؤلاء يقبلون الحلول الوسط. هؤلاء مقتنعون بأن آراءهم صحيحة لا تحتمل الخطأ، وهؤلاء مقتنعون بأن آراءهم صحيحة تحتمل الخطأ. هؤلاء مؤمنون بأن العدو هو من يهدد امن الوطن، وهؤلاء مؤمنون بأن العدو هو من يهدر مقدرات الوطن. هؤلاء مؤمنون بأن الوطن فوق المواطن، وهؤلاء مؤمنون بأن الوطن بالمواطن. هؤلاء مؤمنون بأن أمن الوطن من أمن المواطن، وهؤلاء مؤمنون بأن امن المواطن من أمن الوطن. هؤلاء يقودون، وهؤلاء يديرون. هؤلاء يرون من لا يمسك السلاح خائنا، وهؤلاء يرون من يمسك السلاح مجرما. هؤلاء يتعاملون مع الجواسيس والجواسيس المزدوجين، وهؤلاء يتعاملون مع المواطنين العاديين والمواطنين الناشطين. هؤلاء يشتبهون في الناس حتي تثبت براءتهم، وهؤلاء يرون الناس أبرياء حتي تثبت ادانتهم. هؤلاء يعملون في الخفاء، هؤلاء يعملون في العلن. هؤلاء اعمالهم وخططهم كلها سرية وتحكمهم الاسرار، وهؤلاء انشطتهم معلنة ومعروفة. هؤلاء يعشقون الفردية حيث ان القرار الأخير للفرد حتي ولو رفض الجميع، و هؤلاء يعشقون العمل الجماعي ولا قرار فرديا إلا بموافقة الجميع. هؤلاء يبحثون عن الصلاحيات والمميزات والمخصصات والترقيات، و هؤلاء يتنازلون ويتبرعون بمالهم وجهدهم ووقتهم ويترفعون عن المناصب. هؤلاء يتعاملون مع العسكر كأرقام ومراسلة - خدم - في المعسكر، وهؤلاء يتعاملون مع المواطنين كبني آدمين وأبناء وأسياد الوطن!!. ان الاختلافات والخلافات بين العسكريين والمدنيين قديمة قدم البشرية.. ولهذا كان يحرص الحاكم ان يزوج ابنته لقائد الجيوش حتي يضمن ولاءه ولا ينقلب عليه ويستولي علي الحكم، ومازالت حالات كثيرة مشابهة في أنظمة الحكم الديكتاتورية، وان اتخذ زواج المدنيين بالعسكريين في العصر الحديث اشكالا مختلفة.. وفي الوضع المصري، وخصوصا بعد ثورة 25 يناير، يري المدنيون أن العسكريين استولوا علي الثورة، ويريدون الاستيلاء علي السلطة.. بينما يري العسكريون أنهم يحملون الثورة ولا يريدون السلطة.. وما بين هذا وذاك يتسلل طرف ثالث قفز علي الثورة بعد الاطمئنان علي نجاحها ولم يدفع شيئا سوي حفنة دموع في الفضائيات علي الشهداء والمصابين؟!.. وهذا الطرف يختفي وراء المدنيين مرة ووراء العسكريين مرة ووراء الدين مرات.. فهو يجيد التعامل مع الملوك والعسكريين والمدنيين.. لكسب اكبر قدر من أي شيء وكل شيء.. البرلمان والرئاسة والدستور، ولهذا يخشي الثوار من أن يتم الاستيلاء علي الثورة والسلطة باتفاق في الخفاء مع من يكره الدولة المدنية والمدنيين.. فهل من الصواب ان ينتظر المدنيون الذين استردوا الوطن بالثورة حتي 30 يونيو ليستردوا الحكم بالانتخابات.. أم تستمر الثورة علي الجميع حتي لا نخسر الوطن لمدة 30 سنة أخري تحت نظام حكم يبدو مدنياً وهو في الحقيقة عسكري حتي ولو أطلق لحيته؟!